مزاد العملة أحد أسباب إنتفاضة تشرين
– سناء عبد القادر مصطفى
استطاعت البروليتاريا الرثة وأحزابها السياسية من الهيمنة على الاقتصاد الوطني العراقي من خلال الدخول الى مزاد العملة والتلاعب فيه بحيث يحقق مآربها في الإغتناء الفاحش والسريع من خلال مسخ العلاقات الاجتماعية وتحطيم كل القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع العراقي ومن ثم السيطرة بشكل أو بآخر على ادارة البنك المركزي العراقي من خلال تعيين مدراء ينتمون الى أحد هذه الأحزاب السياسية المسيطرة على ادارة الدولة.
ولازال ملف الفساد في مزاد العملة يلقي بظلاله على المشهد الاقتصادي والسياسي ايضا لارتباط المصارف التي تستحوذ على المزاد، بجهات سياسية تمول من خلاله احزابها وتعود عليها بالربح المالي الوفير على حساب اقتصاد البلد طالما أن قانون البنك المركزي العراقي -الذي صدر اثناء وجود بول بريمر في دفة الحكم- رقم 56 لسنة 2004 يسمح بالبيع للعملة الصعبة لكل من طلبها دون قيود وشروط.
ويعد مزاد العملة شكلاً جديداً من أشكال الفساد الاقتصادي المرتبط بعملية غسيل الأموال في البلاد وخروج العملة الصعبة من العراق.
في تصريح لعضو اللجنة البرلمانية المعنية بمتابعة تنفيذ الموازنة عبد الهادي السعداوي في الثامن من شهر تموز العام 2019 حيث قال بأن مزاد العملة خارج سيطرة البنك المركزي الذي يبيع من 150 الى 200 مليون دولار يومياً. وأضاف السعداوي أن “هناك مشاكل ومخالفات سجلت على بيع العملة من قبل البنك المركزي وكذلك سعر صرف العملة الذي غالبا ما يكون متحركا وغير ثابت في اغلب الأحيان”، لافتا إلى ان “أي مرشح لمنصب المحافظ عليه الجلوس مع المالية النيابية لمناقشة هذين الأمرين”.
الخلفية التاريخية لمشكلة مزاد العملة
نشرت في العام 2018 وثيقة تشير الى مخالفة صريحة وعملية فساد في مبيعات العملة الاجنبية للبنك المركزي العراقي في مزاد بيع العملة الأجنبية في العام 2015 بموجب كتاب صادر من رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب آنذاك أحمد الجلبي، يخاطب فيه رئيس المحكمة الاتحادية، داعيا القضاء الى اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على احتياطات العراق من العملة الصعبة. وجاء في الكتاب ان جدول تحليل مبيعات العملة الاجنبية للبنك المركزي العراقي في مزاد بيع العملة الاجنـــبية ليــــــــــــــــــــــو م 2015/ 5 / 31 والذي بلغ “393,104,332” دولار، يعد مخالفة صريحة للمادة “50” من قانون الموازنــــة العامة الاتحادية للدولة في العام 2015 والتي حددت مبيعات البنك المركزي العراقي بـخمسة وسبعين مليون دولار يومياً في حين بلغت المبيعات لهذا اليوم حوالي خمسة اضعاف ونصف المبلغ الذي حدده القانون.
وبذلت اللجنة المالية التابعة لمجلس النواب جهوداً حثيثة في كشف تهريب مليارات الدولارات الى خارج البلاد عبر شركات مالية وهمية وصيارفة جدد استنزفوا هذه المليارات من خزينة الدولة ومن قوت الشعب. وتمكن في حينها أحمد الجلبي من جمع الكثير من الوثائق التي أعتمد عليها في كتابة تقرير قدمه الى رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة. وقد حّمل الجلبي في هذا التقرير مسؤولية تداعيات انهيار البنية المالية للبلاد الى المافيات التي تتحكم بسعر السوق وان أحد أسباب الانهيار الاقتصــــــــــادي هو اهـــــــــــدار نحو 312 مليار دولار في المدة الزمنية 2006 – 2014.
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني في تصريح لصحيفة بغداد بوست ان” 15% من مبيعات البنك المركزي عبر المزاد تذهب كغسيل اموال”.. مبينا ان “اللجنة المالية والاقتصادية البرلمانية تحدثت عن ذلك وكل الاجهزة الحكومية لم تتمكن من ايقاف المزاد وظل مستمرا في استنزاف العملة الصعبة لارتباطه بشخصيات سياسية كبيرة”.
