. العطف على التوهم
وفي القرآن نسميه تأدبا ( العطف على المعنى )
لأنّ مصطلح " التّوهّم " لا يتناسب وجلال الآيات القرآنيّة.
ومفهوم ذلك عند جمهور النحاة هو أن تتوهم أنّ الأمر جارٍ على الأصل فتعطفُ عليه.
مثل قولهم : ليس مُحمدٌ بائعاً ولا مُشترٍ.
قالوا : جُرَّ ( مشترٍ ) على توهمِ دخول حرف الجر على خبر ( ليس ). وقد جاء في كلام العرب جر الاسم الواقع بعد الواو العاطفة على خبر ليس أو ما المنصوب ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
بدا لي أني لست مدركَ ما مضى
ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا
فجُرّ " سابق " على توهم دخول حرف الجر على " مدرك " فكأنه قال : لست بمدركٍ.
أما شواهد العطف على المعنى " التوهم" من القرآن ، فكثيرٌ منها مختلفٌ في صحة حملها عليه.
ومنها على سبيل المثال:
-- قوله تعالى : ( وأمرأتُه قائمةٌ فضحكتْ فبشّرنَاهَا بإسْحَاقَ وَمِنْ وراءِ إسحاقَ يعقوبَ )، بنصب (يعقوب).
قال الزمخشري : كأنه قيل :
" ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " ،
وذلك على تقدير :
أنّ " بشّرنا " بمعنى " وهبنا " ،
وتوهم أنّ " الباء " من ( بإسحاق ) قد سقطت لأن الفعل " وهبنا " متعدٍّ بنفسه ، فيكون " يعقوب " منصوبًا بالعطف على ذلك التَّوهُّم.
من النُّحاة من أجاز ذلك ، كالسّمين الحلبي ، وأبي حيّان الأندلسي ، ولكنهما أشارا إلى أن الحمل على التوهم لا ينقاس.
ومنهم من حمله بالنصب على إضمار فعل ، وتقديره : " فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق وهبنا لها يعقوب ". وإلى هذا القول ذهب الفرّاء.
-- قوله تعالى : " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين " ... 86 آل عمران
جاء في كتاب إعراب القرآن وبيانه للدرويش قوله تعقيبا على الآية :
" وشهدوا أنّ الرسول حق "
هذا من الدقائق إذ لا يصح عطفه على " كفروا " كما يبدو لأول وهلة لفساد المعنى ،
فالأصح أن يعطف على ما في " إيمانهم " من معنى الفعل ، لأنّ معناه : بعد أن آمنوا بالله ، فهو من باب العطف على التوهم.
فلا يصح أن يكفروا ويشهدوا أن الرسول حق.
ولكنهم شهدوا بذلك حال إيمانهم وقبل أن يكفروا.
والله أعلم.