يتمنى الفنان الستيني بسام الحجّار ألا تدركه المنية قبل أن يتبدل واقع العالم العربي والإسلامي، ويعايش محطات مضيئة كتلك التي نحتها على جداريات وأوانٍ فخارية جسدت تاريخا مشرقا وانتصارات كبيرة.
حوّل الحجار (65 عاما) الطابق الأرضي من منزله في مدينة غزة إلى مشغل فني يقضي فيه جل وقته، بين فخاريات وجداريات تمزج الفن بالتاريخ.
ويقول الحجار للجزيرة نت وهو يشير بيده إلى جدارية جسد من خلالها معركة حطين التي انتصر فيها القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين ودحرهم عن مدينة القدس، "هذا تاريخ مشرق، هنا أجد المجد الغائب عنا بسبب فرقتنا وخلافاتنا".
وأمسك الحجار -وهو الفنان الوحيد في قطاع غزة الذي ينحت بالطين على الفخار والجدران- بجرة من الفخار نحت عليها صورة للمناضل الليبي عمر المختار، وقال "ما أحوجنا لأبطال مثل عمر المختار وصلاح الدين لصناعة التاريخ من جديد، وإحياء سنوات المجد العربي والإسلامي".من القصارة إلى الفن
الفنان بسام الحجار يجسد التاريخ من خلال فنه بالنحت (الجزيرة)
بدأ الحجار حياته في مهنة القصارة (تغطية الجدران بطبقة من الإسمنت أو غيره)، ليكتشف منذ ربع قرن موهبته في النحت التي غيرت مسار حياته، وأصبح ذا بصمة في ميادين غزة وشوارعها، بلوحات عن الشهداء الفلسطينيين والأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولوحة نحتها لتخليد شهداء "سفينة مرمرة" التركية الذين ضحوا بأرواحهم لكسر حصار غزة.
يقول الحجار "منذ سنوات طفولتي الأولى أعشق الرسم، وبدأت منذ كنت في التاسعة من عمري في الرسم بالقلم، وفي مرحلة الشباب كنت أرسم لوحات بألوان الزيت، لكن العمل في مهنة القصارة لإعالة أسرتي المكونة من ثمانية أفراد أبعدني لسنوات عن الفن، قبل أن أعيد منذ 25 سنة اكتشاف نفسي، وأحترف النحت بالطين على الجدران، والنحت على الفخار".
ورغم أن النحت تحول من موهبة إلى مهنة يعيش منها الحجار وأسرته، فإنه يفخر بكونه الفنان الأول الذي يهتم بمجال النحت بالطين، ويمزج بين الفن والتاريخ.حياة مع التاريخ
بسام الحجار يبدي عشقا كبيرا للناصر صلاح الدين الأيوبي (الجزيرة)
يعمل الحجار منذ ساعات الصباح الأولى حتى قبيل المساء في نحت جداريات فنية داخل منازل قيد الإنشاء في غزة، يهوى أصحابها رسوم الطبيعة والتراث. ويقول الحجار: "هذا هو مصدر رزقي الوحيد، أنحت لهواة هذا الفن جداريات في منازلهم عن الطبيعة والطيور والأشجار".
وتعتبر الجداريات التي تجسد مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى وقبة الصخرة، الأكثر طلبا سواء من الأفراد أو المؤسسات، حتى أن الحجار لا تسعفه ذاكرته لحصر عدد تلك الجداريات التي نحتها على جدران المنازل والمؤسسات.
وبعد الانتهاء من عمله، يقضي الحجار بعض الوقت مع أفراد أسرته، قبل أن يختلي بنفسه داخل مشغله الذي يصفه بأنه عالمه الصغير وذاكرة عمره.
وأضاف "في ظل الواقع المرير -ليس في فلسطين وحسب، ولكن في كل العالم العربي والإسلامي- أشعر هنا في هذا المشغل الصغير أن لنا ماضيا وتاريخا، وأننا نستحق واقعا أفضل".
اعلان
ويشعر الحجار بكثير من الفخر وهو يشرح للزوار أعماله الفنية، وما تضمنته من صور شخصيات تاريخية ومعارك شكلت منعطفا مهما في التاريخ العربي والإسلامي، إضافة إلى أعمال حول تفاصيل الحياة الفلسطينية قبل وقوع النكبة عام 1948.
وقال "ليس لدي المال لأورثه لأبنائي وأحفادي، ولكن أمتلك ما لا يقدر بالمال، إنه هذا التاريخ"، مشيرا بيده إلى ما يحتويه مشغله من جداريات وفخاريات.أحلام وطموح
جدارية تجسد معركة عين جالوت التي وقت على أرض فلسطين وانتصر فيها المسلمون ودحروا جيش التتار (الجزيرة)
وفيما لم يحالف الحظ الحجار للسفر والمشاركة في فعاليات فنية خارج فلسطين لعرض أعماله، فإن بعضا منها وصل إلى دول عربية وغربية، كقطر والجزائر وأسكتلندا.
ويحلم الحجار في أن يمتلك يوما ما متحفه الخاص الذي يضم فيه كل ما أبدعت يداه من أعمال فنية، ويتحول إلى مزار للمهتمين، خصوصا الأطفال وطلبة المدارس، ليتعرفوا على تلك المحطات المضيئة من التاريخ العربي والإسلامي، لإنعاش ذاكرتهم وتحفيزهم، فهم أمل الغد الأفضل.