لبنان هو الدولة العربية الوحيدة التى لا يقوم أقتصادها لا على الزراعة ولا على النفط. فالزراعة فى لبنان تأتى فى المقام الثالث وتؤمن من الصناعة حوالى 30% من الدخل القومى بينما القطاع الثالث يؤمن وحده %70. فمنذ عام 1950م أختار لبنان النظام الأقتصادى الحر إن لجهة الإنتاج و التوزيع أو لجهة الأستيراد و التصدير أو تحويل رؤوس الأموال، وكانت بوادر هذا التحويل قد بدأت منذ العام 1920م.
و الأقتصاد اللبنانى عرف عدة أزمات كانت تؤدى احياناً إلى أنعدام الثقة وهجرة الرساميل، و أقوى هذه المشاكل أزمة أنترا سنة 1966م. ثم ويلات حرب 1975م. وقد أستطاع أن يتخطى أزماته و أن يعيد الثقة بالسوق اللبنانية نظراً إلى للدينامية التى طبع عليها الصناعى و التاجر فى لبنان و نظراً لهجرة المثقفين و اصحاب الخبرات و الأرباح التى حصلوا عليها بحيث أن البلاد أستطاعت ان تصمد فى أحلك الظروف.
و منذ الخمسينات أتيحت للبنان مناسبات أقتصادية مهمة منها : تدفق أموال النفط على دول الخليج. وقد أفاد اللبنانيون من ذلك بصفة مباشرة ( تصدير البترول عن طريق الزهرانى و طرابلس ) وبصفة غير مباشرة إذ وظفوا خبراتهم هناك. وهذا التوظيف أتخذ عدة أشكال لأن سوق العمل فى البلدان التى أبتدأ نموها كانت رحبة و غنية فشكلت مجالاً لبيع إنتجاهم وإيجاد العمل لتقنيتهم ( أطباء، مهندسين ... إلخ) . بالإضافة إلى ان اللبنانين قد حازوا أيضاً ثقة الخليجيين فيما خص توظيف أموالهم. فالدول هذه لم تكن لها مؤسساتها المالية المتقدمة ولا المهارات القادرة على أمتصاص الأموال المتدفقة و التصرف بها. وبما أن لبنان يتمتع فى كل المنطقة ببنية مصرفية متقدمة و يتميز بإقدام الممولين و جرأتهم. لذلك تعاملت معهم حكومات دول النفط ومواطنوها ووظفوا رساميل كبيرة عن طريق المؤسسات اللبنانية. وأستمر ذلك إلى الأن رغم مغريات الأسواق الأخرى ومصارف كبرى فى تلك البلدان.
الفرصة المهمة الأخرى كانت توافد رؤوس الأموال و المهارات من مصر و سوريا و العراق. فشكل لبنان نقطة جذب لها نظراً لتسهيل إقامة العرب ولحرية الأستثمار و رؤوس الأموال بالإضافة إلى حرية الكلمة و النشر مما أعطى جواً حبه العرب وقصدوه.
دور مهم أيضاً أمنته الهجرة اللبنانية ووجود اللبنانين المتحدرين من أصل لبنانى فى جميع الأسواق العالمية مما سهل الإتجار مع الوطن الأصلى وعبره إلى كل دول الظهير العربى وآسيا و أفريقيا لا سيما بوجود شبكة أتصالات دولية لا بأس بها فى لبنان، نضيف إلى ذلك الأموال التى يحولها المهاجرون شهرياً و التى تعتبر مصدراً مهماً للدخل الوطنى بلغت إرادته مئات الملايين من الليرات. لذلك لا ينظر إلى الأقتصاد اللبنانى بالمعايير التقليدية بل إنه يشكل حالة فريدة يجب التطرق لها وحدها.
