معرض كتاب بغداد.. إقبال ضعيف لكنّ المشاركين راضون
جانب من معرض بغداد للكتاب
رض بغداد للكتاب
تفاوتت آراء المشاركين في معرض بغداد للكتاب والذي اختتم مساء السبت، وبينما قال البعض إن الإقبال كان جيدًا رأى آخرون غير ذلك معربين عن قلقهم على مستقبل القراءة.
بغداد: اختتم مساء السبت معرض بغداد للكتاب بعد أن امضى نحو 120 ساعة على مدى عشرة ايام في حالة ترحيب للقادمين اليه واحتضانه لهم وكشف اسراره لأمزجتهم، وعلى الرغم من المجاملة الواضحة لدور النشر المشاركة في تصريحاتهم حول تميز حركة الناس في المعرض، الا أن اهم ما يمكن أن يلاحظه المتابع العادي هو ضعف الاقبال الجماهيري، فليس هنالك ما يؤكد ذلك الحضور القوي واللافت الذي يجعل الناظر يزرع الدهشة في ارجاء المكان، وربما أن الـ 120 ساعة كانت كافية لكي ينتشر على مساحاتها عشاق القراءة والباحثون عن الكتب واصحاب المكتبات ايضًا.
اكثر ما يرسم الابتسامة على الوجه في اليوم الاخير لمعرض بغداد للكتاب أو لنقل في ساعاته الاخيرة أن الحضور كان لافتًا، وإن لم يكن مميزًا، والسر وراء هذا أن القارىء العراقي يضمر في داخله سببًا لهذا المجيء وهو أنه يبحث عن الفرصة السانحة التي يضطر معها اصحاب دور النشر الى تخفيض الاسعار الى نسبة كبيرة، فهو يرى أنهم امام خيارين لا ثالث لهما، إما أن ينال قسطًا وافرًا من التعب في شحن كتبه أو وضع خصم لكي يمنح القرّاء فرصة الشراء، ولكن رغبة القرّاء اصطدمت بعناد بعض اصحاب دور النشر الذين اصبحت لديهم خبرة في التعامل مع ساعات ما قبل الختام، فقد ابدى العديد من رواد المعرض في ساعاته الاخيرة لـ"إيلاف" محاولتهم اقتناص فرصة الخصم التي يقوم بها اصحاب دور النشر التي تهبط الى نسبة مئوية جيدة تسعف البعض الى شراء كيميات كبيرة من الكتب، وقد اكد البعض أن ذلك حصل من خلال اعلان البعض عن اسعار جديدة للكتب، حيث وضعوا لوحات تشير الى أن سعر اي كتاب لديها هو (2000) دينار (نحو دولارين) أو 3000 دينار (نحو ثلاثة دولارات)، فيما كانت هذه الكتب بأسعار مختلفة في ايام المعرض الاولى.
الى ذلك كان هنا سرور مفاده أن المواطن العراقي ما زال يقرأ مقارنة مع مواطني البلدان العربية، على الرغم من الظروف القاسية المحيطة به، ما زال يقرأ ويسعى الى أن يعلم ابناءه قيمة القراءة لذلك هو يأتي بهم الى المعرض لشراء الكتب انتقاء، وهو ما اخبرنا به البعض، من أنه اشترى لاطفاله ما يزرع في دواخلهم حب الكتاب، لكن الاشارات التي استطعنا أن نلم بها هي العتب الذي أبداه العديدون من مواطنين واصحاب دور نشر، من أن المعرض يجب أن يحظى برعاية حكومية كاملة، وأن تكون اسعار المكان مجانية أو رمزية، وأن يهتم به الاعلام بشكل كبير، وان تقوم المدارس بسفرات خاصة لطلابها للمعرض لكي يتعرف الطلاب على هذه الامكنة الجميلة، ومما يجب أن يقال إننا في استطلاعنا حول اكثر الكتب مبيعًا وجدنا أن كتاب الكاتب العراقي محمد غازي الاخرس الذي يحمل عنوان (كتاب المكاريد) هو الذي تميز بهذه الصفة.
أراء متفاوتة وأحاديث مجاملة
وفي محاولة لمعرفة وكشف اسرار المعرض كانت لنا وقفات مع اصحاب دور النشر وكذلك عودة أخرى الى المدير التنظيمي.
أحد الموظفين في دار الذاكرة للنشر قال:" الاقبال الجماهيري كان جيداً جدًا، وفي جناحنا كان الاقبال على الكتب العلمية بالتخصصات كافة وكتب الادب واللغة العربية بشكل خاص، الشعر والرواية والخطابة والفصاحة، ونحن راضون عن مشاركتنا ومبيعاتنا.
