هطلت الأمطار في ذلك اليوم وتبللت أرضية شوارع القاهرة وكان اليهود والمصريين يعيشون في أحياء واحدة
لا يفرقهم شئ، فنظرت من الشرفة الخشبية على بائع الفول والبليلة وجارتهم حُسنية وهي تُفاصل مع بائعة الخضار وأجواء ذكرتها بأيام طفولتها التي لم تنساها ابدًا

فشعرت برزاز ماء على فروة رأسها وتذكرت أنها لم ترتدي الطاقية الصوف التي صنعتها لها خالة ديدمونة فوضعتها على رأسها فورًا

وسارت من عينيها أمطار أُخرى تُذكرها بوالدتها وشقيقها، فوضعت يدها على رأسها وتحسست الشعر النابت حديثًا كشعر الأطفال ومازال أثر ضربة الفأس على رأسها لم تزل
فذهبت إلى الماضي وتذكرت ما حدث لها في معسكرات هيتلر
جروها هي ووالدتها من بيتهم الباريسي عندما هجمت ألمانيا على فرنسا لتقوم بحرق اليهود
فهي التي كانت من ملكات جمال فرنسا اصبحت صلعاء الرأس تُعذب كل يوم لكونها يهودية

قاموا أولًا بخلع ملابسهم عنوة سواء رجال أم نساء فاليهود في نظر الألمان وخصوصًا في عهد هتلر ما هم إلا حيوانات على هيئة بشر لا يستحقون العيش في هذه الحياة أبدًا

ثم حلق الرأس بطريقة متوحشة بحيث لا يصلح للنمو مرة أخرى
ثم فصل النساء عن الرجال في عنابر مختلفة وكل يوم يجروا عشرات منهم للمحرقة الكبيرة بسبب وبدون سبب

يتم جلدهم في اليوم اكثر من مئة مرة وحرقهم بالنار على جلدهم ونزع أظافرهم هذا روتين لابد منه وأحيانًا كانوا يتركون عليهم الكلاب التي لم تأكل منذ ثلاثة أيام لتتغذى على هذا اللحم البشري الذي قد يصلُح للكلاب فقط

ومن ثم من يسمعونه يشتكي أو يبكي يزيدون عليه العذاب فهذا أمر طبيعي من هتلر

ثم نادتها خالتها ديدمونة فخرجت من حلمها المؤذي والماضي المرير ومسحت دموعها وتأملت أحياء القاهرة الدافئة ورائحة المطر تختلط برائحة مخبوزات خالة ديدمونة فأخذت تحكي لها ما تكتمه في قلبها منذ أن لجأت إليها هاربة من فرنسا إلى مصر في زي فلاح
تناولوا الكحك وقصت عليها.

أن في يوم ما بدئوا يجمعون من يصيبهم المرض حتى لا تنتشر العدوى في المعسكر النازي لأن بطبيعة الحال الألمان لا يكترثوا لمرض اليهود ولا يتم معالجتهم فهم كالكلاب من يمرض يٌطلق عليه الرصاص وحسب

فجمعوا كل من أصابهم المرض وأدخلوهم في المحرقة وكنت أبحث عن أمي فأخبرتني جارتي في الزنزانة أنهم أخذوها للمحرقة فشعرت بالغثيان وأنا اشم رائحة الشواء

رائحة شواء أمي والبقية الباقية من اليهود
حتى دموعي أبت النزول في اليوم التالي جمعوا من هم صغار السن لكي يعملو في الصحراء ليتم تحويلها إلى ارض زراعية
فأخذوني منهم ونحن نعمل أخذنا حرارة الشمس كلها على رأسنا ومن ثم شعرت بالدوار ووقع الفأس من يدي فجاءت ظابطة من ظباط الألمان ونهرتني لأني أتكاسل في العمل بعد أثنا عشر ساعة في العمل فلم أفهم ما تقول من تأثير حرارة الشمس فأخذت الفأس وضربت رأسي ولم أر شيئًا بعدها

رجعوا المعسكر من دوني وقالو أني مُت من حرارة الشمس فأستيقظت علي صوت عربة وفوجئت أني أنام وسط جماجم وعظام بارزة من أجسادها

التكلمة الأسبوع القادم...
مقتبسة من رواية الوشمبقلم/إسراء إبراهيم
المصدر حياة