هو الغنى بالله محمد بن يوسف بن إسماعيل النصرى، ثامن ملوك بنى الأحمر فى الاندلس.
كان حسن الصورة عفيف النفس، ظاهر الشفقة بعيداً عن القسوة، مائلاً إلى الخير، فأنصت إليه العامة و الخاصة. وقد جعل أمور الدولة بيد رضةان حاجب أبيه، كما أوكل شؤون الوزارة إلى لسان الدين بن الخطيب كاتب أبيه.
فى السنة الأولى من تسلمه الملك أعلن محمد الخامس ولاءه لملك قشتالة، بحثاً عن سلامة شعبه، وحرص على إقامة صديقة طيبة مع بنى مرين ملوك المغرب، فأرسل ابن الخطيب فى سفارة إلى فاس حيث استقبل بحفاوة.
وفى عام 759هـ (1358م) وقع الخلاف بين مملكتى قشتالة و أرغوان المجاورتين، فوقف محمد الخامس إلى جانب حليفه بطرس الاول و أرسل ثلاث فرق لمساعدته، ووضع قواعد البحرية بتصرف الأسطول القشتالى، وجهز فرقة من الفرسان لمهاجمة الحدود الأرغوانية. لكن السلطان لم يستطع تنفيذ مهمته، فقد خلع فى 28 رمضان 760هـ (1359م).
كان قد مضى خمس سنوات على تسلمه الملك عندما وقعت الفتنة التى أبعدته عن الحكم زهاء سنة ومفاد ذلك أن أبا الحجاج يوسف الاول كان قد رشح للأمر بعده ابنه إسماعيل، ثم عدل عنه و رشح محمد الخامس. فلما صار الأمر إلى محمد حجب أخاه إسماعيل فى بعض القصور ومعه أمه و أخوته، وكانت الأم قد أستولت على قد أستولت على قسم من مال زوجها أبى الحجاج فوجدت السبيل إلى السعى بولدها. فجعلت تواصل زيارة ابنتها زوجة أبى عبد الله محمد بن إسماعيل ابن عم السلطان
و تحرضه على التوسط لخلع الغنى بالله محمد الخامس و تمليك ولدها.
وكان محمد بن إسماعيل قد أقصى عن تدبير المملكة ليحل مكانه الحاجب رضوان و الوزير ابن الخطيب، فأمضه الأقصاء. لذلك جمع عدداً من أتباعه أغتنموا غياب السلطان عن الحمراء ونزوله قصر " جنة العريف " المجاور، فتسلقوا أسوار القصر ليلاً وقتلوا الحرس و أقتحموا الغرف وسط الصياح و أصوات الطبول، وقتلوا الحاجب رضوان و أنهبوا ما عنده، ثم أخرجوا الأمير إسماعيل و بايعوه. فبلغت أصواتهم السلطان فراعه ذلك وهم بدخول الحمراء فألفاها محتلة، فرجع أدراجه وركب جواده وذهب إلى مدينة " وادى آش " القريبة حيث ألتف حوله أهلها فأقام بينهم. أما ابن الخطيب الوزير فقد أعتقل و سلبت أمواله و أتنهبت. ولما بلغ الخبر إلى سلطان المغرب ابى سالم المرينى غضب لخلع السلطان وقتل حاجبه، فأرسل يطلب إلى إسماعيل المتغلب على غرناطة أن يسمح لأخيه المخلوع بالأنتقال إلى المغرب و أن يطلق سراح ابن الخطيب ليلتحق به. فكان له ما أراد و أنتقل ابن الأحمر إلى فاس وراح ينتظر الفرصة لأسترجاع عرشه المسلوب.
دام حكم إسماعيل أقل من سنة، " فكان فتى وسيماً بديناً على حداثه سنه، خنثاً لمجاورة النساء، منحطاً فى درك اللذة". لم يحسن سياسة الرعية لأنغماسه فى اللذة و تقريب أهل الترف، لذلك أستضعفه صهره محمد بن إسماعيل فقتله و أستولى على الحكم.
كان الغنى بالله محمد الخامس يؤدى الجزية إلى حليفه ملك قشتالة فقطعها محمد بن إسماعيل. فأتصل بطرس الأول بالغنى بالله يدعوه إلى دخول الأندلس ووعده بالمساعدة، فعبر ابن الاحمر ونزل مدينة "رندة" ثم أحتل مالقة وجعل وجهته غرناطة بعدما كثر أتباعه و تساقطت أمامه الحصون. فجزع محمد بن إسماعيل المتغلب على غرناطة وفر لاجئاً إلى بطرس الأول الذى قتله.
