وصية فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها)
للإسلام والمُسلمين

*
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ)‏ :
لَمَّا حَضَرَتْ فَاطِمَةَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِا) الْوَفَاةُ دَعَتْنِي فَقَالَتْ :
أَمُنْفِذٌ أَنْتَ وَصِيَّتِي وَعَهْدِي ؟
قُلْتُ : بَلَى أُنْفِذُهَا ! فَأَوْصَتْ وَقَالَتْ :
إِذَا أَنَا مِتُّ فَادْفِنِّي لَيْلًا وَلَا تُؤْذِنَنَّ رَجُلَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا .
فَلَمَّا اشْتَدَّتْ عِلَّتُهَا اجْتَمَعَ إِلَيْهَا نِسَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارُ يَعُدْنَهَا ، فَقُلْنَ لَهَا :
السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ، كَيْفَ أَصْبَحْتِ عَنْ عِلَّتِكِ ؟
فَقَالَتْ (صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِا) :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ عَائِفَةً لَدُنْيَاكُمْ ، قَالِيَةً لِرِجَالِكُمْ ، لَفَظْتُهُمْ قَبْلَ أَنْ عَجَمْتُهُمْ وَشَنَئْتُهُمْ بَعْدَ أَنْ سَبَرْتُهُمْ ، فَقُبْحاً لِفُلُولِ الْحَدِّ وَاللَّعِبِ بَعْدَ الْجِدِّ وَقَرْعِ الصَّفَاةِ وَصَدْعِ الْقَنَاةِ وَخَطَلِ الْآرَاءِ وَزَلَلِ الْأَهْوَاءِ ، وَبِئْسَ‏ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ‏ . لَا جَرَمَ لَقَدْ قَلَّدْتُهُمْ رِبْقَتَهَا وَحَمَّلْتُهُمْ أَوْقَتَهَا وَشَنَنْتُ عَلَيْهِمْ غَارَهَا ، فَجَدْعاً وَعَقْراً وَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏ .
وَيْحَهُمْ أَنَّى زَحْزَحُوهَا عَنْ رَوَاسِي الرِّسَالَةِ وَقَوَاعِدِ النُّبُوَّةِ وَالدَّلَالَةِ وَمَهْبِطِ الرُّوحِ الْأَمِينِ وَالطَّبِينِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ‏ ، أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ‏ . وَمَا الَّذِي نَقَمُوا مِنْ أَبِي الْحَسَنِ ؟ نَقَمُوا مِنْهُ وَاللَّهِ نَكِيرَ سَيْفِهِ وَقِلَّةَ مُبَالاتِهِ بِحَتْفِهِ وَشِدَّةَ وَطْأَتِهِ وَنَكَالَ وَقْعَتِهِ وَتَنَمُّرَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَتَاللَّهِ لَوْ مَالُوا عَنِ الْمَحَجَّةِ اللَّائِحَةِ وَزَالُوا عَنْ قَبُولِ الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ ، لَرَدَّهُمْ إِلَيْهَا وَحَمَلَهُمْ عَلَيْهَا وَلَسَارَ بِهِمْ سَيْراً سُجُحاً لَا يَكْلُمُ خِشَاشُهُ وَلَا يَكِلُّ سَائِرُهُ وَلَا يُمَلُّ رَاكِبُهُ ، وَلَأَوْرَدَهُمْ مَنْهَلًا نَمِيراً صَافِياً رَوِيّاً تَطْفَحُ ضَفَّتَاهُ وَلَا يَتَرَنَّقُ جَانِبَاهُ ، وَلَأَصْدَرَهُمْ بِطَاناً وَنَصَحَ لَهُمْ سِرّاً وَإِعْلَاناً ، وَلَمْ يَكُنْ يُحَلَّى مِنَ الْغِنَى بِطَائِلٍ وَلَا يَحْظَى مِنَ الدُّنْيَا بِنَائِلٍ غَيْرَ رَيِّ النَّاهِلِ وَشُبْعَةِ الْكَلِّ ، وَلَبَانَ لَهُمُ الزَّاهِدُ مِنَ الرَّاغِبِ وَالصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ‏ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ‏ .
أَلَا هَلُمَّ فَاسْتَمِعْ وَمَا عِشْتَ أَرَاكَ الدَّهْرَ عَجَباً ، وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ‏ . لَيْتَ شِعْرِي إِلَى أَيِّ سِنَادٍ اسْتَنَدُوا وَعَلَى أَيِّ عِمَادٍ اعْتَمَدُوا وَبِأَيَّةِ عُرْوَةٍ تَمَسَّكُوا وَعَلَى أَيَّةِ ذُرِّيَّةٍ أَقْدَمُوا وَاحْتَنَكُوا ؟! لَبِئْسَ الْمَوْلى‏ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ وَبِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ، اسْتَبْدَلُوا الذُّنَابَى وَاللَّهِ بِالْقَوَادِمِ وَالْعَجُزَ بِالْكَاهِلِ .
فَرَغْماً لِمَعَاطِسِ قَوْمٍ‏ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ‏ ، وَيْحَهُمْ‏ !! أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى‏ ، فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏ .
أَمَا لَعَمْرِي لَقَدْ لَقِحَتْ فَنَظِرَةٌ رَيْثَمَا تُنْتَجُ ثُمَّ احْتَلَبُوا مِلْ‏ءَ الْقَعْبِ دَماً عَبِيطاً وَذُعَافاً مُبِيداً ، هُنَالِكَ‏ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ‏ وَيُعْرَفُ التَّالُونَ غِبَّ مَا أُسِّسَ الْأَوَّلُونَ‏ .
ثُمَّ طِيبُوا عَنْ دُنْيَاكُمْ أَنْفُساً وَاطْمَئِنُّوا لِلْفِتْنَةِ جَأْشاً وَأَبْشِرُوا بِسَيْفٍ صَارِمٍ وَسَطْوَةِ مُعْتَدٍ غَاشِمٍ وَبِهَرْجٍ شَامِلٍ ، وَاسْتِبْدَادٍ مِنَ الظَّالِمِينَ يَدَعُ فَيْئَكُمْ زَهِيداً وَجَمْعَكُمْ حَصِيداً فَيَا حَسْرَةً لَكُمْ وَأَنَّى بِكُمْ وَقَدْ عَمِيَتْ عَلَيْكُمْ‏ .
أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ‏ ؟

قَالَ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :
فَأَعَادَتِ النِّسَاءُ قَوْلَهَا عَلَى رِجَالِهِنَّ ، فَجَاءَ إِلَيْهَا قَوْمٌ مِنْ وُجُوهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مُعْتَذِرِينَ وَقَالُوا يَا سَيِّدَةَ النِّسَاءِ ، لَوْ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ ذَكَرَ لَنَا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نُبْرِمَ الْعَهْدَ وَنُحَكِّمَ الْعَقْدَ لَمَا عَدَلْنَا عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ ؟
فَقَالَتْ (صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِا) لَهُمْ :
إِلَيْكُمْ عَنِّي ! فَلَا عُذْرَ بَعْدَ تَعْذِيرِكُمْ وَلَا أَمْرَ بَعْدَ تَقْصِيرِكُمْ .

*
المصادر : (البحار : ج43، ص158، معاني الأخبار ، الاحتجاج ، الأمالي.)