فيما قال منتظر النوري، مدير الدار العربية للموسوعات : الاقبال جيد جدًا من قبل الجامعات ومؤسسات الدولة والمواطنين، وفي جناحنا كانت الاكثر مبيعًا الكتب السياسية والتاريخية لاننا نختص بها والحمد لله توفقنا في هذا الجانب، وإن كانت اسعارنا مرتفعة مع الاسف لأن كتبنا قيمة من ناحية الجودة وبمحتواها ولذلك فوجىء المواطن بالاسعار لأنها غالية ولكنه فوجىء ايضًا بقيمة كتابنا وكان تقديره لجودة الكتاب وفحواه، واعتقد أن مبيعاتنا من العناوين الموجودة لدينا بين 60 الى 70 %، ونحن راضون كل الرضا عن مشاركتنا.
غياب الاهتمام بكتب الأفكار والإبداع
وقال حسن ياغي، مسؤول عن دار التنوير اللبنانية، قال كان هنالك اقبال ،وفي غالبيته طلاب واساتذة واناس يبحثون عن كتب في مجال الدراسة او كتب اكاديمية، والملاحظة العامة هي قلة عدد المثقفين المهتمين بالكتاب العام، بالرواية، بالافكار، وبالابداع، كما أن غالبية الجامعات العراقية لم تشترِ من المعرض وذهبت الى بيروت،على الرغم من أن الاسعار هي نفسها ولا ادري السبب.
واضاف : مبيعات جناحنا نحو 40 % مما اتينا به من كتب، وانا راضٍ ليس بسبب حجم البيع بل لانني للمرة الاولى أتي الى بغداد واتواصل مع اصدقاء كنت اعرفهم بواسطة الهاتف والبريد الإلكتروني، وكذلك تعرفت على القرّاء العراقيين ومزاجهم، ووجدت أن مزاج القارىء العراقي يدور في اطار احتياجاته الدراسية، انا لم اجد هناك ما اسميه حركة ثقافية للعراق، لا اقول إن المواطن العراقي لا يقرأ ولكنني اعيد واكرر أنه يقرأ الاشياء التي تدور في فلك اختصاصه بهدف العمل، اما الاشياء التي تتعلق بالحياة وبقضايا المجتمع فهناك قراءة ضعيفة ونوع من الابتعاد عن هذا الامر، كما و أن هناك نوعًا من العزوف من القضايا السياسية والاجتماعية وفقط للقضايا السياسية ذات الطابع الفضائحي، مثلا شاهدت اقبالاً على كتاب عن تاريخ العثمانيين أو تاريخ اميركا لانهما مطلوبان في الجامعة، اما اكثر كتاب شهد مبيعات عالية حتى النفاد فكان للكاتب العراقي محمد غازي الاخرس (كتاب المكاريد) على الرغم من ان سعره سبعة الاف دينار عراقي (نحو 7 دولارات) وهو العراقي الوحيد في المعرض على حد علمي الذي بيع كتابه بهذه الكمية الكبيرة.
إقبال في يوم واحد
وقال خالد امين من دار رسلان : "للاسف.. الاقبال الجماهيري خلال عشرة ايام اختصر في يوم واحد هو اليوم الاخير الذي شهد فيه المعرض اقبالاً كبيرًا، وطبعا الغاية من هذا الاقبال هو استغلال الناشرين من اجل حصول (خصومات) ربما تصل الى 60 او 70 %، وسمعت كلامًا فظيعًا حيث يطالبنا المشترون ان نعطيهم خصومات عالية جدا، وانا اجد هذا استغلالاً غير جيد، وهذا يعني اننا اما ان نضطر الى تحمل مبالغ شحن زائدة او نبيع باسعار رخيصة للاسف، ويبدو أن اقامة المعرض نهاية العام غير جيدة لعدم وجود ميزانيات لدى الجامعات لشراء الكتب، ومع ذلك انا وجدت ان القارىء العراقي ممتاز بجدارة لكنّ شراءه يتناسب مع دخله".
واضاف : هناك العديد من الكتب التي عليها اقبال منها :سونيات اللغة الانكليزية وعالم الميثيولوجيا وتاريخ الاديان، والاكثر مبيعًا هو كتاب (عظمة بابل واشور) و منشورات الحرب العالمية الاولى والثانية.
وقال فاضل الموسوي من دار صفا الاردنية : لم يكن الاقبال جيدًا الا في اليومين الاخيرين من المعرض، فالناس تعتقد بأن الاسعار ستنخفض في الايام الاخيرة، ونحن لا يمكن ان نخفض اسعارنا لأن ايجارات المكان في المعرض مرتفعة، فالمتر الواحد بمئة دولار، وهذا لا يجعلنا نخفض الاسعار، اما النسبة فأنا بعت 20 %، واغلب المباع هو الكتب الادبية والتربوية وكتب الجغرافيا، واغلب من اشترى هم اكاديميون وليسوا قرّاءً عاديين".
