أفلام الخيال العلمي ودور العلماء فيها
يظن الكثيرون أن قصص الخيال العلمي وأفلام الخيال العلمي، سواء كانت مقتبسة عن أعمال قصصية أو كانت مبنية على سيناريو وضع خصيصا للفيلم، مجرد خيال لا يمت بصلة لتوقعات علمية مبررة أو حقائق علمية إلا نادرا لكن الوقائع تثبت عكس ذلك حيث أن العديد من الأفلام، حالها حال روايات أساتذة أدب الخيال العلمي، مستمدة من تأمل في الممكنات العلمية والواقعية، فعلى سبيل المثال يعتبر فيلم المخرج ستانلي كوبريك (أوديسا الفضاء) 1968 فيلم الخيال العلمي الأكثر واقعية فهو يتحدث عن شخصية تقوم برحلة فضائية تجارية نحو محطة فضائية وهو ما يمكن أن تتوصل الى تحقيقه شركات حقيقية مثل سبيس أكس في السنوات القليلة المقبلة، وفيلم ميشيل جوندري (الشروق الأبدي) 2004 يكتشف فيه البطل أن صديقته كلفت شركة علمية بمحو كل الذكريات المتعلقة بعلاقتهما. هذه العملية مستحيلة حاليا ولكن دراسة بعض الحالات تبين أن بعض الاضطرابات العقلية تؤثر على ذكريات محددة وعلماء الجهاز العصبي يعملون على استيضاح آليات هذا الفقدان الجزئي للذاكرة لمعالجة المرضى من الضغط النفسي بعد التعرض لحوادث. بالمقابل توجد أفلام طرحت أفكارا غير معقولة، وليس لها سند من علم ففيلم جورج لوكاس (حرب النجوم) 1977 يربط ربطا غير صحيح بين المركبات الفضائية وسرعة الضوء فوفقا لنظرية آينشتاين هذه العملية لكي تتحقق بحاجة الى طاقة لا نهائية، كما أن صوت الانسان لا يمكن سماعه في الفضاء الخارجي ولا يمكن سماع أصوات المدافع في الفراغ. يتحدث فيلم مايكل باي (أرماجيدون) أو (هرمجدون) 1998 عن نيزك يتجه نحو الأرض ما يهدد بفنائها، وتقوم مجموعة من العلماء بالنزول عليه ويحفرون لزرع عبوة نووية فيه لتفجيره وبالتالي حرف مساره لكن العلم يقول بأنه مهما كانت جاذبية النيزك لن تسمح بنزول المركبة والتحرك عليه كما أن انعدام الأوكسجين يعني استحالة التفجير.
في أواخر عام 2009 اجتمع كاتب سيناريو ومنتج ومخرج وثلاثة علماء في قاعة مؤتمرات في لوس أنجيلوس لتدارس فيلم (ثور) Thor المقتبس عن قصة مصورة مستلهمة من اسطورة إله الرعد عند أقوام الشمال الأوروبي الذي يتحدث عن محارب يدعى ثور ينوي انهاء هدنة بمهاجمة عمالقة الثلوج. وصف فريق العمل تصورهم للمعركة ولكن شين كارول المختص بالفيزياء النظرية في المعهد التكنولوجي بكاليفورنيا اعترض قائلا: "إنهم يريدون أن يسقط العمالقة من حافة كوكب على شكل قرص. هذا غير معقول. من أين الجاذبية التي تسحبهم الى الأسفل؟ المشاهدون يعرفون جيدا كيف تعمل الجاذبية وسيسخرون حتما من المشهد". نفي ثور الى الأرض كعقاب له على نكث الهدنة واقترح كارول أن يطلق الاسم العلمي (جسر آينشتاين-روزين) بدلا من الذي وضعه فريق العمل وهو (حفرة الدودة) لوصف العبور خلال الحيز-الزمن الذي قاد البطل الى كوكبنا. أضافت العالمة الفلكية الفيزياوية جين فوستر شروحات ضرورية ليتمكن كارول من تحديد تحركات ثور. يقول كارول بأن الجمهور كلما شاهد فيلما معقولا من الناحية العلمية أحبه وبالعكس فإنه ينفر منه كما أن من واجب علماء مثله نشر الوعي العلمي الصحيح وزيادة قدرة الانسان على الابتكار من خلال مشاهدة الأفلام. لقد عمل كارول سابقا كمستشار لأفلام مثل (ترون، الإرث) 2011 والمسلسل التلفزيوني (بونز) المستمر عرضه منذ 2007. أراد المخرج رونالد إيميريش في الفيلم الكوارثي(2012) أن يكون الطوفان في عموم كوكب الأرض فاعترض العلماء بأنه لا يوجد ما يكفي من الماء على الأرض لحصول هذا ولكن المخرج اعتمد على نظرية صدرت في العام 1950 عن تحرك القشرة الأرضية.
يتعاون العلماء مع هوليوود منذ بداية السينما ولكن في السنوات الأخيرة أخذت أفلام الخيال العلمي تحقق أرباحا كبيرة، ففي حين بلغ عددها في التسعينيات عشرة أفلام من بين 50 فيلما محققة للأرباح، ازدادت النسبة في النصف الأول من العقد الماضي ليصبح عدد هذه الأفلام 50 بالمئة من الأفلام الناجحة تجاريا، وصارت هوليوود تكثر من استشارة الخبراء لتوثيق أفضل، ولتواصل أفضل بين المجامع العلمية وهوليوود أسست الأكاديمية الوطنية مركز (التبادل العلمي والعروض الفنية) 2008 لخلق رابطة بين المخرجين والباحثين في حقول البايولوجيا والكيمياء وغيرها، وقد عمل علماء المركز في العام الأول كمستشارين في 70 مشروعا وفي عام 2011 في 350 مشروعا.
الجمهور الآن أكثر اطلاعا مع سهولة تناول المعارف عن طريق الأنترنت وغيره كما أنهم ينشرون نقدهم للأفلام على مواقعه، وصنع فيلم بعيد جدا عن المعقول مجازفة نجد أثرها في نسبة الإقبال على المشاهدة وبالتالي على الأرباح. غير أن العلاقة ما بين العلم وصناعة الافلام لا تسير دائما على وفاق فالشركات السينمائية والمخرجون لا يجدون اعتراض العلماء على مشهد ما شيئا مريحا مع اعترافهم بأن العلماء يمتلكون مخيلة أكثر خصبا منهم بدليل فيلم (حديقة جوراسيك). يقول جيفري سيلفر منتج فيلم (300) 2006 و (نهضة المنهي) سنة 2009 بأنه كان سابقا يقول عن مشهد عجيب "لا نرى هذا إلا في السينما!" ولكنه اليوم يقول "لا نرى هذا إلا في العلم!".