في إحدى البلاد الأوروبية كان هناك طالبا بالمرحلة الابتدائية، والده كان متوفى وتهتم بكل شئونه والدته التي كانت تمتلك عينا واحدة والأخرى كانت مفقودة، كان الابن دائما ما يكن مشاعر الكره والبغض تجاه والدته التي لم تكن جميلة الشكل بسبب عينها ولذلك السبب كان يعتقد أنها تسبب له الإحراج دوما، كانت تلك الوالدة تعمل بنفس المدرسة التي يرتادها صغيرها حيث كانت تعمل طاهية فتعد كل الطعام لكل من بالمدرسة بمن فيها من مدرسين وطلاب؛ وبيوم من الأيام بعدما أنهت الوالدة عملها كما ينبغي أن يكون سارعت لتطمئن على صغيرها وعلى مستوى تعليمه وتدرجه ولكنها رأت علامات الكره على وجهه، لقد رمقها بداية بنظرة مليئة بالكره وتجاهلها كليا أي وكأنها ليست بأمه التي ولدته فرحلت مسرعة، وعندما غادرت الأم الفصل استهزئ أحد زملائه به وبوالدته التي تعمل بمطبخ المدرسة ولا تملك إلا عينا واحدة وسخر منها كثيرا لدرجة أن كل من بالفصل ضحك.
عندما عاد الصغير إلى المنزل وجد أمه غارقة في دموعها ولكنه لم يتأثر بتلك الدموع، وبدأ بحديثه القاسي والذي به من قسوة قلبه: “لماذا دائما ما تجعليني أشعر بالإحراج الشديد منكِ، ودائما ما تجعلي مني أضحوكة للجميع، لماذا لا تموتين لتريحني”.
ولكن ما أدهش الصغير رد فعل والدته حيث أنها لم تجب عليه ولو حتى بحرف واحد ولم تبدي أي حركة، والطفل مازال مستمرا في قسوته وفي معاملته السيئة لها.
لقد عزم الصغير على الرحيل الأبدي عن كل تلك البلاد وكل ذلك بسبب الإحراج الذي دوما شعر به بسبب والدته، فجد واجتهد في دراسته وحصل على منحة دراسية إلى “سنغافورة” والذي جد بها كثيرا ونال مكانة مرموقة للغاية، فحصل على منزل فخم وسيارة ودخل لم يكن يحلم به يوما، لقد استحق كل ذلك بسبب جده واجتهاده وتعبه الذي دام لسنوات طوال فكان لابد له من أن يجني ثمار كده الطويل.
تغير في الحياة:
وفي عمله أعجب بفتاة جميلة وتزوج بها، ومن ثم أنجب منها صبي وفتاة، كان يعمل جاهدا ليوفر لهما كل احتياجاتهما من مأكل ومشرب وملبس وتعليم بمستوى عالي ورفيع، وقد وفق في كل ذلك، وكانت لديه زوجة رائعة في كل شيء، لم يعاني كثيرا من صدمات الحياة إلى أن جاء اليوم الذي حدثت فيه مفاجأة.
مفاجأة غير متوقعة:
في صباح أحد الأيام دق جرس الباب، ففتح الشاب وإذا بها والدته العجوز التي لم يرها منذ سنوات طوال، لقد سافرت إلى سنغافورة لرؤية من اشتاق إليهم قلبها، ولكن انزعج ابنها كثيرا وصار يصرخ في وجهها وبالأخص لم يرد أن يراها لا زوجته ولا أطفاله، وأفجع قلبها المشتاق لرؤية ابنها الوحيد وأحفادها بقوله: “أيعجبكِ هذا لقد أرعبتِ الأطفال بمنظركِ البشع”.
وكعادتها لم ترد الأم ولا بكلمة واحدة، ولكن في هذه المرة قالت: “أنا آسفة يا سيدي لقد أخطأت في العنوان، فسامحني من أجل كبر سني لم أنتبه”.
رجعت الأم إلى الديار مرة أخرى مكسورة القلب والخاطر.
ندم أفرط القلب وجعا وحزنا:
وبيوم من الأيام جاءت رسالة إلى الشاب من المدرسة التي كان بها والتي تعمل بها والدته يتم دعوته فيها إلى لم شمل عائلته؛ بداية كذب الشاب على زوجته ليتمكن من السفر لمدة أيام بحجة عمله، وبعدما حضر الاجتماع بالمدرسة الذي دعي من أجله قرر الذهاب إلى منزله القديم الذي تسكن به والدته، شيء ما دفعه لفعل ذلك، وعندما وصل وطرق الباب أخبره أحد الجيران أن والدته قد توفيت وعلمت قبلها أنه سيأتي للمنزل لذلك تركت له رسالة من هذا الجار:
“يا من ملك علي قلبي كل يوم، ولم أفكر في غيره…
آسفة يا ولدي الحبيب على كل الإحراج الذي سببته لك طوال حياتك وحياتي، وعلى الرعب الذي سببته لأطفالك عندما قدمت إلى سنغافورة من أجل رؤيتك ورؤيتهم، وعندما علمت بقدومك إلى الاجتماع سعدت كثيرا وتمنيت رؤيتك ولكن مرضي حال بيني وبينك…
تعلم يا بني إنك عندما كنت صغيرا تعرضت لحادثا مع والدك، بسبب إنقاذ والدك لك فقد حياته وأنت فقدت عينك في ذلك الحادث، ولم أرد أن تحيى في الحياة بعين واحدة كأي أم ترغب دائما في الأحسن لصغارها فوهبتك عيني، وإنني في غاية السعادة كونك ترى العالم بعيني، والدتك المحبة”