شروط نجاح مجلس الإعمار في العراق – عادل عبد الزهرة شبيب
سبق وان صادق مجلس الوزراء العراقي على مشروع قانون مجلس الاعمار وهو المشروع الذي تم اعداده بصورة مشتركة بين رئاستي الجمهورية والوزراء . وان الهدف منه حسب ما اعلن انشاء البنى التحتية واقامة المشاريع الكبرى في البلاد آملين ان لا تكون وهمية كالطرق والجسور والمطارات والموانئ ، فضلا عن القضاء على البطالة بدلا من رش الماء الحار على اصحاب الشهادات العاطلين عن العمل من خلال تشجيع الاستثمار وتشغيل الأيدي العاملة ومتابعة انشاء المشاريع الاستراتيجية والصناعية والزراعية والصحية والاسكان وادامة تشغيلها وفقا للمعايير والمفاهيم العالمية حسبما ورد ذلك في بيان رئاسي .وهذه مهمة عاجلة تنتظر الحكومة العراقية المقبلة بعد تشكيلها .
استنساخ التجربة
وهذه التجربة اليوم هي استنساخ لتجربة سابقة تعود الى خمسينات القرن الماضي والذي نجح المجلس في تنفيذ مشاريع كبرى ناجحة مثل سد وبحيرة الثرثار وسد وبحيرة الحبانية اللذين حميا بغداد من خطر الفيضان اضافة الى بناء سد دوكان ودربندخان للحماية من الفيضان وتوفير الطاقة وتطوير الزراعة ، والاهتمام بقطاع الطرق والجسور في خطط متوسطة الأمد تمثلت في تعبيد آلاف الكيلومترات لربط مدن العراق بشبكة طرق وجسور حديثة . كما تم انجاز المشاريع قصيرة الأمد التي لها تماس مباشر مع حياة المواطن مثل مشاريع التنمية في قطاع الاسكان حيث تم بناء آلاف الوحدات السكنية لذوي الدخل المحدود وتطوير قطاع الصحة والتوسع في بنية التعليم الأساسي والتعليم العالي.
عجز الحكومات المتعاقبة
بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق عام 2003 وارتفاع اسعار النفط في الأسواق العالمية حصل العراق على عوائد مالية عالية، الا ان ذلك لم يؤد الى تنفيذ مشروع خدمي واحد او بناء مستشفى او مصنع او مدرسة او تطوير الصناعة والزراعة والسياحة والتعدين والنقل وتوفير الكهرباء والماء ، وتركت البنية التحتية المهترئة لتصل الى اسوأ المستويات حتى غدت بغداد أسوأ مدينة للعيش في العالم من حيث معايير جودة الخدمات والصحة والتعليم والأمن وجاذبية الاستثمار ، واصبحت اسوأ مدينة لرجال الأعمال واصبح العراق اسوأ بلد في العالم في مستوى التعليم والصحة ، واحتل العراق المراتب الاولى من بين الدول الأكثر فسادا في العالم واهملت فيه القطاعات الانتاجية والتصديرية واعتمد على الاستيراد لسد حاجات السكان بما فيها سلة غذائه . وحتى جواز السفر فيه اعتبر من اسوأ الجوازات في العالم. وقامت مافيات الفساد بإفراغ خزينة العراق ، حيث تشير الاحصاءات الى انه بين عامي 2004 و2014 تم هدر ما قيمته حوالي 500 مليار دولار من عائدات البترول واصبح العراق امام كارثة حقيقية . وعانى العراق منذ 2003 والى اليوم من معوق اقتصادي كبير مرده سوء التخطيط وعدم وجود استراتيجية اقتصادية واضحة عدا استراتيجية نهب المال العام وهذه المشكلة ادت الى عدم رؤية مشاريع استراتيجية النور ، وما نفذ من مشاريع صغيرة في الغالب غير مؤثرة على نطاق الاقتصاد العام .
الآمال المرجوة
وبعد الاعلان عن تشكيل مجلس الاعمار، هل يتمكن من اداء دوره وفقا للأهداف المرسومة له ؟ ام سيكون حبرا على ورق حاله حال مشروع مجلس الخدمة العامة والمجلس الأعلى لمكافحة الفساد؟ وغيرها من الهيئات التي تم تشكيلها ولم تؤد دورها المطلوب . وكما قال الراحل د. مهدي الحافظ الخبير الاقتصادي ووزير التخطيط الأسبق في تصريح له عام 2014 ان انشاء مجلس الاعمار خطوة مهمة لتحقيق التنمية في العراق ولكن انشاء هذا المجلس يحتاج الى حكومة فاعلة ولديها رؤية اقتصادية موحدة … فالعراق لا يمتلك أي رؤية اقتصادية وهذا الأمر يؤخر الاستثمار وانجاز المشاريع والسبب في ذلك هو ان المؤسسات الاقتصادية ليست متفاعلة مع التطورات الاقتصادية كما انها لا تعي حجم المسؤولية التي يفترض اضطلاعها بها . ومنذ 2015 ونتيجة ضغوط الشارع ومطالبته بالإصلاح والخدمات والأمن ، نصت المادة 27 من الموازنة العامة لعام 2015 على ان لمجلس الوزراء انشاء المجلس الأعلى للإعمار على ان ينظم ذلك بقانون خلال ثلاثة اشهر .. . وقد مرت اربعة سنوات وليس ثلاثة اشهر ولم ير القانون النور ولم يتم تفعيل مجلس الاعمار واعتقد هكذا سيبقى الحال في السنوات اللاحقة ما لم توجد حكومة رشيدة قوية تعمل لصالح الوطن بشكل حقيقي .