ويضيف المشهداني ان “معدل الاستيرادات الحقيقية للقطاع الخاص هو 35 مليار دولار سنويا الا ان ما يقوم البنك ببيعه خلال السنة الواحدة عبر المزاد هو 50 مليار دولار”.. مشيرا الى ان “الفساد اصبح واضحا حتى لدى الاجهزة الرقابية الا ان قوة ونفوذ الاشخاص المتنفذين بمؤسسات المصارف هي اكبر من المحاسبة وهو مستمر في ذلك على الرغم من تقنينه في السنوات السابقة”.
خروج العملة الصعبة مقابل استيراد بضائع وهمية
في حين يقول الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي أن “المزاد الذي تم تاسيسه في العام 2004 انشئ بهدف عدم حصول احتكار للدولار من جهه ولشراء الدينار العراقي لتغطية الموازنة ومنع التضخم من جهه اخرى وكانت اداة لضبط سعر الصرف الا ان فرق القيمة بين البيع النقدي والحوالات شكل هامش ربح للمصارف المشتركة في المزاد وعدد محدود من الشركات ما ادى الى تهريب كميات كبيرة من الدولارات”.
واكد ان “المزاد اصبح ممرا للربح بدلا من الصيرفة الحقيقية ولخروج الدولار باذونات استيراد لا تستورد شيئا ولايجري التدقيق حول السلع المشتراة مقابل هذه التحويلات مما شكل ممرا للفاسدين لاخراج اموالهم خارج البلاد بطريقة قانونية وعدم اعتماد الاعتمادات المستندية المتبعة في العالم لتغطية الصفقات التجارية وحيث لاتزال المصارف لحد الان وشركات الصيرفة تتقاسم مغانم المزاد من خلال تحويل العملة الى الخارج بدون حاجة استيرادية وبعناوين شتى ما ادى الى ضياع عشرات المليارات سنويا من العملة الاجنبية المهربة”.
تأسيس مصارف داخل العراق دون تدقيق في هوية مؤسيسيها
ومن جانبه يقول الخبير الاقتصادي محمد الحسناوي ان هناك “مصارف وخاصة الاسلامية منها تم افتتاحها ومنحها رخص بدون اي تدقيق عن امكانياتها وقدرتها المالية”.. كاشفا عن “وجود مصارف تم افتتاحها من قبل موظفين يعملون في البنك المركزي او مشاركين فيها”.
ويضيف الحسناوي ان “هذه المصارف لا تقوم باي عمل ائتماني وانما ينحصر عملها في مزاد العملة وتحويل العملة الصعبة الى خارج البلاد من خلال غسيل الاموال”.. داعيا “البنك المركزي والجهات الرقابية الى التدقيق في كيفية حصول هذه المصارف على رخصة التاسيس”.
ويقول النائب عن تيار الحكمة علي البديري، ان “الاموال التي هدرت في مزاد العملة طيلة السنوات السابقة تعادل موازنات دول وتكفي لتشغيل عدد كبير من المصانع المتوقفة وتقضي على النسبة الاكبر من البطالة في البلد”، مشيرا الى ان “هنالك بعض الاطراف مهيمنة على القرار وتملك سيطرة على بعض وسائل الاعلام تمنع تسليط الضوء على هذا الملف الخطير”.
ويضيف البديري أن “بعض المستفيدين من مزاد العملة هم موجودين في مصدر القرار، سواء كان القرار تشريعي ام تنفيذي”، مبينا ان “اي طرف او نائب يفتح موضوع مزاد العملة فانه يتم غلقه وبسرعة عجيبة غريبة”.
ويشير البديري إلى أن “العملة الصعبة تخرج الى خارج العراق في عمليات غسيل اموال وتهريب للعملة تحت عناوين مختلفة ووصولات وسندات غير صحيحة”.. لافتا الى ان “هنالك تخطيط اقليمي وداخلي وتكتيم على ملفات الفساد في مزاد العملة والمافيات المسيطرة عليه”.
ويؤكد البديري، اننا “إذا تركنا جميع ملفات الفساد وركزنا على ملفي المنافذ الحدودية ومزاد العملة فاننا سنعيد مبالغ ضخمة جدا لخزينة البلد ونوفر وارد مهم جدا للموازنات المقبلة”.
