زُفتْ الشمس على تغريد العصافير وغناء البلابل وصعدت الى السماء بأبهى حلة وقد نقشت على الغيوم بخيوط ذهبية وثيابها التي تطول وتتسع وتضيئ كل شيء يقع تحتها، تتلألأ
حبات الندى على خدود الورود ، وأوراق الأشجار الواقعة حول نهر جاري
، وفي وسط النهر قارب صغير يشعرك بالحنين والدفء ، يسبح وحيدًا مع مجدافين لم يسقط احدهما رغم وجود القارب وسط النهر وكأنهما اقسما على ان يرتحلا سويا متشبثين بأمل ألا يأتي
يوم يفرق بينهما . يجلس حسان في شرفته متخمرًا برائحة الطبيعة متأملًا لحركة المياه وانسجام حركة القارب معها وفي يده اليمنى كوب من الحليب الدافئ والاخرى لون اخضر يرسم به
اشياء مبهمة في دفتره الصغير
وعيناه سارحتان في الطبيعة والنسيم يداعب رمشه وغرته ، يدندن تارة ويسرح تارة اخرى
، سابح في عالمه الخاص فلا احد يوقظه من احلامه،
الا ان حركة جسم بجانبه ايقظه من سرحانه وجد وجه امه الحنون مبتسمة برقة تتأمل فيه ابتسم لها
* قائلًا :امي افزعتيني حقًا ليتكِ تتكلمين لكي احس بتواجدكِ ضحكت بخفة ومسحت على شعره
*قائلة : لقد طرقت الباب مرارًا يابني لكنك لم تجبني كعادتك انك يا صغيري لا تحس بدنياك عندما تدخل الى عالمك..
*امممم صدقتي يا امي لا عليكِ اخبريني هل حدث شيء ما؟
*لا ياعزيزي لكن صديقك زياد ينتظرك بالخارج
*اوووه زيااااد لقد كان معي في عالمي للتو حسنا امي
هم حسان بالقيام والمغادرة ورسم قبلة على جبين امه مستأذنًا منها توجه للخارج و خرج اليه طلق المحيا يكاد يشرق مع شمس صباحه حين رأى صديقه
* اهلاااااً يازيادي وازديادي وجمالي في حياتي
*اطلق زياد ضحكة مججلة الاركان اهلا بالحسان والحسن في الاكوان يامرحبا بخلي وكل حالي
ضحك كلاهما وهما يسددان قبضاتهما نحو بعضهما بخفة
أمال حسان راسه قليلًا وهو موجه انظاره نحو صندوق ورقي بجانب زياد وفي عينيه نظرة استفهام اشّار قائلًا ماهذا يازياد؟
*هذا ياصديقي مفآجأتي لك اليوم هل انت مستعد للرؤية والتجربة ؟
*اوووه زياااد انك تدهشني في كل مرة بمفاجآتك الرائعة ياترى مالذي اتيت به الان في الصباح الباكر؟!
*سوف اريك اياه لكن ليس هنا اريد ان نذهب إلى تلنا
*حسنا هيا بنا دعني اساعدك في حملها اذًا
*لا لا لن تحملها اخاف ان تستكشفها قبل ان افاجئك
*يا إلهي يالك من عنيد حسنًا افعل ما تريد لكن لا تبطئ ارجوك اني متشوق بشدة لرؤية مالديك
*هههههههههه لن تطير المفاجأة ياصديقي صبرًا جميل.
اسرعا الخطى الى أعلى التلة المكتسية بالخضار والأزهار الصفراء برائحتها الرقيقة المنتشرة في الانحاء واصوات االرياح التي تسحبهم إلى الأعلى خلقت لهم منظر خلاب يشفي المعتل من اعتلاله ويراه الأعمى في ظلامه
واخيرا افترشا الارض من الإجهاد بعد وصولهم للقمة
*هياااااا يازيااد اخبرني مالذي تحمله؟
*هههههههه حسان انك غير صبور حقًا
*انظر لقد طلبت لنا حذاء تزلج بعجلات لكي يتسنى لنا التحرك بخفة اكثر
*هههههه زيااد انت تضحكني كيف استطيع التحرك بهذه سوف اسقط فورًا من أعلى التلة وسأصل إلى غرفتي متزحلقًا برأسي؟!
