مرحبا
التبرعم الحيواني طريقة تكاثر غير جنسية، تؤدي إلى تكوين متعضية مماثلة للكائن الأصل، أو إلى مستعمرة جديدة، انطلاقاً من مجموعة من الخلايا أو النسج المختلفة.
ويمكن تمييز ثلاثة أنماط من التبرعم: تبرعم النمو، وتبرعم التكاثر، وتبرعم المقاومة.
تبرعم النمو: تبقى البراعم في هذه الحالة متشبثة بالفرد الأصل، مؤدية إلى تشكل المستعمرات. والحالة الشائعة هي حالة اللاسعات cnidaria. وتعد هِدْرَة الماء العذب Hydra مثالاً جيداً لبرعمة النمو، فقد دُرِس هذا الحيوان بعناية فائقة منذ القرن الثامن عشر. فحين يتوافر لها الغذاء تنتج الهِدْرة 20 برعماً في الشهر، ويتم ذلك في المنطقة السفلية من الحيوان حيث يرسل الجسم بروزاً يشتمل على طبقتين خلويتين هما الأدمة الخارجية والأدمة الداخلية، ينفتح فم في قمته وينمو حوله حلقة من المجسات. وعندما تكون المياه هادئة والغذاء غزيراً والحرارة مناسبة (18ْ-20ْس) فإن البراعم لا تنفصل عن أمها، بل تشكل على هذا النحو مستعمرة موقتة تتصل أفرادها بعضها ببعض عن طريق التجويف المعوي. ويظهر أن بعض الخلايا تؤدي دوراً كبيراً في تكوين البرعم، وهي عبارة عن خلايا غير متمايزة، تبدأ، في مستوى البرعم، بالتقسم السريع والتمايز التدريجي أثناء الانقسامات الخيطية المتتابعة.
وفي حالة مستعمرة الأوبِلْية obelia من الهِدْريات يتوقف نمو البَوْلَبْ polyp باستثناء نقطة يرتفع فيها جدار الجسم ليشكل برعماً مجوفاً فيغدو بَوْلَباً جديداً. وتتكرر على هذ البَوْلَب الظاهرة السابقة نفسها (الشكل 1). وهكذا تنمو المستعمرة بالبرعمة المتتالية وتتفرع حسب قانون محدَّد. والمِدوسات medusae ليست سوى براعم للأوبلية تحمل العناصر التناسلية للمستعمرة، وتتحرر لتنطلق في الماء ناشرة النوع الذي تنتمي إليه.
برعمة التكاثر: وتتم حين تنفصل البراعم المتشكلة عن الفرد الأصل. وتصادَف هذه الطريقة لدى الحيوانات الأوالي protozoa والعديد من اللافقاريات. ويعدُّ هذا النمط من التكاثر أساسياً لدى أنواع صفيف المحصيات suctoria من الهدبيات Ciliata. وحسب توضع وتطور البراعم ويمكن تمييز نمطين من البرعمة في ضوء توضعها وتطورها: برعمة خارجية وأخرى داخلية. ففي النمط الأول ترتفع السيتوبلاسمة على الوجه العلوي للحيوان، وترسل النواة الكبيرة استطالة في هذا البروز، وتهاجر إليه أيضاً نواة صغيرة ناشئة عن الانقسام الخيطي. ويتشكل على سطح البرعم عدة حلقات من الأهداب. ولا يلبث البرعم بعدها أن ينفصل عن الفرد الأصل ليكمل نموه بشكل حر. هذا ويمكن أن تتشكل عدة براعم خارجية في وقت واحد.
أما البراعم الداخلية فتتشكل بانخماص الوجه العلوي للحيوان على شكل تجويف تتشكل في داخله البراعم التي لا تلبث أن تترك الفرد الأصل لتعيش حياة حرة (الشكل ـ2)
وتتكاثر اللاسعات بالبرعمة أيضاً. ففي مثال الهِدْرَة الذي ذُكِرَ سابقاً تنفصل البراعم المتشكلة عن الهدرة الأم حينما يكون الغذاء قليلاً وتستقر في مكان جديد بواسطة قدمٍ تكوَّنت في مكان انفصالها عن الأم.
