العراق باقٍ وغيره إلى زوال – علي الشكري
يقيناً ليس أغلى من الدم ، وليس اثمن من النفس التي حرمَ الله الا بالحق ، والمؤسف أن الانسان ليس ابخس منه قيمةً وثمن في العراق ، فقد راحت النظام الانقلابية تجوب به بطشاً في شرق البلاد وغربها ، ولم يكن ايسر من روح ابن الوسط والجنوب والشمال قطفاً وبطشاً وانهاء ، حتى راح العراقي يبحث عن وطن يأوي وبلد يأمن وأرض تحتضن وسماء تلحف ، وراح العراقي مثلاً يُضرب للصابر المحتسب الراضي بقضاء من تسلط وحكم من بطش . وقُدر للعراقي أن يرى زمن الحرية ويعيش أيام التحرير ، لكن هذه الايام لم تكن كما أيام من كابد الظلم من الشعوب ثم عاش الحرية ، فأيام الحرية في بلدي خالطها دم الإرهاب ووسمتها الطائفية بختمها وراحت القومية تقسم الشعب إلى اطياف وحلل وملل ونحل وتمكنت المؤامرة في زمن الحرية من تحقيق مالم يتمكن الدكتاتور من تحقيقه . وكانت العلامة الفارقة للمرحلة الأكثر مشقة الدم العراقي الذي راح يسيل أنهاراً من اجل تروية الأرض التي جدبت فيها الحرية وشحت فيها الديمقراطية وراح الفرد يخشى اساتيذه واهله وزوجه ورفيقه ، لقد شهدت السنوات الأولى لزوال حكم الديكتاتور تكالب الجار والشقيق والصديق والعدو من اجل الإطاحة بحكم القادم الجديد ، ليس بغضاً بمن حكم وقبض حسب ولكن خوفاً من عراق قوي حر مقتدر متصدر ، بلحاظ أن من خطط ودبر وحفر واراد أن يوقع يعلم أن العراق يمرض ولا يموت ويضعف ولا يضمحل ويتراجع لكنه لا يسكن ، من هنا راح الجميع يناصب المتحرر تواً العداء ليس بقصد كسره تمهيداً لقتله ولكن رغبة في تاخير المسيرة وتبطيىء العودة وعرقلة الخط ، فكان الإرهاب الوسيلة الأجدى عنده والطائفية الثمن الإبخس ، والقومية الأكثر يسراً لتمزيق الصف . ونجح لأعوام قليلة في تحقيق ما صبا اليه ، ويقيناً ليس في ضياع المال خسارة ولا في فوات فرصة البناء ضير لا يجبر ، لكن البأس كله في النفس التي راح الإرهاب يقطفها بدم بارد حتى اصبح مشهد غسل اثار الدم الذي يخلفه التفجير امر معتاد وبالماء الطاهر والغائط حتى وسمت كل ايام الاسبوع بالسوداء من سلتها وحتى جمعتها والجميع يشاهد ويرقب ويتشفى ويتمنى بداوم الحال وتصاعده ، ففي استمراره القوى وفِي بقاءه غياب لمن تصدر وتصدى ووقف ودفع حتى تسيد . ويبدو أن مخطط واراد الإطاحة لم يكتف بالدم الزاكي والترميل والتيتيم وقتل الاقتصاد بل راح خياله بعيداً ليخطط الى تحويل العراق الى عاصمة لدولة الاٍرهاب بعد ان اصبح الاٍرهاب امبراطورية تضم ولايات ودويلات على رأسها أمراء ورعية ، بل راحت هذه الإمبراطورية هي الأحدث والأقوى وامتدت أذرعها لتهدد القاصي والداني ، وتحالف الخالق الذي انشئها ومولها وخطط لها ، لمواجهة خطرها بعد أن راحت نذر نيرانها تلوح في الأفق ، وكل الأثر في ارض الوطن ، والأهم أن يبقى من أراد أن يوقع سالم سعيد يتربع على سدة العرش وينعم شعبه بالراحة ويزدهر اقتصاده والآخر الى جحيم . لكن القوي لا يقبل الا الصدارة ، يضعف لكنه لا يموت ، يتراجع لكنه لا يهزم ، يمرض لكنه لا يموت ، يترنح لكنه لا يسقط ، يخفت نجمه لكنه لا يأفل . على ظلالة من راح يترقب موت العراق ، وجاهل من ظن أن التكالب عليه اليوم هو الاول ، فتاريخه سلسلة من الانهزامات والانتصارات ، وصفحاته مليئة بالحوادث والدسائس والمكيدات والإخفاقات ثم النجاحات ، وعصوره كلها تراجعات وتصدرات وتصديات ، ويقيناً أن الحكيم من قرأ التاريخ وأتعض بحوادثه ، فليس في التطلع مأخذ ولا في السعي عيب ولا في الرغبة في التصدر مثلبة ولا في قيادة الاخر بجدارة تجني ، لكن المآخذ كله في أن يعتقد المقود أنه قائد وأن يظن التابع أنه متبوع ويتطلع من قضى جل حياته متلقياً التوجيهات أن يكون موجهاً ، فالقيادة قدرة ، والاتباع مكنة ، والتوجيه مستلزم ومقدمة . ومذ عرف العراق دولة كان ولما يزل قائداً ورائداً وموجهاً ، ويقيناً أن الضربة التي لا تقتل تقوي ، وبصرف النظر عن كل الحوادث الجسام التي يمر بها العراق فإن الزهو سيكون حليفه والازدهار وعده والتصدر حصيلته ، فليس اقل من الصدارة مكانة تليق بالعراق وليس بغيرة المقدمة رضا وقبول ، فالعراق كبير بشعبه ومرجعيته وتاريخه وثرواته واقتصاده وموقعه ، وهي هبات هيأت له المكانة وعلى الغير قبول الواقع والرضا بما قُدر ، وبالقطع أن حبل المؤامرة قصير ومآله خطير وآثره كبير ، وعلى من خطط وعمل وحث الخطى على أن يوقع بالكبير أن العراق باق ٍ وغيره الى زوال.