وقفة مع الشاعر الكوردي الكبير مولوي
بقلم فؤاد عبد الرزاق الدجيلي
كان احد الشعراء الكورد القلائل الذين تمكنوا ان يصبحوا شعراء لجميع العصور، وجزء من تفكير الشعب، وكان يتمتع بمكانة مرموقة بين المثقفين والاوساط الشعبية وذاع صيته في معظم مناطق كوردستان. لقد كان احد الثلاثة الافذاذ بلا منازع في الادب الكلاسيكي (خاني، ومولوي، ونالي) وتبقى الاجيال القادمة تنظر الى قصائده نظرة الاحترام والتقدير، كما هو شأن سائر ابناء الامم في تقديرهم لنوابغهم. ان السمات المتميزة في قصائده هي العمق والاصالة في اغوار النفس الانسانية، فضلا عن التصوير التراجيدي الرائع الذي يدل على عبقريته وصدقه في التعبير عن آلام واحلام ابناء عصره.
ان الدراسة التحليلية لقصائده تحتاج الى رصد الروافد الادبية، والدينية، والفلكلورية اللواتي يصبن في المجرى العام لشعره، وانتقاء الخيوط الاساسية لفكرة القصدية، فالتبس في اكثر قصائده آيات قرآنية كريمة واحاديث نبوية شريفة وابيات من شعر حافظ الشيرازي، واساطير رواها الفردوسي، واشارات من مختلف المذاهب الاسلامية، والطرق الصوفية.
لنقرأ قصيدته التي تحدث فيها عن انسان يشكو البؤس والمحن، واتخذ في هذه القصيدة شكل الحوار والتساؤلات، اذ قال: أيعقل ان يكون في كل مكان نواح وبكاء؟
اي مكان؟ عند الحبيب، اي حبيب؟ مثلك.
لنقف قليلا عند هذا التشبيه، فقد شبهته الاجيال الشعرية بـ(الشجرة) شجرة نامية ناضجة بالحياة، وشبهته الاجيال الماضية بـ(الجذع) الذي تنمو عليه الاغصان الجديدة، ويجب ان تتعدى الاغصان حدود الجذع وما اجمل مفهومه عن تطوير الادب الكوردي، اذ تغنى قائلا:
زيادة الفرع على الاصل
خاص بشعرك في هذا العهد
لقد تطرق في احدى قصائده الى النقد في سياق تقويمه لشاعر مغمور يدعى (محروم) بعد ان بعث اليه قصيدة نظمها على غرار مقطع شعري (خاناي قوبادي) فقد ابدى رأيه فيها، اذ قال: على الرغم من ان القصيدة لاتتعدى ستة ابيات الا انها لها دلالة مهمة فخاطبه قائلا: اقتفيت (خانا) وتذكرته في خيالك
عددته الجذع وعددت نفسك الفرع
لقد استفاد الشاعر مولوي من التراث القومي والاسلامي في منح الكلمة الكوردية الطاقة والحيوية لتكون اكثر قابلية على التعبير، فاستخدم الفنون والاغاني الشعبية، والامثال الشعبية، والاساطير الخرافية، وخاصة القصة الشعرية (شيرين وفرهاد) وصور اخفاقه في الحب، وعدم عثوره على المرأة المثالية فرأى من خلال شخصية فرهاد ضياعه ومصيره التراجيدي اذ تغنى قائلا: بين مرة واخرى يمزج مع اشجانه
شعره من يشاطره المشاعر مع شعره
يقول: افديه انه مكان شيرين
تلك الفاتنة ذات الخصلات العنبرية
وهذا يدل على عدم اكتفائه بفكرة القصة، اذ ضمن الابيات الشعرية المنسوبة الى فرهاد، وحري بنا ان نعرف ان القصة تتلخص في قتل الانسان امام قوى الشر وهو يعرف هذه الحقيقة في نقده لفرهاد، اذ قال: لاينعت احدكم فرهادا بالفطنة
لانه نقش صورة شيرين على
صفحة الصخرة
لتتساقط يديه قبل ان تفارقه
الروح من يجرؤ على رمي الماس في
عينيه؟
رحمه الله واسكنه فسيح جناته، فقد كان شاعرا فذا تفتخر به الاجيال عبر العصور.