مرحباً يا عراقُ، جئتُ أغنّيكَ
وبعـضٌ من الغنـاءِ بكـاءُ
مرحباً، مرحباً.. أتعرفُ وجهاً
حفـرتهُ الأيّـامُ والأنـواءُ؟
أكلَ الحبُّ من حشاشةِ قلبي
والبقايا تقاسمتـها النسـاءُ
كلُّ أحبابي القدامى نسَـوني
لا نُوارَ تجيـبُ أو عفـراءُ
فالشفـاهُ المطيّبـاتُ رمادٌ
وخيامُ الهوى رماها الـهواءُ
سكنَ الحزنُ كالعصافيرِ قلبي
فالأسى خمرةٌ وقلبي الإنـاءُ
أنا جرحٌ يمشي على قدميهِ
وخيـولي قد هدَّها الإعياءُ
فجراحُ الحسينِ بعضُ جراحي
وبصدري من الأسى كربلاءُ
وأنا الحزنُ من زمانٍ صديقي
وقليـلٌ في عصرنا الأصدقاءُ
مرحباً يا عراقُ،كيفَ العباءاتُ
وكيفَ المها.. وكيفَ الظباءُ؟
مرحباً يا عراقُ.. هل نسيَتني
بعدَ طولِ السنينِ سامـرّاءُ؟
مرحباً يا جسورُ يا نخلُ يا نهرُ
وأهلاً يا عشـبُ... يا أفياءُ
كيفَ أحبابُنا على ضفةِ النهرِ
وكيفَ البسـاطُ والنـدماءُ؟
كان عندي هـنا أميرةُ حبٍّ
ثم ضاعت أميرتي الحسـناءُ
أينَ وجهٌ في الأعظميّةِ حلوٌ
لو رأتهُ تغارُ منهُ السـماءُ؟
إنني السندبادُ.. مزّقهُ البحرُ
و عـينا حـبيبتي المـيناءُ
مضغَ الموجُ مركبي.. وجبيني
ثقبتهُ العواصـفُ الهـوجاءُ
إنَّ في داخلي عصوراً من الحزنِ
فهـل لي إلى العـراقِ التجاءُ؟
وأنا العاشـقُ الكبيرُ.. ولكـن
ليس تكفي دفاتـري الزرقـاءُ
يا حزيرانُ.ما الذي فعلَ الشعرُ؟
وما الذي أعطـى لنا الشعراءُ؟
الدواوينُ في يدينا طـروحٌ
والتعـابيرُ كـلُّها إنـشاءُ
كـلُّ عامٍ نأتي لسوقِ عكاظٍ
وعـلينا العمائمُ الخضـراءُ
ونهزُّ الرؤوسَ مثل الدراويشِ
...و بالنار تكتـوي سـيناءُ
كـلُّ عامٍ نأتي.. فهذا جريرٌ
يتغنّـى.. وهـذهِ الخـنساءُ
لم نزَل، لم نزَل نمصمصُ قشراً
وفلسطـينُ خضّبتها الـدماءُ
يا حزيرانُ.. أنـتَ أكـبرُ منّا
وأبٌ أنـتَ مـا لـهُ أبـناءُ
لـو ملكـنا بقيّـةً من إباءٍ
لانتخـينا.. لكـننا جـبناءُ
يا عصـورَ المعلّـقاتِ ملَلنا
ومن الجسـمِ قد يملُّ الرداءُ
نصفُ أشعارنا نقوشٌ ومـاذا
ينفعُ النقشُ حين يهوي البناءُ؟
المقاماتُ لعبةٌ... والحـريريُّ
حشيشٌ.. والغولُ والعـنقاءُ
ذبحتنا الفسيفساءُ عصـوراً
والدُّمى والزخارفُ البلـهاءُ
نرفضُ الشعرَ كيمياءً وسحراً
قتلتنا القصيـدةُ الكيـمياءُ
نرفضُ الشعرَ مسرحاً ملكياً
من كراسيهِ يحرمُ البسـطاءُ
نرفضُ الشعرَ أن يكونَ حصاناً
يمتطـيهِ الطـغاةُ والأقـوياءُ
نرفضُ الشعـرَ عتمـةً ورموزاً
كيف تسطيعُ أن ترى الظلماءُ؟
نرفضُ الشعـرَ أرنباً خشـبيّاً
لا طمـوحَ لـهُ ولا أهـواءُ
نرفضُ الشعرَ في قهوةِ الشعر..
