عبدالله الخياط.. ظرافة وشهامة
الدعابة بدافع المزاح والظرافة بصفة الوداعة هي الطريق السالك التي توفر سرعة البديهية في اطلاق النكتة والقول البليغ المستنبط من نفس مفهوم الحدث الادبي : الامر الذي يفسر في علم النفس بأنها سجايا خلقية ذات علاقة مباشرة في التكوين السايكولوجي للشخصية الانسانية التي سرعان ما يعرف صاحبها بها فيقولون عنه انه صاحب نكتة .
وعليه :
حين تتوفر هذه الصفة في شخص ما فانها تجنبه الهم والغم والتأسي والقلق حيث يتوفر الاتكاء على ضفاف النكتة والاسترخاء على متكأت المرح والاستجمام النفسي .
ضمن هذا التوجه للتعامل مع الظرف الحياتي اليومي ظهرت شخصية عبد الله الخياط في منتصف القرن التاسع عشر حسب المصادر التي ارّخت ظهور هذه الشخصية البغدادية الفكهة الرشيقة في التعبير عن مفردات ظرافتها .
وتفيد المصادر ان لعبد الله الخياط حضوراً ادبياً فكهاً وله جلاس يحضرون مجلسه ويستمتعون بتناول اطراف الحديث عن الحياة البغدادية في حينه .
عبد الله الخياط ، كان خياطاً فعلاً ومحله يقع في الميدان في المنطقة القريبة من الكنيسة الحالية الواقعة خلف بدالة باب المعظم التي ضربتها القوات الاميركية مرتين في التسعينيات و 2003 كونها بدالة الكترونية لا يؤمن جانبها في سرعة الاتصال.
كان الخياط بارعاً في خياطة الملابس العسكرية وكان رواده من كبار القادة العسكريين في بغداد .
ولجودة خياطته كان قريباً من ولاة وحكام بغداد فكانت له منزلة محترمة عندهم وكثيراً ما يتشفع لديهم في انجاز ما يكلف به .
ففي العدد الثامن من السنة الحادية عشرة عام 1980 من مجلة التراث الشعبي كتب عنه الاديب الراحل عبد المجيد لطفي على ص229 منها مقالة نعته فيها بانه شخصية فولوكلورية تغلب عليها الطرافة والسلاسة البغدادية في صياغة العبارة الفولوكلورية .
ومما يروى عنه في ظهيرة احد ايام الصيف كان جالساً في مقهى تطل على الجسر وكان الى جواره بعض الاغنياء وكبار الشخصيات البغدادية وكان هو يتابع المارين فوق الجسر بالنقد والتعليق فقال له احد الجلبية (عبد الله هذي الك ليرة ذهب واسكت عن نقد الناس العابرين) فأخذ عبد الله الليرة وسكت لمدة ربع ساعة ثم نهض وقال: جلبي هذي ليرتك وهاي ليرة اخرى من عندي بس خليني اعلق (دتشوف ذاك اللي يعبر الجسر بهل الحر الجهنم اشلابس ؟ ونظر الجميع الى الرجل وقد تلفع في شهر اب من الرأس الى القدم بأكثف ملابس الشتاء|، فأعاد له الجلبي الليرتين واباح له الكلام .
وفي البصرة الفيحاء كان يحضر احد مجالس وجوه المدينة بناءً على دعوة منه الى عبد الله الخياط ليروي نكاته وتعليقاته الساخرة لاضفاء طابع المرح على ديوان هذا الوجيه ، وفي احدى الجلسات افتقد الحاضرون عبد الله الخياط وبحث عنه رجال هذا الوجيه واخبروا سيدهم بأنهم وجدوه في البستوكة من باب المبالغة في وقت كان فيه عبد الله الخياط داخل حب كبير من حبوب الماء التي كان استعمالها شائعاً في حينه .
وعندما استفسر الوجيه عن السبب قال له عبد الله : جلبي اني صرت خل ، فقال الوجيه (اشلون صرت خل) قال عبد الله اشلون ما اصير خل اذا الريوك تمر برحي والغدة خستاوي والعشا تمر بريم فضحك الحاضرون وبعدها قفل راجعاً الى بغداد .
في احد الايام عاد مسرعاً مرتبكاً خائفاً الى بيته وعندما استفسرت منه زوجته عن سبب خوفه قال لها الجندرمة (يأخذون الحمير صخرة) فقالت له زوجته وانت شعليك فقال : اشلون ما عليّ مو مديفرقون.
وحين اعلنت الدولة العثمانية التجنيد الاجباري في احدى سني حكمها بغداد شمل التجنيد اولاد جاره الثلاثة وكان جاره فقيراً يعيش مع اولاده وزوجته على نقل الحجارة والتراب على ظهور حميره الخمسة التي صادرتها الجندرمة .
فذهب عبد الله الخياط الى الوالي ملتمساً اياه باعادة الحمير الى جاره لان جاره بدون وجود هذه الحمير سيموت جوعاً
فقال له الوالي : ابو نجم شنو هالكلام يموتون من الجوع : الله يعيشهم الله وياهم .
وهنا شعر عبد الله ان جاره سيظلم وهو لا يستطيع ان يدافع عنه فقال للوالي .
" مولاي عاد لازم اكلك جاري هذا هو واولاده الثلاثة والحمير الخمسة والله وياهم وما يستطيعون تدبير لكمة الخبز عاد اشلون تريد يلحكون وياهلوسة من النساء والاطفال .
فضحك الوالي وامر باعادة الحمير الى جاره العجوز .
وهذا دليل على غيرة وحمية وشجاعة عبد الله الخياط للناس الفقراء والمحتاجين .يظل عبد الله الخياط ظريفاً بغدادياً اصيلاً ووجهاً فولوكلورياً عراقياً اشاع في وقته النكتة والمرح والاستجمام والراحة النفسية.