ودخل سلطان غرناطه و أستعاد سابق عزه...
تجددت الحرب بين بطرس الأول ملك قشتالة وبطرس الرابع ملك أرغوان الذى وقف إلى جانب " هنرى ترانستمار " أحد المطالبين بعرش قشتالة. فأستنجد بطرس الاول ببريطانيا بينما حاول بطرس الرابع التقرب من أبى زياد محمد المدينى و من محمد الخامس.لكن هذين الأخرين فضلا المحافظة على صداقتهما مع ملك قشتالة،
وقد أرسل ابن الأحمر خمسمائة فارس بقيادة فرج بن رضوان، ابن الحاجب رضوان، لمساندة بطرس الاول. لكن أحوال الملك القشتالى العسكرية ساءت و أضطر إلى مغادرة البلاد و اللجوء إلى البرتغال. فدخل خصمه هنرى قشتالة و أعلن ملكاً بأسم هنرى الثانى. أمام هذا الواقع وجد محمد الخامس نفسه فى موقف محرج وبلاده فى وضع دقيق. فأعلن الجهاد ووصله المدد من المغرب تحسباً لأجتياح أوروبى لمملكته.
لكن بطرس الأول أستعاد نشاطه وجدد جيشه ودخل قشتالة و أنتصر على هنرى الثانى ودخل " طليطلة " العاصمة. وهذا الأمر حمل محمد الخامس على دخول بعض المدن المؤيدة لهنرى الثانى، فأجتاح " جيان " ووصل إلى أسوار قرطبة دون أن يستطيع أقتحامها، وعاد إلى غرناطة بغنائم كثيرة. وفى السنة التالية ( 770 هـ - 1369م) دارت معركة حاسمة بين المتخاصمين على عرش قشتالة قتل فيها بطرس الاول بسبب خيانة أتباعه. فأغتنم محمد الخامس الوضع و أجتاح جملة حصون. ثم عقد هدنة طويلة الأمد مع هنرى الثانى، فشهدت مملكة غرناطة حقبة طويلة عم فيها السلام و الرخاء.
من جهة ثانية أظهر الغنى بالله محمد الخامس حنكة فى سياسته مع بنى مرين بفضل دهاء وزيره لسان الدين بن الخطيب ذلك الذى وقع ضحية التآمر داخل البلاد النصرية ( بنى الاحمر ) وقتل فى المغرب. وفى عام 774هـ (1372) توفى السلطان المرينى عبد العزيز تاركاَ العرش بيد ولده القاصر سعيد، مما فتح باباً للصراع بين الوزراء و الأوصياء على العرش، فدبت الفوضى فى المملكة المرينية. إذ ذاك عمد ابن الأحمر إلى تدبييدرين مهمين : اولاً نزع قيادة الجند من أيدى بنى عبد الحق المغاربة وجعلها فى يد ولديه يوسف و سعيد، وبالتالى القضاء على النفوذ المغربى الطويل داخل مملكته، ثانياً الوقوف إلى جانب الأمير أبى العباس سالم الذى أستطاع بفضل النصريين ( بنى الأحمر) أن يستولى على عرش بنى مرين.
إن سياسة محمد الخامس أتجاه الدول المجاورة أمتازت ببعض النظر، مما جعل مملكته بين الدول المؤثرة فى مصائر الشعوب المغربية و الأسبانية. حتى أن محمد الخامس أقام علاقات طيبة مع مماليك مصر فأرسل سفارة إلى المملوك أشرف ناصر الدين (765هـ - 1364م) حاملة الهدايا الثمينة، وعقدت أتفاقيات تجارية مع الشرق الإسلامى. إلا ان سياسة المماليك فى القرنين الثالث عشر و الرابع عشر الملاديين لم تكن لتهتم بمشكلات الغرب بسبب أنهماكها بقاضيا الشرق.
وعندما توفى محمد الخامس ( 10 صف 793هـ - 16 كانون الثانى 1391م) كان قد وصل إلى أوج عظمته، وقد ترك مملكته تنعم بالغنى و الراحة و الأزدهار و السلام.