دخـانٌ أيّامـهم.. وارتخـاءُ
شعرُنا اليومَ يحفرُ الشمسَ حفراً
بيديهِ.. فكلُّ شـيءٍ مُـضاءُ
شعرنا اليومَ هجمةٌ واكتشافٌ
لا خطوطَ كوفيّـةً ، وحِداءُ
كلُّ شعرٍ معاصرٍ ليـسَ فيهِ
غصبُ العصرِ نملةٌ عـرجاءُ
ما هوَ الشعرُ إن غدا بهلواناً
يتسـلّى برقصـهِ الخُـلفاءُ
ما هو الشعرُ.. حينَ يصبحُ فأراً
كِسـرةُ الخبزِ –هَمُّهُ- والغِذاءُ
وإذا أصبـحَ المفكِّـرُ بُـوقاً
يستوي الفكرُ عندها والحذاءُ
يُصلبُ الأنبياءُ من أجل رأيٍ
فلماذا لا يصلبَ الشعـراءُ؟
الفدائيُّ وحدهُ.. يكتبُ الشعرَ
و كـلُّ الذي كتبناهُ هـراءُ
إنّهُ الكاتـبُ الحقيقيُّ للعصـرِ
ونـحنُ الحُـجَّابُ والأجـراءُ
عنـدما تبدأُ البنادقُ بالعـزفِ
تمـوتُ القصـائدُ العصـماءُ
ما لنا؟ مالنا نلـومُ حـزيرانَ
و في الإثمِ كـلُّنا شـركاءُ؟
من هم الأبرياءُ؟ نحنُ جميـعاً
حامـلو عارهِ ولا اسـتثناءُ
عقلُنا، فكرُنا، هزالُ أغانينا
رؤانا، أقوالُـنا الجـوفـاءُ
نثرُنا، شعرُنا، جرائدُنا الصفراء
والحـبرُ والحـروفُ الإمـاءُ
البطـولاتُ موقفٌ مسرحيٌّ
ووجـوهُ الممثلـينَ طـلاءُ
وفلسـطينُ بينهم كمـزادٍ
كلُّ شـارٍ يزيدُ حين يشـاءُ
وحدويّون! والبلادُ شـظايا
كـلُّ جزءٍ من لحمها أجزاءُ
ماركسيّونَ! والجماهيرُ تشقى
فلماذا لا يشبـعُ الفقـراءُ؟
قرشيّونَ! لـو رأتهم قريـشٌ
لاستجارت من رملِها البيداءُ
لا يمـينٌ يجيرُنا أو يسـارٌ
تحتَ حدِّ السكينِ نحنُ سواءُ
لو قرأنا التاريخَ ما ضاعتِ القدسُ
وضاعت من قبـلها "الحمـراءُ"..
يا فلسطينُ، لا تزالينَ عطـشى
وعلى الزيتِ نامتِ الصحـراءُ
العباءاتُ.. كلُّها من حريـرٍ
واللـيالي رخيصـةٌ حمـراءُ
يا فلسطينُ، لا تنادي عليهم
قد تساوى الأمواتُ والأحياءُ
قتلَ النفطُ ما بهم من سجايا
ولقد يقتـلُ الثـريَّ الثراءُ
يا فلسطينُ، لا تنادي قريشاً
فقريشٌ ماتـت بها الخيَـلاءُ
لا تنادي الرجالَ من عبدِ شمسٍ
لا تنادي.. لم يبـقَ إلا النساءُ
ذروةُ الموتِ أن تموتَ المروءاتُ
ويمشـي إلى الـوراءِ الـوراءُ
مرَّ عامـانِ والغزاةُ مقيمـونَ
و تاريـخُ أمـتي... أشـلاءُ
مـرَّ عامانِ.. والمسيـحُ أسيرٌ
في يديهم.. و مـريمُ العـذراء