كتب لقرّاء المستقبل
وقال مصطفى الطفيلي، وكيل دار الربيع في لبنان وسورية، المتخصصة بكتب الاطفال :"الاقبال كان جيدًا، ومبيعاتي اكثر من 50 %، وتتضمن قصصًا ووسائل ايضاح والعاباً تربوية وتعليمية ودفاتر تلوين تربوية، ولم اتفاجأ بكون الطفل العراقي قارئًا جيدًا، فنحن نعرفه جيدا، ولكن الذي فاجأني أن طفلاً بعمر اكثر من سنة ووالده يأخذ له كتباً لجميع المراحل، وهذا دليل على ان الوعي موجود وان الثقافة هي الامل، وانا راضٍ عن مشاركتي جدا، فأنا لم يكن هدفي الربح بل ان آتي الى بغداد واتعرف على زبائن، وفي العام المقبل ان شاء الله تعالى تكون الارباح افضل.
واضاف : في الايام الاخيرة اصبح الاقبال اكثر من الايام السبعة الاولى، ربما يعتقد القارىء ان هناك ستكون خصومات، نحن اجرينا خصومات منذ اليوم الاول لانني سبق ان شاركت في معرض النجف وأعرف ان القارىء بحاجة الى خصومات.
وقال ازهر فاضل، من دار البراق لثقافة الاطفال : كان الاقبال جيدًا ولنقل متوسطا، وقد لا تتجاوز مبيعاتنا الـ 50 %، فنحن جلبنا كميات كبيرة بناء على المعرض السابق ولكن للاسف لم يكن بمستواه فذلك افضل، وإن ازداد الاقبال في اليومين الاخيرين، واعتقد ان السبب في الاعلام الذي لم يكن كافيًا وخاصة في القنوات الفضائية، فهناك من قال إنه عرف متأخرًا، كما اعتقد ان القارىء العراقي يعتقد أن الاجنحة تقدم تخفيضات على كتبها في اليوم الاخير".
ضعف الإعلام يتحمل مسؤولية ضعف الإقبال
اما زينب الكناني، المديرة التنفيذية لدار النشر والتوزيع الاردنية فقالت : كان الاقبال جيدًا في العموم، بدأ بسيطاً لكنه اشتد في الايام الاخيرة، واعتقد أن السبب في هذا يعود الى ضعف الاعلام، فالجامعات لم تأتِ الا فيما بعد، ونحن راضون عن مشاركتنا وقد بعنا ما نسبته 75 %، وهذه تمثل الكتب الاكاديمية والجامعية لأن هذا هو تخصصنا، والكتب الادارية لدينا نفدت، لأن أي شخص يهتم بالادارة ومن الممكن أن يشتريها".
دور النشر اللبنانية قليلة
اما المهتم بشؤون الكتاب ستار محسن، فقال : "يقال إن هذا معرض بغداد للكتاب لكنني اؤكد أن ما يجري الآن هو سوق للكتاب ليس الا، وسوق بائسة، دور النشر اللبنانية قليلة جدًا وسعر الكتاب مرتفع قياسًا الى ما نشهده في شارع المتنبي، وهذا جاء من خلال فرض الكثير من القيود على دور النشر المحلية والعربية، على سبيل المثال تم تأجير المتر المربع الواحد بتسعين دولاراً لعشرة ايام، هناك شيء آخر وهو أننا كنا نأمل أن يكون المعرض في مكان وسط بغداد، ولكنه الآن بعيد جدًا عن مركز العاصمة والكثير من الناس البسطاء والطلبة لا يستطيعون أن يأتوا لمعرض بغداد بحكم الزحام، انا آمل أن يكون معرض بغداد المقبل في ساحة التحرير".
واضاف : المعرض لم يكن فرصة كبيرة لاصحاب المكتبات العراقية أن يشتروا الكتب لأن اسعارها باهظة جدًا، وانا ارى أن البارومتر للقارىء العراقي ليس المعرض بل شارع المتنبي الذي يعج بالناس التي اصبحت تتجه للكتاب الفكري بشكل خاص، اصبح مزاج القارىء العراقي ليس الكتب الدينية بل الكتب الفكرية التي تثير الاسئلة".
