بنو الأحمر في غرناطة
نشأت النواة الأولى لمملكة بني الأحمر بـ"جيان" سنة 1231م، لكنَّ هجوم ملك قشتالة فرناندو الثالث على المدينة، أجبر محمد بن نصر على تركها قاصدًا غرناطة سنة 1245م، وكانت قد أعلنت ولاءها له منذ سنة 1235م، وهو الولاء نفسه الذي أعلنته كذلك مالقا وألمرية، بالإضافة إلى المنطقة الساحلية الممتدَّة من الجزيرة الخضراء إلى ضواحي مرسية.
أدرك محمد بن نصر وخلفاؤه من بعده أنَّ الاكتفاء بدفع الجزية لقشتالة لن يضمن لهم الحفاظ على مملكتهم، بدليل أنَّ بقيَّة ممالك الطوائف التي دأبت على دفعها سقطت كأشجار الخريف في يد النصارى، لذا قرَّروا الاستعانة بـ المرينيين الذين خَلَفُوا الموحدين على حكم المغرب.
محمد الثاني .. الخروج من عباءة النصارى
وقد رفض محمد الثاني دفع الجزية لقشتالة مستنجدًا بالمرينيين الذين عبروا مضيق جبل طارق سنة 1273م، واستعادوا من النصارى جبل طارق وطريفة.
وسوف ينجم عن التحالف الإسلامي بين أسرتي بني الأحمر وبني مرين، تحالف الممالك المسيحية الثلاث في شبه الجزيرة الأيبيرية وهي قشتالة وأراغون والبرتغال، وإعلانها الحرب على المسلمين.
حيث وقعت معركة دموية سنة 1292م بمنطقة جزيرة طريف، انتهت بانتصار النصارى واستعادتهم للمدينة التي انطلقوا منها لمحاصرة الجزيرة الخضراء.
محمد الثالث
وهذا الحصار دفع بملك غرناطة الجديد محمد الثالث لطلب مساعدة المرينيين الذين عبروا المضيق مرَّةً أخرى، وأجبروا النصارى على الانسحاب من الجزيرة الخضراء سنة 1310م.
واصل محمد الثالث مهمَّة الترميم والعمارة داخل قصر الحمراء التي بدأها جده ووالده، ومن بين المرافق التي أضافها، المسجد والحمام العمومي.
إسماعيل الأول .. صاحب الانتصار الأكبر في تاريخ بني الأحمر
وقد خلفه على العرش بعد اغتياله ابنه اسماعيل الأوَّل الذي نجح سنة 1319م في تحقيق انتصارٍ كبيرٍ على القشتاليين في "معركة جبل إلبيرة" التي قُتِل فيها أميران قشتاليان، هما دون بيدرو ودون خوان.
ولا تزال ذكرى هذه المعركة منقوشةً على إحدى بوَّابات "جنة العريف" داخل قصر الحمراء، كما استعاد إسماعيل الأول من القشتاليين "باثة"، و"أورثي" و"غليرة"، و"ويسكا" التي شهدت معركةً لها دلالةٌ بالغة، تمثَّلت في استعمال مدافع البارود لأوَّل مرَّةٍ في أوروبا.
محمد الرابع .. الملك الصغير كبير الشأن والفعل
وسوف تتواصل سلسلة الانتصارات هذه على عهد محمد الرابع الذي نجح سنة 1333م في طرد القشتاليين من الجزيرة الخضراء وجبل طارق، غير أنَّ هذا الملك الشاب لم يتمكَّن من الاستمتاع بانتصاراته؛ فقد اغتيل وعمره 18 سنة، بسبب الدسائس التي كانت تُحاك داخل قصر الحمراء.
وكردِّ فعلٍ على هزيمتهم تلك أقام القشتاليون تحالفًا مع مملكة البرتغال، أهَّلَهُم لاستعادة مجموعة من القلاع من بينها "كويفا دي بيثيرو" و "تيبة".
يوسف الأول .. صاحب أشد هزائم المسلمين في الأندلس
هذا التحالف المسيحي أجبر السلطان الجديد يوسف الأول (العادل) على طلب مساعدة المرينيين مرَّةً أخرى، والذين عبروا المضيق على رأس جيشٍ جرَّار، حاصروا بواسطته الجزيرة الخضراء، قبل أن تندلع "معركة طريفة" الشهيرة سنة 1340م، التي شارك فيها أربعة ملوك، هم: ألفونسو الحادي عشر ملك قشتالة، وألفونسو الرابع ملك البرتغال، وأبو الحسن المريني سلطان المغرب، ويوسف الأول سلطان غرناطة.