*ها ها ها يالك من رجل تجيد النكات ياهذا دعنا نجربه والتبقي اهازيجك البائسة مسجونةً في ثغرك
*وبعد ماقساه من صعوبة في ارتادائه شرعا في التعلم على التزحلق به
*سقطا كثيرًا واسقط بعضهما الاخر ولم ينسيا ان يسخرا من بعضهما في كل حركة او هفوة
حتى تعلما كيف يقفان سويا ممسكان بأيدي بعضهما كي يتوازنا جيدا ولا يسقطان، بدءا من اول التلة من جديد لكن هذه المرة ثابتان ممسكان جيدا ببعضهما ابتدءا منطلقين مصاحبين للرياح والطيور إلى أسفل التلة وهما في انسجام واستمتاع تام وحين وصلا إلى منتصف التلة ترك زياد يد حسان فصرخ حسان مفزوعاا
*زيااااد لا لاااا لا تترك يدي لماذا تركتنييي
*ههههه حساان لا تخف افرد ذراعاك واثبت حان الاوان لكي تطير كما تمنيت هيااا لا تفسد الطيران بخوفك
*اوووووه حقا شعور جيد وكأنني اطييييررر يااااااه ااه لا لا لا سووف اسقططط زيااااد الحقنييي انني سو سو سوف طاااااااخ
*هه اسف يا طائر الحسسون لم استطع لحاقك لقد كان تحليقك جيد جدا لماذا فقدت توازنك
*لاتسألني أنت الذي تركت يدي في المنتصف أنت الملام
*حسنًا تركتك ولكن.. أخبرني.. صدقاً هل شعرت.. وكانك كنت تحلق كما رغبت؟
* اووه زياد انت تتذكر انني كنت اريد التحليق؟! لهذا جلبت هذه الاحذية!؟
*نعم لقد اردت بشدة الطيران من دون طائرة شراعية او شيء يساعدك على الطيران اليس كذلك.؟.وهذا الحذاء يساعدك على تحقيق رغبتك
*ههههههههه زياد يا صديقي اريد الطيران الى الأعلى وليس الى الأسفل
*وجه زياد لكمة على رأس حسان قائلًا :الأهم انك تحس بشعور الطيران لايهم الى اين تطير
*اممم ربما صدقت لكني حقًا لا استطيع ان اوفي حقك وشكرك على هذه المفاجأة والتجربة الجميلة انك دائما ما تجعلني متفاجئ مندهشًا مجرب لأشياء عدة انك عالم من الالوان والدهشة والجمال يارجل
*لقد اخجلت تواضعنا يارجل ووجه لكمة اخرى على رأس حسان
*كل ما اريده هو ان اجرب اشياء عدة معك احقق رغباتك ونعيش ايامًا واوقاتًا سعيدة معًا انك تحلم وانا احقق لك انت صاحب الافكار وانا صاحب التنفيذ
*صمت حسان متأملًا في وجه صديقه لايستطيع ان ينطق او يقول شيئًا بعد جملته الاخيرة جلس متأملًا وجه صديقه القمري المنير صديقه الوحيد في هذه العالم صديقه السحري لقد كان محظوظًا لأن **** وهبه هذا الصديق بدل أن يهبه عصا سحرية فالعصا السحرية لا يهبك شيء دائم ولا بشري يمسك قلبك جيدا..
*حسااان نحن هناااا لوّح زياد بكفه أمام اعين حسان ليوقظه من شروده إلى اين شرد ذهنك هل هذا تاثير اصطدام رأسك بشي ما ؟ ههههه
اخذ حسان بكفه حفنة من تراب وعشب ونثره امام زياد ضاحكًا
*لم يصدمني إلا قولك وافعالك السحرية ياهذا ههههه حقًا انك هبة السماء لساحل قلبي المهجور
*دعك من الشكر والكلمات الرنانة الآن وأخبرني هيا بأحد اختراعاتك العقلية او مشاريعك التي تود القيام بها..
إستلقى حسان على العشب وهو يأخذ نفسًا عمييقًا متأملًا في السحب والطيور التي تحلق عاليا في السماء واستلقى بجانبه صديقه
*قائلًا لا تقل الآن انك تريد الصعود الى القمر وبناء عش لك هناك ؟ واطلق ضحكته المجنونة التي امتلئ بها المكان ونقلها الصدى الى ابعد ممايكون
*امممم لم تقل شيئًا محالًا يازياد واضحك وقهقه كما تريد فلا تهمني رؤيتك
*اووه يالك من انسان حساس يارجل انني حقًا متشوق لسماع افكارك انك تعلم جيدا انني مفتون بقليتك الفذة وتفكيرك الإبداعي ان عقلك هذا لايباع بل يحارب من اجله
نظر حسان بطرف عينيه الى زياد قائلا : اكمل اكمل سخريتك
* اقسم لك انني لا اسخر انني اعني ما اقول حقا، هيا اخبرني جديدك الفكري
*امممم انظر إلى السماء انها يبدوا فاتنة جدا ، الا لو اضفنا لسمائنا لونًا اخر سوف يسحر العقول حتمًا.
