مرحبا
تحتل موضوعات حماية البيئة protection of the environment أهمية دولية كبرى، وتتضاعف هذه الأهمية مع مرور الزمن. لأنها تتعلق بمستقبل البشرية ومصير الإنسان. ولعل الحالة المأساوية التي وصل إليها الكوكب الأرضي، نتيجة النشاط البشري، الذي تجلى في التقدم الصناعي والتقاني، وما حمله من آثار سلبية على بيئة الأرض ، بفعل التلوث المتزايد والمخيف الذي بات يهدد الحضارة البشرية، والناجم عن استمرار التدفق الحالي للغازات المخربة للمحيط الأرضي البيئوي، كل ذلك ينذر بكارثة بيئية شاملة تعكس ظواهر ارتفاع درجة حرارة الأرض 3-5 درجات، واتساع فجوة الأوزون، وكذلك أزمة نقص المياه العذبة وتلوثها، واضمحلال الغابات الطبيعية... فبات الإنسان يعمل بما يسيء إلى نفسه باعتدائه على الطبيعة، الذي يعد اعتداء على حقه في الحياة.
إن نتائج الكارثة البيئية، تشمل جميع الدول والشعوب دون استثناء، لأن بيئة الأرض واحدة، ولا تفصلها حدود جغرافية أو سياسية، ولذلك فإن تلوثها في دولة لا يبقى في حدود هذه الدولة، بل يتعداها ليسهم في تخريب بيئة من حولها، والإخلال بالتوازن البيئي.
كانت نتائج هذا العبث بالبيئة والطبيعة، كبيرة وهائلة، بقدر لايستطيع الإنسان تجاهله، مما أيقظ لديه الوعي البيئي، فاكتشف في الوقت نفسه تبدل علاقاته بالبيئة، وهذا أفضى إلى فصم روابط التضامن التي كانت تربطه ببيئته، واقتضى الوعي البيئي على المستوى الدولي، تنبيه وعي الشعوب بالخطر الداهم، وتحريض الدول على المستوى العالمي نحو الشعور بالمسؤولية تجاه الوضع، والمبادرة إلى حماية البيئة والطبيعة من الاعتداء عليها. وكان من الطبيعي أن تبادر منظمة الأمم المتحدة بحكم مسؤولياتها الدولية، إلى البدء بإعداد الدراسات العلمية والواقعية، وتشكيل اللجان وعقد المؤتمرات لحماية البيئة، ووضع النظم والمعاهدات التي تؤدي إلى إعادة التوازن إلى البيئة، وكذلك تحديد أسباب التلوث ووسائل الإقلال منه.
أدى هذا الاهتمام على المستوى الدولي والمؤتمرات المنعقدة في الأمم المتحدة، إلى إحداث قانون بيئي جديد Law of the Environment، عُد أحد فروع القانون الدولي العام، وظهر في اتفاقيات دولية وقوانين محلية على مستوى الدول، من أجل معالجة متكاملة للحد من تلوث البيئة وحمايتها، والحيلولة من الاعتداء عليها.
وقد انصرف مفهوم حماية البيئة إلى مجموعة النظم والإجراءات التي تكفل استمرار توازن البيئة، وتكاملها الإنمائي، وللمحافظة على بيئة سليمة صالحة للاستمتاع بالحياة والاستفادة من الموارد والممتلكات على خير وجه. كما ينبغي أن يرافق مجمل هذه النظم إشاعة الوعي البيئي على مستوى الأفراد والمجتمعات.
ولما كانت البيئة ذات طابع عالمي ومحلي، فقد اقتضى ذلك أن تكون قوانين البيئة المحلية انعكاساً لتوجهات القانون البيئي الدولي. الذي يتمثل بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، التي تعطي عناية خاصة لمعالجة المسائل البيئية الكبرى، ذات الطابع العالمي، مثل حماية البيئة البحرية و حماية طبقة الأوزون والحماية من التلوث الذري ... وغير ذلك.
نشاطات حماية البيئة على المستوى العالمي
شهدت العقود الأخيرة من هذا القرن توجهاً منظماً نحو حماية البيئة، ونشوء مؤسسات لمعالجة المشكلات البيئية على الصعيد الدولي، وانعقدت لهذه الغاية سلسلة مؤتمرات، نجم عنها اتفاقيات دولية برعاية الأمم المتحدة.
