حينما يصنف الإسلام عملا في قسم " الواجبات " فذلك يعني أنه يحكم

بضرورة هذا العمل . وحينما يعتبر الصلاة واحدة من القواعد التي يقيم عليها

منهجه السلوكي ، فذلك يعني أنها من صنف الضرورات الأولى لحياة الإنسان .

فمن أي الحقائق تنبع ضرورة هذا النشاط اليومي في رأي الإسلام ؟

ولماذا كان من الضروري للإنسان أن يقوم بعملية تعبد رتيبة خمس مرات

كل يوم ؟

إن الصلاة الإسلامية مع ما يلزمها من تطهر تستغرق من وقت الإنسان

يوميا مدة ساعة تقريبا ، وبما أن أوقاتها موزعة على اليوم تصبح الساعة

ساعتين ، هذا سوى العناء النفسي الحاصل من هذا الالتزام الدائم . أما إذا

أضفنا إليها الصلوات المستحبة النوافل فقد استهلكنا من وقت الإنسان

ثلاث أو أربع ساعات كل يوم .

وإذا أخذنا هذا الرقم بذهنية الصيني المشبعة بتعاليم الثورة الثقافية

فستكون النتيجة خسارة ملايين ومليارات من ساعات الانتاج والدخل

القومي ! .

قد نقنع أصحاب الاتجاه الكمي الاقتصادي بخطأ النظرة الميكانيكية

الكمية لعمل الإنسان وإنتاجه ، وصحة النظرة الإنسانية للإنسان ، والنظرة

النوعية لإنتاجه قبل النظرة الكمية أو معها . وبأن ملايين الساعات التي

يصرفها المجتمع المصلي يوفرها بالإقلاع عن الخمور والمخدرات والإسراف في

الجنس واللهو .

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

قد نقنع هؤلاء بعدم وجود كارثة على الدخل القومي من الصلاة .

ولكن السؤال يبقى : هل من ضرورة لإنفاق هذا الوقت ، وتحمل هذا العناء

اليومي من أجل الصلاة ؟ إن الإجابة على سؤال ( لماذا الصلاة ) يصعب أن

تكون مقنعة لغير المسلم ، كما يصعب أن تكون مقنعة للمسلم البعيد عن

أجواء الإسلام وعن المسلمين المصلين . فالإقتناع الكامل بالإجابة يتوقف على

فهم النظرة الإسلامية للكون والإنسان ، وعلى لمس تأثير الصلاة في النفس

والناس .

لو أجبنا على سؤال : لماذا الصلاة كل يوم :

بأنه يشبه السؤال : لماذا الطعام للإنسان كل يوم ؟ فكما أن الطعام

ضرورة دائمة للجسم ، فالصلاة ضرورة دائمة للعقل والنفس . أو كما يقال :

غذاء للروح .

أو بأن الصلاة شحنة يومية للشخصية كشحنة الوقود للسيارة .

أو بأن الصلاة ارتباط يومي ضروري للإنسان الكائن المحدود

بالله الخالق المطلق .

أو بأن الصلاة إعادة توازن يومية لنفس الإنسان مما يطرأ عليها من

اختلال ، كما أن الحج عملية إعادة توازن لشخصية الإنسان ووجوده ككل .

أو بأن الصلاة تغسل النفس يوميا من أدران الذنوب وتحل عقد النفس

الحاصلة من الذنوب " تحت الذنوب حت الورق ، وتطلقها إطلاق الريق " .

أو بأن الصلاة تنهى الإنسان عن الفحشاء والمنكر .

أو بأن الصلاة معراج المؤمن ، وقربان كل تقي .