وكذلك يرسل الاسفنج اللَّقْصَلِينَة leucosolenia براعم مجوفة من نقاط مختلفة من سطحه، تحمل نهاياتها الحرة أشواكاً كبيرة تتجه بعكس أشواك الأم. وحين تتحرر هذه البراعم فإن الفتحة التي تحدد منطقة الانفصال تصبح فوهة زفيرية للاسفنج الجديد.
وتتكاثر بعض المتعضيات بالبرعمة وهي في الحالة اليرقية. ومثال ذلك الدودة المشوكة الحبيبية Echinococcus granulosus التي تتطفل بالفتها على معي الكلب، أما يرقتها المسماة العُدارِيّ Hydatid فتتطور في كبد الإنسان، حيث تُكَوِّن بالبرعمة الداخلية والخارجية آلافاً من الحويصلات البنات، التي تعطي بدورها آلافاً من الحويصلات المنتشة يشتمل كل منها على نحو 20 رُؤَيساً scolex. ويذكر أيضاً تبرعم يرقة قنديل البحر المُذَهَّب Aurelia (والتي تسمى قدحية الفم Schiphistona) التي تتقطع عرضياً مؤدية إلى تشكيل ما يسمى المخاريط الهدرية strobila. إن هذا التكاثر المفرط لعدد من الأشكال اليرقية يزيد من فرصة بقاء النوع ويعوِّض عن السيئة المتمثلة بضرورة وجود عدة متعضيات مضيفة.
تبرعم المقاومة: وفي حالات أخرى تتشكل براعم قادرة على مقاومة البرد أو الجفاف. وهذا ما يصادف في اسفنج الماء العذب (إسبونْجِل) Spongilla، حيث تتشكل الدُرَيْرات (البُرَيْهمات) Gemmules خاصة حين اقتراب فصل الشتاء ( في مناخنا) أو حين اقتراب فصل الجفاف (في مناخ خط الاستواء). وبينما يموت الإسفنج تقاوم الدريرات وتشكل فرداً جديداً حين تغدو الشروط ملائمة. والدريرة مجموعة من الخلايا المتحولة تنشأ عن النسيج المتوسط، وتكون غنية بالسكريات البروتينية والشحميات، وهي تحاط بغلاف ثخين له فتحة صغيرة تدعى النقير. ويحيط بهذا الغلاف عددٌ من الأشواك الطرفية الأقراص Anphidiscs. وحين تكون الشروط ملائمة (حرارة أعلى من 16ْس) تنتش الدريرة وتخرج خلاياها من النقير وتشكل كتلة خلوية عديمة الشكل، تتمايز فيما بعد لتعطي مختلف المجموعات الخلوية التي تتطور، كما في اليرقات الناتجة عن التكاثر الجنسي، ليتشكل إسفنج جديد (الشكل 3).
وتشتمل الأفراد الجديدة الناتجة عن التبرعم، سواء أكانت جنسية أم غير جنسية، على كل الإمكانات الوراثية للنوع. فلدى الحيوانات الأوالي يمكن ملاحظة انقسام الجهاز النووي إلى اثنين وتوزع الصبغيات (الجينات) بالتساوي بين الفرد الأصل والبرعم. أما لدى الحيوانات التوالي فإن كل الأدَمات تسهم في تكوين البرعم إضافة إلى عددٍ من الخلايا غير المتمايزة ذات المظهر الجنيني. وتلعب هذه الأخيرة دوراً أساسياً لأنها ذات إمكانات شاملة totipotents أي قادرة على تشكيل مختلف أنسجة الجسم من أدمة خارجية وأدمة داخلية ونسيج عضلي ونسيج عصبي وخلايا منشئة. ولا يمكن دون هذه الخلايا تشكيل البرعم، بل لا يمكن حتى أن يعيش حياة طبيعية، لأن الحيوان يفقد قدرته على تجديد الأنسجة التالفة أو المريضة. ومع ذلك يمكن لبعض الخلايا الجسمية لبرعمٍ ما أن تعود عن تمايزها وتصبح شاملة الإمكانات من جديد وتعطي خلايا تناسلية.