*امممممم اتقصد ان نغلف قريتنا الصغيرة بقماش حريري احمر حيث يظهر السماء بلون اخر؟!! هههههههه
*قام حسان من استلقائه قائلًا : لا لن اقول لك فكرتي لقد ندمت حقًا هيا دعنا نعود للمنزل
*اسرع زياد بشد ذراع حسان واسقطه ارضًا كما كان هيا لا تكن حساسًا إن حدود عقلي إلى هنا قد توقف حقًا اخبرني كيف تريد للسماء الوانا؟!
*لا اظنك ستفهم الفكرة لا تتعبني في الشرح
*لا بل سأفهم هيا القي علي معوذاتك الفكرية
*اممممم تخيل لو كان هناك الوان طيف في سماء قريتنا الوان طيف دائم مادامت نور شمسنا ساطعة في النهار وتحوم الطيور حولها وحول رذاذ الماء التي تتوسط حلقة الالوان؟
*واااه حقا سوف يظهر قريتنا بشكل سحري على مدى الاميال
*صدقت سوف يكون الجو والمنظر ساحران حقًا
*حسنًا وكيف برأيك ننفذ الفكرة وكم المدة التي نحتاجها والادوات التي سوف نستخدمها ؟!
*اممممم نحتاج ان نحفر مكان لنافورة الماء ومضخ ماء وسور حول المكان لكي لا نجد ضحايا لأفكارنا هنا من الحيوانات هه
*سهل سهل جدا اذًا ما رأيك ان نبدأ من الآن بالتخطيط ويصدف انني سأذهب إلى المدينة مع أبي لذلك سوف ابحث عن مضخ ماء ومستلزمات لرشاش الماء من أجل ذلك
*حقا! تعلم انني لم اخطط لصنعه حقًا ولا اريد تكليفك بشيء
*لا عليك انا حقًا اريد فعلها ورؤية مشروع جميل لكلينا يخلد للابد
*اوووه صحيح لو نجح المشروع سوف يراه ابنائنا في المستقبل ويصبح موقعًا سياحيًا هههههههه
*سكت زياد وسرح في حسان ولعيناه اللتان تبرقان من الحماسة وابتسامته الخلابة الموجهة نحو قمة التلة
*صدقت سوف يكون خلابًا ورمزًا للجمال لمدى الدهر، هل تفكر أن نحفر في أعلى تلنا لكي تراه من بعد؟!
*صحيح كيف عرفت انني افكر بذلك؟!
*يمكنني أن اعرف من خلال نظرك ياصديقي استطيع أن اتخلل فكرك من خلال عيناك فلا أحد سيفهمك بقدري اشار زياد الى صدره ونظر الى حسان بفخر
*صدقت يازياد لا أحد.. حسنًا دعنا نضع الحجارة لتحديد المكان قبل أن تشتد أشعة الشمس وثم عليك أن تأتي معي لنأكل الغداء معًا
*هيا بنا إنني متشوق لتذوق طعام من يدّي والدتك اكثر من مشروعنا هذا ههههههه
صعدا مرة أخرى وقاما بقياس المكان وتحديده بالحجارة
ونزلا باحذية التزحلق لكن هذه المرة كلٌ على حدا وكلاهما غارقان في الفكر
بدءا في صباح اليوم التالي بالحفر ويوم بعد يوم يزداد حماسهما لكن بعض الأيام تمطر فيه السماء مما يجعل العمل أصعب وأبطأ لكنهما لم ييأسا وظلا يعملان بجد لتنفيذ الفكرة وفي نهاية الأسبوع ظل حسان متكئا عند باب منزله صباحًا كما اعتاد لينتظر صاحبه لكن زياد تأخر وهاهي الشمس صافحت السماء واحتضنت اشعتها الأرض ولم يأتي زياد ، رجع حسان إلى الداخل فلا رغبة له بالقيام بالعمل من دون زياد
نظرت إليه أمه متسائلة مالذي حدث؟! اخبرها انه لم يأتي زياد بعد فطمأنته امه فلعل زياد أخذه النوم بعد كل هذا التعب والعناء او انشغل بشئٍ ما
لم يستطع حسان التوقف عن التفكير بزياد ولو للحظة وظل طوال اليوم منتظرًا لصديقه وهو متشوق لرؤية ثمار عملهما في القريب العاجل
اتى الليل ولم يأتي زياد زاد قلق حسان وظل يطوف البيت ذهابًا وايابًا او يخرج إلى ساحة بيته منتظرًا ومتأملًا ان يسطع وجه صديقه
سمع نصيحة أمه بالذهاب إلى النوم فلا حاجة للسهر فربما يأتي الغد وهو فاقد لقواه ولا يستطيع العمل مع زياد إن أتى
وبصباح اليوم التالي اتجه حسان فورًا لبيت صديقه ولم ينتظر مجيئه فلقد قلق على صديقه كثيرًا ولم يستطع النوم بهناء .
