إن الإيمان الذي لا يثير الضمير ولا يدفع إلى العمل بموجبه أشبه بالمصباح
المحجور في صندوق ، ، أو بالجسد المحنط عن الحياة ، أو بالمحرك المفصول عن
عجلات السيارة ، أو بشجرة الورد البلاستيكية الممنوعة من النمو والعطاء .
كيف يؤمن الإنسان بوجود الله تعالى ويصدق ما بلغ عنه رسله الكرام ثم
لا يتدفق حياة بهذه الحياة ولا ينبعث إلى العمل لخير وجوده كما بعثه وأرشده
الله تعالى ؟
كيف يؤمن أحدنا بأعماقه أنه كادح إلى ربه فملاقيه وساع إليه فموافيه ، ثم
لا يتوقد أملا وعملا وإشفاقا ؟
إن الإيمان الحي لا بد أن يدفع إلى العمل به ، وهي حقيقة يقررها القرآن
الكريم ويزن الإيمان على أساسها ، ولذا تجد الإيمان أكثر ما تجده في القرآن
مقرونا بالعمل الصالح ومشروطا بالعمل الصالح وكأنهما إلفان لا يفترقان
وسبب ونتيجة لا يتخلفان : ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم
جنات . ) 35 البقرة .
( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) 9 يونس .
( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ؟ )
28 ص .
( والعصر ، إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات ) .
وفي قرابة سبعين آية من القرآن الكريم يظهر العمل الصالح تحركا لازما
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يبعث إليه الإيمان ، واستجابة طبيعية للاعتقاد بالله تعالى ورسالته .
والعمل الصالح كل العمل الصالح هو ثمرة الإيمان : الجهود مع النفس ،
وفي المجتمع والعمل المعيشي ، والراحة اللازمة ، وأداء كافة الواجبات
والمستحبات التي بلغها رسول الله صلى الله عليه وآله أو هدى إليها عقل الإنسان ( الرسول
الباطن ) . ولكن أول عمل صالح ينتج عن الإيمان وأول ثمرة تبرز من
أكمامه إقامة الصلاة ثم يليها إيتاء الزكاة .
( ذلك كتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) 2 3 البقرة .
( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية )
31 إبراهيم .
( أل . م . تلك آيات الكتاب الحكيم ، هدى ورحمة للمحسنين ، الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ) 1 4 لقمان .
وآيات كريمة عديدة قرن الله فيها الإيمان بالصلاة وبالزكاة .
إن قضية إيمانك بالإسلام تقف في أول خطواتها أمام امتحانك على
الصعيد العملي ، فإن أنت عشتها في جزء من يومك وقسط من نفسك تابعت
خطواتها في حياتك وعطاءها .
وأول بديهة يتطلبها منك إسلامك لله أن تعيش حياة المسلم المألوه .
وهل حياة المألوه الخالية عن تركيز التأله عمليا إلا كحياة المؤمن بالوطن البعيد
عن سلوك المواطنة ، المؤمن بالقانون الرافض لمظهر القانون . ؟ على سعة الفرق بين
قضية المواطنة والقانون وقضية الدينونة لإله الوطن والقانون والكون أجمع
تبارك وتعالى .
وعلاقة الزكاة بالإيمان والصلاة منشؤها أن حقل الإيمان في رأي الإسلام
ليس هو النفس منفصلة عن حركة الحياة ولا هو حركة الحياة مفصولة عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
النفس ، بل هو المساحة الكاملة لحركة النفس وحركة الحياة جميعا .
لا بد أن تمتد قضية الإيمان إلى الربح الموسمي والسنوي لكي تسهم
ضريبة الزكاة في إنجاح الحياة الاجتماعية وتكافلها .
ولا بد كما خضعت حركة النفس لمتطلبات الإيمان فتقدست أن تخضع
حركة الانتاج لمتطلبات الإيمان وتتسم بالعطاء لتتقدس . فما بعد عطاء الوقت
أهم وأبعد أثرا من عطاء المال .
عن الإمام الرضا ( ع ) : " إن الله عز وجل أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة
أخرى : أمر بالصلاة والزكاة ، فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته . وأمر
بالشكر له وللوالدين ، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله . وأمر باتقاء الله
وصلة الرحم ، فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز وجل " رواه في الخصال
ص 156
ومن الحقائق التي يلفت إليها التعبير القرآني في هذا المجال أن يصف
المصلين بأنهم أهل زكاة فهم إذن أهل عمل وإنتاج ، ليسوا متصوفة يهربون
بصلاتهم من الكدح والعيش في خضم الناس ، ولا كسالى يجعلون من الصلاة
حرفة فاشلة ووسيلة استعطاء .
( قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن
اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون ) 1 4 المؤمنون .
( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون ، وفي
أموالهم حق للسائل والمحروم ) 17 - 19 الذاريات .
وتلك هي صورة المؤمنين المصلين حقا الذين تملؤهم صلاتهم بالنشاط
وتدفعهم إلى العمل والانتاج والعطاء .