فيما قالت المواطنة سميرة عباس محمد : هذه المرة الرابعة لي التي ازور فيها المعرض، ووجدت أنه بديع والمشاركة فعالة من دور نشر عربية وعراقية والكتب كانت غنية وتلبي حاجة الانسان العراقي، وقد لاحظت أن الاقبال يكون بعد انتهاء الدوام اكثر من الصباح، وربما ينتظر القارىء أن تكون في اليوم الاخير هناك خصومات، انا اخذت بعض الكتب بسعر اقل، وربما ضعف الاقبال بسبب الاعلام غير الجيد، ومن هذا الحضور احسست أن الناس ما زالت تقرأ على الرغم من الظروف، وبالمناسبة انا كنت لمدة 12 سنة خارج العراق بسبب الدراسة العليا واخيرا قررت أن استقر في بلدي، وما كنت اسمعه عن العراق يمثل محنة ولكن الحمد لله تجاوز العراقيون هذه المحنة، صحيح هناك هبوط في مستوى القراءة ولكن انا متأكدة أن هذا سيتجاوزه المواطن العراقي لأن هناك ظروفاً قاسية تلهي القارىء العراقي عن القراءة التي لاتقل اهمية عن الهواء والغذاء".
واضافت : كنت اتمنى أن تكون الاسعار اقل، كما كنت اتمنى لو أن المعرض استمر لايام اخرى.
لا احد يخرج من دون شراء
فيما قال المدير التنظيمي للمعرض محمد زكي احمد " كان الاقبال الجماهيري جيدًا جدًا بصراحة، ولكن بالنسبة لي انا شخصيًا كنت أود واتوقع أن يكون الاقبال اكثر من هذا ولكن الإقبال في ايام العطل كان رائعًا جدًا، الناس تتهافت لشراء الكتب وقد لاحظت شيئًا، والذي هو انني قارنت هذا المعرض بمعرض آخر شاركت فيه ولاحظت شيئًا مميزًا فيه وهو انه لا يخرج احد من هذا المعرض الا وفي يده كيس أو كيسان أو ثلاثة اكياس، وفي كل كيس كتاب أو كتابان أو اكثر فيما كنت ارى في معارض أخرى الناس تدخل وتخرج خالية اليدين، وهذا لا يميز معرضنا فحسب، بل يميز القارىء العراقي، وما اثار اهتمامي هو بعض الرجال الكبار في السن، تجد رجلاً عمره يقارب الثمانين عامًا او اكثر، بالكاد يستطيع أن يمشي وعكازه بيده، لاحظته 3 ايام يخرج من المعرض وفي يده اكثر من سبعة اكياس، انظر اليه واخجل من نفسي صراحة، هذا الرجل الذي أتى ليتعلم اكثر، هذا افرحني بشكل كبير".
واضاف : لا توجد لدينا احصائيات حول المبيعات ولكن بشكل عام المبيعات جيدة جدًا خاصة للدور التي لديها كتب أجنبية وعلمية، كانت مبيعاتها رائعة جدا وكان اصحابها مسرورين جدًا، واللافت في هذا المعرض أن الكتب الدينية لم تكن مبيعاتها قوية، ربما كانت مبيعاتها متوسطة مقارنة بالمعارض التي تقام في المناطق الدينية، فيما الكتب العلمية كان الاقبال عليها جيداً جدًا، وكذلك الكتب الفكرية والادبية والتعليمية، وكذلك كتب الاطفال وقد لاحظت أن مبيعاتها مميزة، وهناك اقبال على الكتب التي تتناول تقنيات العصر الحديث.
وتابع : هناك نوعان من الرضى في هذا المعرض، بالنسبة لي كأول تجربة بمعرض انا راضٍ 100 %، لأنني سمعت كلمات الشكر من الجميع بتميز المعرض وتنظيمه ونظافته، أما النوع الثاني فهو أنني اذا اردت أن اقيس معرضي بشكل عام مقارنة مع بقية المعارض الكبرى فهو لايزال يحتاج الى المزيد من العمل، وان شاء الله، هذا اول عمل انتهينا منه على امل ان تكون معارضنا المقبلة اكثر نجاحاً ونعد كل المشتركين والزبائن اننا سنؤمن لهم عددًا اكبر باسعار اقل وتميز اكثر، وحتى الذي قال لنا إن معرضنا جيد جدًا نعده أن يكون في السنة المقبلة افضل"
واستطرد : الشعب العراقي بلا مجاملة ليس من اليوم يؤكد انه قارىء جيد، على الرغم من الظروف الصعبة، وانا اؤكد أن الشعب العراقي ما زال الرقم واحد في القراءة بين الدول العربية بشكل عام، وانا اقارن بالمجتمع الذي اعيش فيه او بالمعارض التي احضرها واتابعها، يعني أن الشباب الجامعيين في كل الدول العربية شغفهم بالقراءة ليس كشغف الشاب العراقي".
المصدر : ايلاف هذا اليوم 10 ديسمبر