وقد مُني المسلمون في المعركة بهزيمةٍ قاسية، أجبرت المرينيين على الانسحاب بشكلٍ شبه نهائيٍّ من الأندلس، بحيث لم يعد لهم وجودٌ عسكريٌّ إلَّا في عددٍ محدودٍ من الحصون.
ويوسف الأوَّل هذا يرجع إليه الفضل في إضافة عددٍ من أقسام قصر الحمراء، من ضمنها: (قاعة قمارش، وقاعة البركة، وبهو الريان، وباب العدالة، والحمامات الملكية، وبرج الأسيرة الذي يزدان بواحدةٍ من أجمل قصائد المدح في الأندلس، تلك التي نظمها شاعر البلاط ابن الجياب في مدح سيده السلطان يوسف الأول).
محمد الخامس .. بداية نهاية بني الأحمر
وقد خلف هذا الأخير على العرش محمد الخامس، وكان كسلفه محبوبًا من طرف الرعيَّة، شغوفًا بالأدب والفن، قرَّب منه العلماء والشعراء، كما أسهم هو الآخر في توسيع قصر الحمراء، بإضافته لمرافق من بينها: (واجهة قصر قمارش، وقاعة البركة، وقاعة الأختين، وبهو الريحان، وقاعة دار عائشة)، وكلها تزدان بأشعار اثنين من أكبر شعراء الأندلس، هما: وزيره ابن الخطيب وتلميذ هذا الأخير ابن زمرك.
لم يتمكن محمد الخامس -على الرغم من دهائه السياسي- من تفادي الصراعات الداخلية التي كانت مملكة غرناطة عرضةً لها، وهكذا أُطيح به من طرف متطلِّعين آخرين إلى العرش؛ حيث اضطرَّ للفرار من قصر الحمراء ليلًا متخفِّيًا في لباس امرأة، والتجأ إلى المغرب رفقة كبار رجال الدولة الأوفياء له، مثل: ابن الخطيب وابن زمرك، طلبًا لمساعدة السلطان المريني أبي سليم، الذي بدأ يعدُّ العدَّة لمرافقة محمد الخامس إلى الأندلس على رأس قوَّاته، لكن وفاته المفاجئة أرغمت سلطان بني الأحمر على العودة وحده إلى الأندلس بحثًا عن حليفٍ آخر.. وقد وجده في شخص ملك قشتالة دون بيدرو الذي قدَّم له المساعدة الموعودة.
وقد التقت قوَّاتهما قرب Guadix، وخاضا معركةً حاسمةً ضدَّ سيِّد قصر الحمراء الجديد السلطان محمد السادس، الذي مُني بهزيمةٍ قاسيةٍ أُجْبر على إثرها على الالتجاء إلى قصر الحمراء، قبل أن يُغادره من جديد، بعدما علم بتقدُّم قوَّات محمد الخامس.
وسوف يسعى هو الآخر للحصول على مساعدة دون بيدرو بعدما قصده في إشبيلية، غير أنَّ ملك قشتالة اعتقله، وبعد أن استولى على كلِّ ما كان معه من ثروات، قتله بنفسه، وكان محمد الخامس قد دخل في تلك الأثناء قصر الحمراء، حيث تُوِّج ملكًا للمرَّة الثانية.
وبالإضافة إلى الجزية التي كان يدفعها لمملكة قشتالة، بدأ محمد الخامس منذ سنة 1377م بدفع تعويضٍ شهريٍّ قيمته 900 دينار ذهبي لمملكة أراغون، مقابل توفير الحماية البحريَّة له، عن طريق خمس سفن أراغونية على ظهرها 200 من المقاتلين.
وعلى الرغم من كلِّ هذا، يُمكن اعتبار محمد الخامس آخر الملوك البارزين من دولة بني الأحمر؛ لأنَّه منذ وفاته سنة 1391م وعلى امتداد مائة سنة، سيتولى أمر المملكة مجموعةٌ من الملوك الذين تنقصهم التجربة والحنكة السياسية، والذين غرقوا في بحر من المؤامرات.
وكان المستفيد الأول من ذلك هم القشتاليين؛ الذين استغلوا مقتل يوسف الثاني (خليفة محمد الخامس) سنة 1395م لاحتلال مجموعة جديدة من القلاع، من بينها "كانييتي ريال" (1407م)، و "أنتكرة" (1410م) و"توري كارديلا" (1412م).
عبد الواحد أكمير