فالميزان التجارى مثلاً خاسر دوماً بنسبة كبيرة إذا ما قابلنا ما يستورده لبنان بما يصدره. لكن موقع البلاد ودورها الفاعل فى منطقتها وكذلك بعض الخيارات و التشريعات أمنت موارد كبرى إن لخزينة الدولة أو للقطاع الخاص. فموقع لبنان كبوابة للشرق ووجود مطار بيروت ومرفئها مع منطقتها الحرة جعلت من هذه المدينة سوقاً عالمياً. فأستفاد الأقتصاد اللبنانى من إعادة التصدير ومن تجارة المرور وما رافق ذلك من تمويل و نقل و تأمين وخلق وظائف جديدة.
هناك أيضاً سرية المصارف ثم الأعداد الكبرى للمؤسسات التى تربو على المئة بحيث أن رؤوس الأموال الوطنية و العربية و أحياناً الأجنبية تجد لها أحسن الظروف و المغريات. وقد أضاف لبنان إلى قانونه فى أواخر السبعينات بنداً يقول بأنتقال الودائع إلى الورثة دون أن تتقاضى الدولة اية ضريبة على ذلك. و لإعطاء فكرة عن تطور موجودات المصارف فى لبنان تقول إنها كانت حوالى 200 مليون ليرة لبنانية فى مطلع الخمسينات و أرتفعت لتصل إلى 9 مليارات ليرة لبنانية غداة الحرب
( 1974م).
عوامل أخرى أسهمت فى تعزيز الأقتصاد أهمها السياحة قبل الحرب : فلبنان متنوع مناخه و تضاريسه وبتقارب شاطئه وجبله، و تطورت فيها و على الساحل شبكة من الفنادق الضخمة و المؤسسات السياحية الكبرى. هذا النشاط يمكن أستعادته بسرعة بعد أستقرار الأوضاع وضبط القضايا الأمنية.
ولا تتوقف دورة الاقتصاد عند هذه النقاط بل أن الزراعة رغم ضيق المساحات المخصصة لها تستطيع أن تؤمن للبلاد حاجات كثيرة مع فائض يمكن تصديره. فالتشكيلة الزراعية متنوعة نظراً إلى الظروف المناخية المساعدة و إنتاج لبنان يتركز على الخضار و الفواكه أكثر ما يكون، لكن لبنان لا يكفى نفسه فى كل المجالات الزراعية بل هو مستورداً لمواد غذائية أساسية وخاصة الحبوب و اللحوم بنسبة تزيد عن 80%.
أما الصناعة فى لبنان فقد أحتلت مكانة متفرقة فى أوائل السبعينات وظهرت مناطق صناعية مهمة حول المدن الكبرى، و الصناعة أنطلقت من لا شئ تقريباً سنة 1950م ووصل عدد المعامل إلى تسعة ألاف سنة 1975م رغم محاربتها من قبل التجار و المستوردين وعدم حمايتها من قبل الدولة. هذا القطاع عانى كثيراً من الحرب إذ تهدم أكثر من نصف المصانع لتبنى غالبيتها من جديد. ويجب التذكير ان موارد الطاقة فى لبنان قليلة و الموارد الأوليه غير متوفرة. يضاف إلى ذلك أن السوق المحلية ضعيفة الأستيعاب ولا يمكن التفكير بصناعات ثقيلة. لهذا السبب توجه هذا القطاع إلى الصناعات التحويلية و الصناعات الدقيقة بالإضافة إلى النسيج و تكرير البترول. و كان الرصيد الأساسى هو جودة الإنتاج و الإتقان فى الصنع بحيث أستطاعت السلع اللبنانية ان تنافس مثيلاتها من الدول الأخرى فى الأسواق العربية.
أخيراً يجب أن لا ننسى دور لبنان الحضارى و الثقافى المتمثل بالجامعات، و المعاهد العاليا البالغ عددها 17 جامعة و معهد. و بنسبة تعليم تفوق ال 80% على ان صناعة الكتاب نشراً و توزيعاً فاقت كل ما ينتجه العالم العربى مجتمعاً.
و يشهد لبنان حالياً ورشة إعمار كبيرة تتركز فى بيروت حيث أدت أعمال البنية التحتية إلى أكتشاف أثار مهمة جداً تعود إلى العصر الفينيقى مروراً بعصور الرومان و الأمويين.