لم يمنعها من الخروج.
____________
احتدم الشجار , وتبارى كل من الزوجين في رفع نبرة صوته على الآخر. وكأي امرأة لم تجد الزوجة بداً مـن التلويح بمغادرة مسكن الزوجية عبر إخراج حقيبة ملابسها والشروع في ملء الأخيرة تزامنا مع الصراخِ بأن الحياة معه لم تعد تطاق وأن عليه المباشرة بمعاملات الطلاق.من جانبه واجه كبرياءاً لا تخلو منه بنت لحواء بتحدٍ أكبر. إذ تجاهل موقفاً أُجبِرَت عليه والتهديدات متناسياً بأن المرأة حال غضبها ترشق من الكلام ما لا تُحاسب عليه وربما لا تتذكره فور تجاوز القطوع. كم أخذ على والده إزاء مواقف مماثلة مسارعته الى إقفال باب المنزل ومنع ربته من الخروج . الموقف الذي طالما أعتبره ينم عن جهل لا يراعي ,بنظره, كرامة وهيبة رجل البيت . كيف يفعلها إذن وهو الإنسان المثقف؟ لم يفهم أن تلكوء الزوجة الغاضبة في العثور على بعض أغراضها الشخصية والتي هي في متناول اليد والبصر إنما يعبر عن رسالة ضمنية له بضرورة اتخاذ موقف ينهي المشكلة. لقد حاز قِسطاً وافراً من الثقافة والتعليم . لكن رِقي مركزه العلمي لم يجاري مَعرفةً اجتماعية ينالها المرء عبر اختلاطه بالبشر دون الحاجة للغوص في أمهات الكتب. ولو فعل لأدرك بأن احتواء غضب الزوجة ليس من واجبات الرجل فحسب بل يشكل أعلى مقاييس الرجولة.
حملت حقيبتها متجهة نحو الباب وهي لا تزال تمني النفس أنه سيقوم بأمر ما لحسم الموقف. لكن سعيها قد خاب حين رأت إصراراً من قِبلِه على التمسك بموقف المتفرج. أغلقت الباب بطريقة كادت أن تخلعه قبل صعودها الى السيارة وقيادتها بطريقة عصبية تمهد لأكثر من حادث سير ووجهتها منزل الأهل. أثناء الطريق بدأ شريط ذكرياتها بالدوران ليصطحبها في رحلة عبر الماضي حيث بدأت باستحضار مشاهد شجارات كانت تحصل بين والديها كل حين دون أن تتطور أن تتعدى أسوار المسكن الزوجي . كل هذا بفضل حكمة والدٍ كان يعبر عن مكانة الزوجة إزاء مواقف مماثلة عن طريق أحتواء رشقات الكلام بكلمة طيبة إن لم تُخمِد بركان الغضب فهي على الأقل كانت تخفف من احتقانه, حتى إذا واجه تلويحا بالخروج هرع الى سد المخارج ريثما ينجلي الموقف. وهو الأمر الذي كان يحصل في اليوم التالي على أبعد تقدير إذ يتناسى الطرفان مواجهة الأمس. ما أجمل مشهد إقفاله لأبواب كانت الزوجة تتجاهل حيازتها بطبيعة الحال لنسخة عن مفاتيحها. لم ينل والدها قسطاً من التعليم ومع هذا لا يمكن مقارنة شهامة الأول مع مثقف أبله آمن بالمساواة الى درجة معاملة زوجته انطلاقاً من مبدأ التحدي. إذا كانت المرأة مزاجية الطباع مع رجل يفهم طبيعتها فلأنها تشعر بالحماية في كنفه والطمأنينة . لكن حين يخلو الزوج من صفة الاحتواء فإن مواقف الزوجة تصبح حازمة.لذا لا حاجة لها برجل عاملها من منطلق الندية متخذاً موقف المتفرج ورافضاً تلقف أشارات تنبيه أرسلها له ضمنياً كبرياء الزوجة. كان يجب أن ينحي مركزه وثقافته جانباً فيتقمص شخصية الرجل العادي في اطفاءه لغضب زوجته إن بكلام طيب أو بموقف حزم .لن تغفر له وقوفه موقف المتفرج أمام مشهد إخراج الحقيبة وملئِها بالملابس , بل لن تغفر له زِلَةَ تخاذله في اقفال أبواب البيت. وما حاجة المرأة لرجل لا يُقِم وزناً لكبرياء الأنثى؟ ستباشر اعتباراً من الغد بإجراءات الطلاق: ((كان يجب أن يمنعني من الخروج.))
المحامي عبدالله الحموي