مزاد العملة ملف كبير للفساد
من جانبها تقول عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية ندى شاكر جودت، ان “جنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية ماضية في التحقيق بقضية مزاد العملة”.. مبينة ان “لدينا تواصلاً مستمراً مع عدد من الجهات الخاصة في هذا المجال”.
وتضيف جودت ان “عملية هدر العملة وما يجري في مزاد العملة هو امر لم نسمع به او نراه في جميع بلدان العالم التي تتخذ كافة الاجراءات للحفاظ على عملتها الصعبة من الهدر وتعمل على تقنين الانفاق منها حتى في مجال الاستيراد الى مستــــ ويات معقولة”.. لافتة الى ان “مايجري بالعراق هو عبارة عن حالات استيراد وهمية وغيرها من الطرق التي تؤدي يوميا الى هدر ارقام كبيرة من العملة الصعبة دون سبب”.
وتشير شاكر الى ان “ملف مزاد العملة هو ملف كبير للفساد وقد عملنا على فتح تحقيق فيه، لكن التظاهرات والتركيز على القوانين التي تدعم مطالب الجماهير ومن بينها قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص جعلت اجراءات التحقيق تجري بروية”.. موضحة ان “من بين المقترحات التي لدينا للحد من الهدر بمزاد العملة هو فرض ضريبة على الاموال الخارجة بنسب معينة بما يخلق ايرادات للدولة وتجعل الامور تجري بشكل صحيح”.
وتؤكد جودت، ان “هذا المقترح لاقى ترحيبا واسعا من قبل الهيئة العامة للضرائب وقد توصلنا الى صيغة شبه نهائية وهي بحاجة الى تنضيج بغية طرحها بشكل رسمي”.. مشددة على المضي “في الاجراءات للحفاظ على العملة الصعبة من الهدر والفساد ولدينا تنسيق وتعاون مع الجانب الصيرفي والبنك المركزي وهيئة الضرائب بهذا الشان”.
اما الباحثة شذى خليل فتقول “ان مزاد بيع الدولار قانون شرعه وامر به الحاكم المدني للعراق سابقا بول برايمر في عام 2004 وهو المزاد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط ويعد من أكبر التحديات التي تواجه الدولة العراقية اذ يشوّه السياسة العامة ويهدم الاقتصاد وقد استمر هذا المزاد بعمله حتى الآن واستغل من قبل أصحاب النفوذ والمسؤولين البارزين في العملية السياسية المرتبطين بإيران في تهريب أموال العراق وغسيل الأموال وتدويرها لصالح الاقتصاد الإيراني في تمويل الارهاب ومواجهة العقوبات الاميركية ولمصالحهم الخاصة.
وتضيف انه بحسب تحقيق لجان مجلس النواب العراقي والتقارير الدولية فقد تم هدر ونهب مبلغ بحدود 312 مليار دولار على مر السنوات الماضية وهي عائدات للنفط ضخها البنك المركزي العراقي إلى الاسواق وتم تحويل معظمها إلى الخارج .. موضحة ان هذا رقم يعد كبيرا جدا في دولة تعاني أزمة اقتصادية خانقة وصل الحال في دولة “الثروات” الاستدانة من صندوق النقد الدولي لتغطية نفقاتها!
يشار الى ان البنك المركزي العراقي يقوم ببيع الدولار الى المصارف الاهلية وشركات التحويل المالي عبر المزاد الذي يجريه يوميا وبمقدار 150 مليون دولار والتي ترتفع هذه الارقام او تنخفض حسب الطلب من قبل هذه المصارف مما يؤثر بشكل او بآخر على احتياطي البنك المركزي العراقي والذي تاثر بشكل ملحوظ بالاونة الاخيرة نتيجة عدم التكأفو بين ما يحصل عليه من الدولار وما بين عملية البيع عبر المزاد.
غسيل العملة الصعبة الى خارج الحدود
يذكر أن وتيرة الاتهامات تصاعدت بشأن عمليات تهريب العملة التي ألقت بظلالها على أسعار بيع الدولار في الأسواق المحلية وأدت إلى زيادة سعر صرفه قبل اشهر في حين طالب نواب بضرورة أن تبادر الحكومة إلى إيقاف عمليات بيع العملة في مزادات البنك المركزي، أكد آخرون أن العراق يخسر أموالاً طائلة جراء تهريبها يومياً إلى خارج الحدود.