تسلك النفس الدنيئة مسالك ضالة لتحقيق رغباتها ولاتبالي بالإهانة والاحتقار وما تنهال عليها من المجتمع نتيجة أتباعها أساليب دنيئة للوصول إلى غايتها، فهي مستعدة لتحمل الإهانات ونظرات الاحتقار من الآخرين مقابل وصولها إلى مبتغاها، كونها تشعر بالنقيصة أمام المجتمع وتعي سلوكها وتصرقها وما يلحق بها من إهانة وتعجز على الرد عليها، لأنها تعي قدرها المتدني أمام الآخرين.
ومن صفاتها الخسة والحماقة، فالأولى هي تعبير صريح عن شعورها بالضآلة الاجتماعية. والثانية هي الوجه الآخر للأولى كونها نفس جاهلة تحاول أن تجد لها موضع قدم في المجتمع دون جدوى، متخذةً من كل أساليب القبيحة سلوكاً ونهجاً للوصول إلى غايتها.
ومن صفات الإنسان الخسيس، هذيانه في الكلام الفارغ وعديم الجدوى ويبدي رأيه في أمور لايعيها دون أن يطلب منه ذلك. لأن خسته تدفعه في اللاشعور للبحث عن دور لها في المجتمع دون أن يعي أنه يكشف عن ذاته الجاهلة أمام المجتمع، فلا يخفق مسعاه حسب، بل يزداد احتقاره وازدراه في المجتمع.
يرى ((أفلاطون))" أن خساسة الإنسان تعرف بشيئين، بأن يكثر من كلامه فيما لاينتفع به والإجابة بما لايسأل عنه".
إما الإنسان الأحمق فإن شره أعظم، فهو يتصرف بوحي جهله. فإن سعى لمساعدة الآخرين فإنه يلحق الأذى بهم لأنه يتخذ من الخديعة سبيلاً لتحقيق رغباته أو ينطلق من جهله في فهمه لشكل المساعدة فيزيد المشكلة تعقيداً بدلاً من المساعدة في حلها.
هناك اختلاف في تصرفات الخسيس والأحمق، فالأول تصرفاته وسلوكه يكشف عن ذاته الدنيئة. والثاني يسعى لإخفاء ذاته قدر الإمكان لكن مسعاه في النهاية ينتهي بالفشل، ليعبر عن ذاته الحقيقية من خلال سلوكه وتصرفاته الوضيعة.
يعتقد ((أفلاطون))"أن رأس مال الأحمق الخديعة وفائدته الغضب، ورأس مال العقل الصمت وفائدته الحلم".
إن الإنسان الأحمق غبي وجاهل ودعي، يحاول جاهداً ادعاء المعرفة والخوض في جدل فارغ وبعيداً عن موضوع المناقشة، فقط من أجل حب الظهور والادعاء الفارغ للمعرفة وبقدرته على خوض المناقشة أسوة بالآخرين. وحالما يواجه بنقص معرفته وادعاءه الكاذب، يثور في موجة غضب ويحاول تغيير مسار النقاش عن الموضوع الأصلي عبر افتعال الشجار والعراك لشعوره في اللاوعي أن ذاته فارغة فعلاً وقدرها أدنى من خوض غمار المناقشة في شؤون معرفية يفتقد لها.
لذا نجد الأحمق يستعجل الكلام، ويثرثر بكلام فارغ لأنه لايريد أن يسمع الآخرين. وإن سمع ذهل وتساءل مع ذاته، كيف يمتلك الآخرين هذه المعرفة وذاته فارغة منها؟. فيعجل بالكلام ليحول مسار المناقشة إلى موضوع أخر، يلم بحيثياته للادعاء بالمعرفة أمام الآخرين أو يهذي بكلام ليس له علاقة لا من قريب أو بعيد بماهية موضوع المناقشة. كما أنه لايتواني عن القيام بالأعمال القبيحة والدنيئة للوصول إلى غايته، فهو وصولي يعي مسالك الضلالة وما تحقق له من غايات.
يصنف ((الأمام جعفر الصادق-عليه الصلاة والسلام)) الرجال إلى ثلاثة أصناف قائلاً:"أن الرجال ثلاثة، عاقل وأحمق وفاجر: العاقل إن كلم أجاب وأن نطق أصاب، وإن سمع، وعى. والأحمق إن تكلم عجل، وإن حًّدث ذهل، وإن حمل على القبيح فعل. والفاجر إن أتمنته خانك، وإن حدثته شانك".
عموماً أن النفس الدنيئة تنهل توجهاتها من الشر، وتتخذ من الصفات الدنيئة نهجاً لمسيرة حياتها. فالخسة والحماقة وجهان لعملة الذات الدنيئة والجاهلة والضالة التي تشعر في لاوعيها أن المجتمع ينظر إليها بدونية، لافتقادها الرفعة والسمو.
الكاتب : صاحب الربيعي