1 ـ مؤتمر استوكهولم حزيران 1972: كانت أهداف المؤتمر ترمي إلى إطلاق مجموعة من النشاطات المنسقة دولياً، تهدف إلى زيادة المعرفة بالحقائق وتأثيرها في الإنسان والموارد (تقويم البيئة)، وكذلك حماية ونوعية البيئة وتحصينها وإنتاجية الموارد (إدارة البيئة). واتخاذ التدابير في حقول التعليم والتدريب والتوعية الشعبية والمساعدة التقنية للبلدان النامية.
سلط المؤتمر الضوء على النشاطات الصناعية التي تطلق إلى الجو حرارة وغازات وجزيئات غريبة تؤدي إلى تلوث الهواء، وما تسببه زيادة نسبة غاز الفحم في الجو من تغيرات في مناخ الأرض، واستنزاف طبقة الأوزون في الغلاف الجوي الذي يحمي الأرض وأحياءها من الأشعة فوق البنفسجية. وشهدت السنوات اللاحقة للمؤتمر عدداً من الاتفاقيات والإجراءات على المستوى الدولي والمحلي لكل بلدة، كانت جميعها تهدف إلى حماية الجو من التلوث. ومنها:
أ ـ الموافقة على برنامج عالمي للمناخ، تتعاون على تنفيذه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة واليونيسكو والفاو ومنظمة الصحة العالمية وذلك في العام 1979.
ب ـ اتفاقية تشمل 35 دولة في أوربة وأمريكة لتحري تلوث الهواء، وما يسفر عنه من أمطار حمضية.
ج ـ حماية البيئة البحرية ومواردها من التلوث والاستغلال المفرط، لاسيما تلوث السواحل بالنفايات الصناعية كالكلور والنظائر المشعة، التي تفتك بالأسماك.
د ـ اتفاقية شاملة لحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث. أقرتها دول المتوسط، وصدقتها المجموعة الاقتصادية الأوربية. في العام 1976. وكذلك تم الشروع في تنفيذ خطط مماثلة في البحر الكاريبي وبحار شرق آسيا، والبحر الأحمر.
هـ ـ ضمان الإدارة البيئية الصحيحة للموارد المائية. ولهذه الغاية عقدت اتفاقيات بين البلدان التي تتقاسم أحواض الأنهار والبحيرات (النيل ـ الدانوب ـ الأمازون).
و ـ إعلان الأمم المتحدة المدة الواقعة (1981-1990) عقداً دولياً لتوفير مياه الشرب الصالحة لتحسين صحة ونوعية حياة 2500 مليون نسمة.
ز ـ تأكيد المؤتمر المحافظة على الاستقرار البيولوجي لكوكب الأرض، وحفظ الموارد الحية وحماية الغابات والحياة البرية.
ح ـ اعتماد مؤتمر الأمم المتحدة للتصحر 1977. خطة عمل لمكافحة التصحر ترمي إلى ضمان إدارة سليمة للأرض والموارد المائية في المناطق الجافة وشبه الجافة.
ط ـ تحديد برنامج عالمي لرصد البيئة وتلوث الهواء. وتحديد 200 مركز في 50 بلداً صناعياً، وكذلك استحداث سجل دولي للمواد الكيماوية، وبرنامج للأمن الكيميائي.
ي ـ التوصية بضمان أن يكون للتنمية الصناعية، الحد الأدنى من الآثار المؤذية للبيئة، واتخاذ إجراءات مراقبة للمواد المصنعة في كل بلد ومراقبة مياه المجاري والنفايات الصلبة.
كان من أهم إنجازات مؤتمر استوكهولم، خلق وعي بيئي، وتقوية الشعور بالمسؤولية في سلوك الأفراد والمؤسسات والمجتمعات، تجاه البيئة، مما أدى إلى إشاعة الفاعلية الشعبية، فكونت على مستوى العالم أكثر من 2230 منظمة بيئية غير حكومية في البلدان النامية و13000 منظمة في البلدان المتقدمة. وعقد أكثر من 30 اتفاقاً دولياً وإقليمياً لحماية البيئة، التزمت بموجبها الحكومات، بعض الإجراءات في شتى حقول البيئة، وقد تولى برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) عدداً من المشروعات المرتبطة بالبيئة العربية منها:
ـ 3 مشروعات لبيئة البحر الأحمر وخليج عدن.