وصل الى بيت زياد ولفت إنتباهه ان شاحنة أبيه غير موجودة والمدخنة لم تعمل بعد! دق باب البيت وهو فزع من فكرة حدوث شيء سيء لزياد لم يجب أحد دق مرارًا وتكرارًا وأصبح يناديه بصوتٍ عالٍ زياااد اين انت زياااااد افتح الباب زيااد
لقد اقلقتني ولا احد يجيب فتح الباب فوجده غير مقفل! تردد في الدخول لكن قلقه على صديقه كان اكبر من اي شيء تعالت نبضات قلبه وهو يرى المكان هادئ جدًا بل خال على عروشه فلقد دخل البرد البيت ولا يوجد دفء فيه ولا حركة لحياة فيه! صعد إلى غرفة زياد وهو يكاد يغشى عليه من القلق والخوف ودقات قلبه تتعالى كالطبول والعرق قد غطى
جبينه، وجد بابه مفتوحًا ولج اليه لكنه لم يجد احدًا! جلس على السرير مدهوشًا فزعاً تعلقت عيناه بسقف الغرفة للحظات ثم أصبح يلتفت ببطء للمكان ولا فكرة لديه لما يجري او كلمة تسعف الموقف وقع نظره على ورقة مطوية فوق المشكات اخذها وفتحها بروية..
*حسان.. اعلم انك مفزوع الان واعلم انك سوف تغضب مني لعدم اخبارك بمغادرتي.. لكنني حتمًا لا استطيع وداعك لقد حاولت ان ابوح لك بما يجري لي لكنني لم استطع ، لذلك وددت لو عملت معك شيء ما يجعله ذكرى لي معك وددت ان احقق حلمك حقًا بأن اريك الوان الطيف مزينة في سماءك لكن للأسف لم يحالفني الحظ ولم ننتهي منه قبل مغادرتي ..
لقد كان يقرأ الكلمات وكل كلمة كأنها سوط تضرب قلبه بقوة وتمسح لونًا من الحياة كل شيء سكت في تلك اللحظة فلا الألوان الوانًا ولا للرياح اصواتًا ولا للبلابل تغاريد فلا شمس ولا ضوء ولا دفء فلا إنس ولا جان ولا فكر ولا قلب كل
شيء سكن وانطفأ سقطت الورقة من يديه فلم يستطع تكملة الرسالة ظل محدقًا اليها لدقائق طويلة لقد ذهب عقله بعيدًا وتركه فارغًا لاشيء يسعفه حتى قلبه اختفى صوته ظل على تلك الحالة ساعات واخيرًا قام من مكانه اخذ الورقة وخرج من البيت لايعلم إلى اين يذهب ولا بماذا يفكر ظل يمشي ويمشي ببطء محدقًا لموقع قدماه وجد نفسه على
حافة النهر ظل واقفًا مدة طويلة وهو يراقب حركة المياه رمى الورقة فيها وهم عائدًا للبيت لم يعد في عالمه الوانًا ولا اصواتًا إلى أن وصل الى البيت بقلب منفطر وعقل شارد دخل إلى بيته رأى امه مقبلة إليه بإبتسامتها ورائحة الغداء
منتشرة في الأرجاء أحس بأن روحه قد ارتدت اليه قبّل جبين امه ولمعت عيناه بالدموع احست امه بأن خطبٌ ما أصاب ولدها الحبيب وتساءلت مابه طمأن قلبها انه مجرد تعب واعياء من العمل وانه ذاهب الى غرفته ليستريح وسوف يأكل
غداءه عندما يستيقظ.. دخل غرفته واغلق الباب وانهمرت دموعه بقوة مزيلة لكل عوالم غرفته.. فلا حاجة لإخبار أحد لا
يريد استقبال تعازي او كلمة تجبر خاطره.. سيعلم الجميع انه فقد جزء منه بعد ساعات ولن تقصر الأماكن ولا الذكريات بتعزيته..
لقد ضاع مجداف من القارب في عمق النهر في ليلة عاصفة واضطرب القارب وسط النهر وفقد توازنه اصبحت اي ريح
تستطيع أن تحدث فيه اضطرابًا ، لقد مال القارب الى جهة المجداف المتبقي معتمد على قوته سيبقى مكان المجداف الآخر محفورًا وسيأخذ القارب والمجداف المتبقي وقتًا لكي يتوازن ويبدأ مشواره من جديد معتمدًا على ذاته..