( السقه) في الفولوكلور البغدادي
في الماضي القريب والبعيد ، عرف البغادده (( السقة )) الذي كان يوفر الماء للناس ، وذلك قبل مد انابيب الماء المعقم الصالح للشرب، كان يحمل القرب الجلدية المدبوغة بعد ملئها بالماء من شرائع بغداد ، النواب، الميدان ، الكاظمية ، والمجيدية ، والقشل ، ليأتي بها الى البيوت لقاء اجر، وبعد أن يملأ حبوب الماء جمع حب ، لقاء أجر كان يتسلمه أسبوعياً أو شهرياً حسب الاتفاق ،
وبعض السقاة جمع والمفردة (( سقة )) كان يقوم ايضا بـ توزيع الماء بين المارة مجانا ، ومن يرش الأسواق والأزقة والدروب المتربة بغية تبريدها وبخاصة في فصل الصيف... الخ
جاء " السقة " في امثال البغداديين
كالول للسقة جب صار جير ولزك بالحب
مثل السقة من يطلع من المي تيبس ذياله
ونستذكر السقائين ـ ايام مضت ـ الذين كانوا يمارسون حرفة السقاية في مدينة الكاظمية المقدسة ، حسن السقه، وعبد الله السقه، وموسى السقة، وبوجي السقة ومن سقائي بغداد سلامة السقة وحمودي كسوب السقة وعلي كسوب السقه واسمر السقة الذي كان أكثر ذيوعاً وشهرة، حيث كان كما يذكر المخضرمون له مجموعة من الدواب التي يحملّها بـ القرب ويمشي خلفها بعد أن يشدها بالحبال شداً محكماً ،
ويقول الكاتب التراثي الفولوكلوري الصديق حمودي الوردي ( رحمه الله )
(( قبل أن تتوفر مشاريع التصفية الحديثة في بغداد وضواحيها ، كان ماء الشرب ينقل اليها من نهر دجلة بواسطة السقائين يدعى الواحد منهم (( سقة)) يحمل السقاء وعاء يسمى ((كربة)) يضعها الى جانبه وهي فارغة، يمتطي حماراً ويذهب به الى النهر ويطلق على مكان الاستقاء اسم شريعة،
وفور وصوله اليها يترجل عن حماره وينزل الى النهر وبيده اليسرى القربة وباليمنى المغراف ، والقربة والمغراف يصنعان من جلود الماشية وبعد أن يملأ القربة بالماء يشد رقبتها بالحبل ثم يضعها على الحمار ويمسكها بإحدى يديه ويمشي معه قاصداً دار أحد زبائنه ، وما أن يصلها حتى يفرغ الماء في خزان من الفخار يدعى " حب " وهذا الحب على غرار الخزان المعدني الحالي الا أن الأول يختلف عنه لاكتساب الماء الذي يحفظ فيه شيئاً من البرودة لتخلل الهواء بين مساماته ، وحالما ينتهي السقاء من تفريغ الماء في قربته ،
يرسم خطاً على الجدار الذس يقع خلف باب الدار يحاسب زبونه عن مجموع الخطوط التي ترمز إلى عدد القرب في نهاية كل أسبوع أو شهر حسب الاتفاق الذي يبرم بينهما ، أما أهل الدار ، فكانوا يضعون الفحم في الماء أو الشب ان وجد في ذلك الوقت يتحرر ذلك الماء من الذرات الطينية العالقة فيه بعد ترسب الطين والرمل في قاع الحب ،
يشربون ماءً صافياً ، ويوضع فوق الحب غطاء مصنوع من خوص السعف والقش ، أما الحب فيوضع فوق حامل من الخشب يدعى ، سكملي وتحت الحب أناء من الفخار معروف بأسم ((البواكة)) للاحتفاظ بالقطرات التي تسقط فيه من خلال مسامات ذلك الحب والماء الذي يتجمع في البواكة يسمى ماء الناكوط ، حيث يستعمل في صنع الشاي ، وهكذا كان الأوائل يعيشون على تلك البساطة دون أن يفكروا بشيء يقلق حياتهم .
ومن الجدير بالملاحظة أن الماء الذي كانوا يستخدمونه في غسل الأواني والحاجيات الأخرى كان من مياه الآبار حيث أن كل بيت من بيوتهم لايخلو من بئر . فقد كانت كل بئر مزودة بسر بس مربوط به حبل طرفه الثاني مشدود بسطل لاغتراف الماء ، ولقد كان البعض من البغداديين يفتح في منزله نافذة بين السرداب والبير لتبريد الهواء ،
ومن الأعمال الأخرى التي كان يزاولها " السقة " إلى جانب حرفته انه كان يسلف المال إلى من هو بحاجة اليه من معارفه وزبائنه لأغراض الزواج والختان أو المرض ، ويتدخل احيانا في شؤون محلته ويحسم بعض الخلافات التي قد تحدث بينهم .
هذا بعض ما جاء عن السقة البغدادي.. في الأيام الخوالي ـ نثبتها على صفحة تاريخ .. وتراث.