ـ 6 مشروعات للبيئة البحرية في الخليج العربي.
ـ 34 مشروعاً لبرنامج البحر المتوسط.
ـ 31 مشروعاً عنيت بمسائل التصحر والطاقة والقانون البيئي والمساعدة الفنية.
ـ 3 مشروعات تعنى بالبيئة العربية.
2 ـ الهيئة الدولية للبيئة والتنمية: تأسست هذه الهيئة بمبادرة يابانية إلى الأمم المتحدة عام 1983. ووضعت الأسس والتوجهات التي أعلنها في طوكيو عام 1987. وتبلورت في ثمانية مبادئ، استرشدت بها المؤتمرات اللاحقة التي سميت مؤتمرات قمة الأرض الأولى والثانية.
آ ـ تنشيط النمو الاقتصادي: رأت الهيئة أن الفقر مصدر رئيسي لتردي البيئة، لاسيما في البلدان النامية، وعليه لابد من إحياء النمو الاقتصادي في هذه البلدان. وعلى الدول الصناعية أن تسهم بقسط وافر في إحياء هذا النمو، والقيام بمبادرة عاجلة لحل أزمة الديون.
ب ـ تغيير نوعية النمو: يجب تغيير نوعية النمو، بحيث يمكن إدامته، فضلاً عن نشر المساواة والعدالة الاجتماعية والأمان، وتوفير الطاقة النظيفة من الناحية البيئية. وتحقيق توزيع أفضل للدخل.
ج ـ المحافظة على الموارد الأولية وتعزيزها: مثل الهواء النقي والمياه العذبة والغابات والتربة، والاستعمال الكفي للطاقة والمياه والمواد الأولية الأخرى، وتحسين كفاية الإنتاج وتقليل نسبة الاستهلاك الفردي للموارد الطبيعية، للحيلولة من تلوث البيئة وذلك بإدخال تقانات جديدة لا تنتج منها فضلات ضارة بالبيئة.
د ـ ضمان مستوى سكاني يمكن إدامته: ودمج السياسات السكانية مع برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومنها التعليم والعناية الصحية ورفع مستوى الحياة المعيشية للفقراء.
هـ ـ إعادة النظر في التقانة: وتفادي مخاطرها بالسيطرة على آثارها الضارة، وتغيير نوعيتها في جميع الأقطار.
و ـ إدماج البيئة والاقتصاد في اتخاذ القرارات: إن التوقع المسبق لحصول الأضرار البيئية ومنع وقوعها يتطلبان أن تكون الأبعاد البيئية، ماثلة للعيان حين اتخاذ القرارات المتعلقة بقضايا الاقتصاد والتجارة والطاقة والتصنيع والزراعة. وذلك أمام المسؤولين عن هذه القرارات في المؤسسات الوطنية والدولية على حد سواء.
ز ـ إصلاح العلاقات الاقتصادية الدولية: إن تدعيم النمو الذاتي للبلدان النامية، يتطلب إجراء تغييرات جذرية من أجل توفير مزيد من الإنتاج التجاري، ومزيد من رؤوس الأموال والتقانات لمواجهة متطلبات البيئة بصورة عادلة.
ج ـ تقوية التعاون الدولي: إن دمج الأبعاد البيئية في التنمية يتطلب إجراءً سريعاً لمواجهة مشكلة التفاعل بين تردي الموارد وازدياد الفقر، والتي تؤدي إلى حدوث مشكلة بيئية على نطاق عالمي.
3 ـ مؤتمر قمة الأرض الأولى (ريودي جانيرو) 1992: انعقد هذا المؤتمر في البرازيل بحضور 150 من رؤساء الدول والحكومات أو ممثليهم. وكانت غايته وضع استراتيجية عالمية تلتزم بموجبها الدول جميعها بحل مشكلة تلوث البيئة، واختلال التوازن البيئي ومخاطره الحاضرة والمستقبلية على البشرية، وتحديد الالتزامات والتعهدات الواجبة في ضوء المقترحات والتوصيات التي تقدمت بها هيئة الأمم المتحدة.