اسئلة بحاجة الى اجابة
هناك اسئلة تطرح نفسها في حال بدء عمل مجلس الاعمار :
– هل سيكون مجلس الاعمار بديلا عن هيئة الاستثمار العراقية التي فشلت في اداء مهامها ؟
– وهل سيأخذ مجلس الاعمار صلاحيات مجالس المحافظات ؟ وما دور مجالس المحافظات عندئذ ؟
وحتى ينجح مجلس الاعمار في عمله لا بد من :-
1 – مكافحة الفساد بكافة اشكاله بما فيه الرؤوس الكبيرة للفساد وبشكل حقيقي وليس مجرد وعود ، وابعاد المجلس عن المحاصصة الطائفية المقيتة .
2 – ان يكون اختيار اعضاء المجلس من شخصيات نزيهة ومتخصصة تتوفر فيهم المعايير العلمية والمهنية والمواصفات الشخصية.
3 – لا يحقق مجلس الاعمار اهدافه ما لم يقترن بالإصلاحات السياسية والادارية الاخرى وبعناصر السياسة الاقتصادية التي يجب ان تتلاءم مع تشكيله .
تخصيص نسب
4 – تخصيص نسبة ثابتة من الريع النفطي لأغراض الاستثمار ففي الخمسينات من القرن الماضي كان يخصص للمجلس اكثر من 75 بالمئة من ايرادات الموارد النفطية .
5 – اعتماد الخطط الاقتصادية طويلة الأمد والمتوسطة والقصيرة الأمد ومتابعة تنفيذها وفق السقف الزمني المحدد .
6 – اقامة مشاريع لها تماس مباشر مع حياة المواطن والتي لها الأولوية مثل مشاريع قطاع الاسكان والصحة والتعليم والكهرباء والماء وغيرها.
7 – توفير بيئة آمنة للاستثمار المحلي والأجنبي والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية واقامة المشاريع بعيدا عن اموال الموازنة العامة .
8 – ان لا تكون صلاحيات مجلس الاعمار في بغداد حصرا ، بل ينبغي ان تمتد الى محافظات العراق كافة بالتنسيق مع مجالس المحافظات وفك التداخل في الصلاحيات معها .
9 – فك التداخل الذي قد يحدث مع وزارات الاعمار والاسكان والبلديات العامة والتخطيط والمالية
10 – تبني استراتيجية اقتصادية واضحة ورؤية حقيقية لتنفيذ المشاريع.
11 – ضرورة منع المتطفلين من التجار والمستثمرين والاعتماد على مستثمرين قادرين على النهوض بالاقتصاد .
12 – تمتع مجلس الاعمار بصلاحيات اقتصادية واسعة وبأموال كبيرة من اجل الاعلان وتنفيذ مشاريع لا تؤثر على الميزانية، على ان تدرس جميع المشاريع بشكل دقيق وواضح لزيادة الدخل القومي العراقي ومنع انهياره في حال انخفاض اسعار النفط .
13 -العمل على استتباب الأمن والحد من الصراعات السياسية التي تسبب بتكرار تأخر اقرار البرلمان للموازنة الاتحادية في كل عام والذي يؤدي الى تعطيل مسيرة الاعمار.
14 – اعتماد الخبرات الاقتصادية وتفعيل الرقابة في المؤسسات الاقتصادية الرسمية.
15 – ان يكون تشكيل مجلس الاعمار وفق شروط اقتصادية واضحة ومنحه استقلالية في اتخاذ القرارات يمكن ان ينهي مشكلة تعطل انجاز المشاريع .
16 – يشترط ان يضم مجلس الاعمار خبراء اقتصاد ورجال اعمال وشركات استشارية اجنبية بعيدا عن صراعات السياسيين ومحاصصاتهم، وعدم استبعاد الكفاءات الاقتصادية في عملية التخطيط ورسم السياسات العامة ، مع اشراك كفاءات القطاع الخاص العراقي.
17 – ضمان عدم تدخل الأحزاب المتنفذة والكتل السياسية بشؤون مجلس الاعمار .
18 – الشفافية في اتخاذ القرارات والتنسيق بين المؤسسات الحكومية المختلفة ومكافحة البيروقراطية المتفشية في الدوائر الحكومية في ظل الفساد المالي والاداري .
19 – تشريع القوانين التي تسهل عملية الاعمار كقانون الاستثمار .
20 – اصلاح المؤسسات الاقتصادية الحكومية مثل الوزارات ذات العـــــلاقة بالجانب الاقتـصادي والمصارف وغيرها ، وسيبقى مجلس الاعمار في حالة تنفيذه والالتزام بأهدافه خطوة ايجابية مهمة توفر الأطر المؤسسية السليمة لقيادة وادارة عملية الاعمار وبناء القواعد الارتكازية للتنمية وهو حلقة اساسية لإطلاق التنمية في العراق.