فسيكون وقع هذه الإجابات متفاوتا بين غير المسلم وبينه إذا كان له

صديق مسلم مصل . وبين المسلم البعيد عن أجواء الإسلام والمصلين والمسلم

القريب من هذه الأجواء وبين المسلم الساهي عن صلاته ، أو الملتزم

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

بها التزاما شكليا وهو مستغرق في الدنيا ، وبين الذي له نصيب من آفاق

العقيدة الإسلامية وهو يخشع في صلاته أحيانا ويتفكر . الخ . وهذا التفاوت

ليس في درجة الاقتناع النفسي فحسب ، بل في الفهم الفكري العقلي لهذه

الإجابات أيضا .

وما ذلك إلا لأن الاقتناع بضرورة الصلاة من ناحية نظرية ونفسية معا

يتوقف على الاقتناع بالله تعالى والغيب والآخرة ، والمنهج السلوكي الإسلامي

الذي يتبنى ضرورة أن يمارس الإنسان حياته في هذا الإطار والآفاق ، ويرتبط

بعبادات ومفاهيم وأحكام على مدار أيامه تشده إليها وتمنعه من الانحراف

عنها . كما يتوقف على التجربة : تجربة أداء الصلاة ولمس تأثيرها في نفسه

والمقارنة بين شخصيته قبلها وبعدها . أو على المقارنة بين شخصية المصلي

وشخصية تارك الصلاة .

بل أنصح من يريد الاقتناع العميق بضرورة الصلاة للإنسان أن يتجه إلى

قراءة حالة ترك الصلاة ومدى آثارها الرهيبة على الحالة العقلية والنفسية

والسلوكية والحضارية في شخصية الإنسان والمجتمع .

إن دراسة الدور الإيجابي للصلاة في حياتنا مفيد ومقنع بلا شك . ولكني

وجدتني بعد كتابة هذه الدراسة واطمئناني إلى صحة هذه المعطيات للصلاة

المباركة ووجود معطيات جديدة . وجدتني أكثر ما يقنعني بضرورة الصلاة

للإنسان شخصية غير المصلين الجانحة وحالتهم الخطيرة اللامعقولة .

إن حقيقة : قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون .

وحقيقة : أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر .

وحقيقة : أن الإنسان خلق هلوعا . . إلا المصلين

وحقيقة : إن لك في النهار سبحا طويلا . فاذكر اسم ربك وتبتل إليه

تبتيلا .

وحقيقة : ومن الليل فتهجد به نافلة لك . عسى أن يبعثك ربك مقاما

محمودا .

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

وغيرها من الحقائق التي قدمها لنا الإسلام عن الدور الإيجابي

للصلاة . كلها حقائق عميقة وملموسة ومقنعة ، ومعطيات الصلاة منها وفيرة .

ولكن الأكثر إقناعا لمن يناقش في ضرورة الصلاة هو : حقيقة الهلع

والهوائية في الشخصية ، وحالة الفحش والمنكر ، وحالة اتباع الشهوات . حالة

تارك الصلاة البئيسة المفصومة عن ربها والمستغرقة في ظلمات طينها وحيوانيتها .

إن دراسة الدور السلبي لترك الصلاة في الشخصية والمجتمع تبقى أشد

في الإقناع خاصة لتاركي الصلاة ، وإن كانت صورها قائمة غير محببة . . وإن

الحقائق التي قدمها لنا الإسلام عنها كثيرة وحيوية .

ومن نماذجها عن النبي صلى الله عليه وآله قال : " لا يزال الشيطان ذعرا من ابن آدم

ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن . فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في

العظائم " الوسائل ج 3 ص 18 .

وجاء إليه رجل فقال : ، يا رسول الله أوصني . فقال صلى الله عليه وآله " لا تدع

الصلاة متعمدا ، فإن فإن من تركها متعمدا فقد برئت منه ملة الإسلام " الوسائل

ج 3 ص 29 .

ولعل هذه الحقيقة هي السبب في أن نصوص الإسلام التي تحذر من

سلبية وخطورة ترك والصلاة وتاركي الصلاة أكثر من تلك التي تبين إيجابية

الصلاة وتأثيرها .