وتركزت المشكلة حول تحديد أسباب التلوث واستمرار تدفق الغازات في الغلاف الجوي، وتبين أن المسؤول الأول عن التلوث هو الدول الصناعية الكبرى، فالولايات المتحدة التي يبلغ عدد سكانها 4? من سكان الأرض، تسهم في نسبة 25? من التلوث، والدول الأوربية الصناعية بنسبة 13?، كذلك فإن هذه الدول التي يبلغ عدد سكانها 20? من سكان العالم، يستهلكون 80? من موارد الأرض، في حين يحصل 80? من سكان العالم على 20? من موارد الأرض.
برز التناقض بين مواقف البلدان النامية والدول الصناعية، حول الإسهام في الإقلال من التلوث ومواجهة مخاطره، ونجح المؤتمر في الخروج ببعض القرارات التي التزمتها الدول، ووقعت وثيقة سميت ميثاق الأرض، وكان من أهم ماتضمنته من التزامات:
آ ـ تعهد الدول الصناعية بتقديم مساعدات للدول النامية تبلغ 0.7? من الناتج القومي الإجمالي.
ب ـ تقديم تعهدات ملزمة من الدول، لاسيما الصناعية منها، بشأن انبعاث الغازات الضارة.
ج ـ حل مشكلة التناقض بين مجتمعات الدول الصناعية والدول النامية، وهي المشكلة الناجمة عن اختلال معدلات النمو واستهلاك الموارد الطبيعية، وذلك بالاتجاه نحو العدالة بين مجتمعات هذه الدول الصناعية بتقديم تقنيات البيئة إلى الدول النامية.
د ـ التزام الدول الصناعية تقديم تقانات البيئة إلى الدول النامية.
هـ ـ تحقيق تحولات في العقلية الاقتصادية للحكومات والشركات، لتكون سلامة البيئة عنصراً في القرار الاقتصادي.
و ـ الاتفاق على تقليص تلوث الهواء الكوني إلى مستويات 1990 بحلول عام 2000.
4 ـ مؤتمر قمة الأرض الثانية (نيويورك) 1997: كشف هذا المؤتمر عن خلافات تبلورت في موقفين متباينين:
1ً ـ تناقض بين موقف البلدان النامية من جهة، والبلدان الصناعية من جهة أخرى بعدم وفاء الدول الصناعية بتعهداتها المتعلقة بمساعدة البلدان النامية، التي اتفق عليها في مؤتمر قمة الأرض الأولى.
2ً ـ تناقض بين الدول الأوربية الصناعية من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى يتعلق بعدم قبول الولايات المتحدة، تعيين مواعيد محددة لتقليص حجم الغازات المنبعثة، بذريعة تمويل تكاليف الإجراءات العملية لتنفيذ هذه العمليات، وإحجام الاحتكارات الرأسمالية الصناعية عن تقليص أرباحها، وتخصيص جزء منها لمصلحة مشروعات حماية البيئة. وقد خرج المؤتمر بوثيقة تتضمن توصيات أهمها:
آ ـ دعوة وفود الدول المتقدمة صناعياً، إلى تنفيذ التزامها تقديم مساعدة تصل إلى 7 بالألف من ناتجها القومي.
ب ـ التحذير من نقص المياه العذبة خاصة لأن ما يزيد على خمس سكان الأرض لا يحصلون عليها.
ج ـ الدعوة إلى التخلص بأقصى سرعة من البنزين (الغازولين) المرصص، الذي يلوث الجو في معظم أنحاء العالم النامي.
هـ ـ التزامات غامضة بمكافحة الفقر وزيادة مساعدات الدول النامية.
ومن الواضح أن هذا المؤتمر سجل تراجعاً عن القمة الأولى، في ضوء تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه الدول النامية، وخلافها مع الدول الأوربية الصناعية حول التزام مواعيد محددة، لإنجاز الإجراءات الكفيلة بتخفيف نسبة التلوث. واتخاذ قرارات مبهمة وغير ملزمة.
منقول \ للفائدة