عندما كشف الفنان الإيطالي موريزيو كاتالان الستار عن الموزة المعلقة على الجدار في معرض "آرت بازل ميامي بيتش"؛ انطلقت فوضى إعلامية كبيرة بميامي، خاصة بعد بيع النسخة الأولى من الموزة بمبلغ 120 ألف دولار، وبيع النسخة الثانية بمبلغ 150 ألف دولار.
تدافعت الحشود لمشاهدة الموزة المعلقة على الجدران، مما دفع إدارة المعرض إلى وضع حبل مخملي بين الموزة والجماهير، خاصة بعدما جاء الفنان الأدائي ديفيد داتونا والتهم الموزة بدعوى أنه فنان جائع، لكن الإدارة كانت مستعدة بشهادة مرفقة مع الموزة، توضح أنه يمكن تبديلها كلما احتاج الأمر.جدل كبير
على مدار أيام كثرت التفسيرات المضحكة والغريبة والفلسفية حول بيع الموزة المعلقة على الجدار، وتمت إعادة إنتاج الفكرة بأشكال مختلفة، وبدأ الناس تعليق أغراض مختلفة على الجدران باللاصق الفضي نفسه، وتصويرها ورفعها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما استعملت واحدة من شركات المنتجات الغذائية الفكرة نفسها كدعاية لمنتجاتها، وأعاد بعض الفنانين رسم الموزة كغرافيتي على الجدران في الشوارع ومحطات المترو.
بعد كل تلك الضجة، أصدر بيلي وبياتريس كوكس مالكا الموزة بيانا بشأنها، ووصفا العمل بأنه عمل فريد، أقرب لعلب الحساء الشهيرة التي أنتجها آندي وارهول عام 1962، وأعرب الزوجان عن نيتهما التبرع بالعمل الفني في النهاية للمتحف، قائلين إنه حتى الناس غير المهتمين بالفن أرادوا رؤية الموزة، التي فتحت الأبواب لنقاشات مهمة حول قيمة الأعمال الفنية، وقيمة الأشياء بشكل عام.
ورغم أن الموزة تعتبر عنصرا مهددا بالتلف والتحلل، فقد أكد إيمانويل بيروتين مؤسس المعرض، أن القيمة الحقيقية للعمل تكمن في شهادة الأصالة التي تتضمن دليلا للتركيب قائلا "كل الأعمال الفنية تكلف الكثير من المال، والملاك يشترون فكرة وشهادة".الفكرة بوصفها فنا
في بيان صدر عن إدارة المعرض، عبر قناة سي إن إن، قال كاتالان إنه في كل مرة يسافر فيها، كان يحضر موزة ويعلقها على جدار غرفته بالفندق ليجد الإلهام. صنع كتالان من الموزة عدة نماذج من البرونز والبرونز المطلي، وفي المرة الأخيرة عاد إلى الفكرة الأولية عن الموز الحقيقي.
لكن التساؤل هو عن كيفية بيع وشراء الموزة، وكيف يمكن أن يكون الموز عملا فنيا؟ يمكن هنا أن نستعيد بدايات ظهور الفن المفاهيمي بالعمل الفني "النافورة" لمارسيل دوشامب، عندما أحضر مبولة خزفية ووقع عليها باسم مستعار وعرضها كعمل فني منذ أكثر من مئة عام، ليرسخ للفكرة والمفهوم واللعب المتبادل بين الفنان والجمهور وكيفية صنع الفن من البداية.
يحاول كاتالان إثارة الجدل مجددا، خاصة بعد صعود تيارات الفن المعاصر المختلفة، التي ترسخ فكرة أن أي شيء يصنعه الفنان هو فن، لكن هل الفن يجب أن يكون منتجا ملموسا؟ أم هو مجرد فكرة أصيلة بغض النظر عن التنفيذ؟
في العصر الحالي، ومع تنامي التجريب الفني؛ بدأ الفنانون مقاومة الأشكال التقليدية للفن، واتسعت الأفكار الفنية بشكل مذهل، وهنا يمكن اعتبار موزة كاتالان فكرة ذكية إذا قررنا أخذها على محمل الجد والتفكير في الأمر بشكل جاد، خاصة مع التهام الفنان الكوميدي الأدائي لها، ليتحول الأمر بالكامل إلى ما يشبه عرضا أدائيا كاملا.
بمعنى آخر، ليست الموزة هي الفن، لكن الفن هو غرابة الفكرة والبيع والجدل القائم حول تقييم الفن وقيمته، وحول الحرية التي يطالب بها الفن المعاصر لنفسه، ورغبته في التحرر من القواعد؛ هي كلها أهم الأفكار الجدلية التي أثارتها موزة كاتالان.
يذهب بعض النقاد في اتجاه آخر، ويعتقدون أن كاتالان يحاول السخرية من الأشكال الغريبة من الفن المعاصر، وانتقاد الرأسمالية التي تخضع الفن للبيع والشراء، ما دامت هناك مجموعة من الأثرياء الذين يمكنهم شراء أي شيء في نهاية الأمر، خاصة مع الاهتمام المتزايد بالعمل وفكرته والضجة التي أثارتها وسائل الإعلام حول العرض منذ بدايته وحتى نهايته.