الصلاة في الشرائع الإلهية
يفهم من عدد من النصوص الإسلامية أن الدين الإلهي بدأ مع نشوء
المجتمع الإنساني الأول على يد آدم عليه السلام على شكل مفاهيم وتعاليم
إلهية ، ثم استمر في هذه المرحلة التمهيدية مع نمو المجتمع الإنساني . ومكان
إدريس عليه السلام من أنبياء هذه المرحلة .
حتى إذا تكونت الحضارة الأولى دخل الدين على عهد نوح عليه السلام المرحلة
الأولى وأخذ صفة عقيدة وشريعة متكاملة تفي بحاجات العلاقات
والأوضاع الاجتماعية المستجدة . التي طرأ عليها التشعب والتعقيد ( شرع لكم
من الدين ما وصى به نوحا ) 13 الشورى . وقد أقام نبي الله نوح عليه
السلام المجتمع الإنساني بعد الطوفان على هذه الشريعة والصحف الإلهية التي
أنزلت عليه . وجاء الأنبياء من بعد نوح عليهم السلام يدعون إلى شريعته
وصحفه . وكان من أنبياء هذه المرحلة هود وصالح عليهما السلام في حضارتي
عاد وثمود .
ثم دخل الدين المرحلة الثانية على يد إبراهيم عليه السلام . والثالثة على
يد موسى عليه السلام . والرابعة على يد عيسى عليه السلام . ثم تنزل
بصيغته النهائية في المرحلة الخامسة على يد خاتم النبيين محمد صلى الله عليه
وآله وسلم .
ونلاحظ في هذه الخطة المرحلية المتدرجة في تنزيل الدين أنها تراعي نمو
الاستيعاب وتفتح الآفاق الفكرية والنفسية للأجيال الإنسانية ، هذا النمو الذي
يتوقف على المرور بالتجارب الرسالية والاجتماعية والحضارية ومعايشة نتائجها
وأخطائها وصوابها . وهذه سنته عز وجل في أمور الكون والناس .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كما نلاحظ أن المتغيرات في الدين الإلهي في المراحل الخمس قليلة بالنسبة
إلى الثوابت ، ولذا كانت الصفة العامة لشرائع الأنبياء أولي العزم عليهم
السلام أنها مصدقة لما سبقها ( وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما
بين يديه من التوراة ) 46 المائدة ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما
بين يديه من الكتاب ) 48 المائدة . وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أنه قال " مثلي ومثل الأنبياء قبلي كقوم شادوا بناء فبقي فيه موضع لبنة
فجئت لأضعها " وقال : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
أما باعتبار المتغيرات التي هي تفصيل ، وإكمال ، وتبديل لأحكام ظرفية ،
فإن الشريعة اللاحقة تكون ناسخة للشريعة السابقة وحاكمة عليها ( وأنزلنا
إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) .
ويكشف كون التشريع ثابتا في كل المراحل عن أنه من الاحتياجات
الإنسانية الأساسية الدائمة في كل الظروف والأجيال كما هو الأمر في فريضة
الصلاة .
بل من غير المستبعد ثبات تشريع فريضة الصلاة عبر مراحل الدين في
مضمونها وفي أكثر شكلها أيضا ، وأن التغيير الذي حدث على شكلها وتوقيتها
في الشرائع اللاحقة قليل . ففي سورة مريم يستعرض عز وجل عددا من
الأنبياء والأمم المؤمنة في أوليات التاريخ ، ثم يذكر انحراف ذرياتهم من
بعدهم وتضييعهم للصلاة فيقول عز وجل : ( . . أولئك الذين أنعم الله
عليهم : من ذرية آدم ، وممن حملنا مع نوح ، ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل ،
وممن هدينا واجتبينا ، إذا تتلى عليهم آياتنا خروا سجدا وبكيا . فخلف من
بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) 58 59
مريم .
وإبراهيم أبو النبوات صلى الله عليه وآله كان يؤدي الصلاة ويحرص عليها
ويدعو ربه ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ) 40 إبراهيم .
وإسماعيل عليه السلام كان على رسالة أبيه ( وكان يأمر أهله بالصلاة )
55 مريم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وشعيب عليه السلام كان يعيره قومه بصلاته ( قالوا : يا شعيب أصلاتك
تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا ) 87 هود .
وموسى وهارون ( وأوحينا إلى موسى وأخيه : أن تبوءا لقومكما بمصر
بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة ، وأقيموا الصلاة ) 87 يونس .
ولقمان الحكيم رضي الله عنه كان يعي أهمية الصلاة ويوصي ابنه ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وإنه عن المنكر ) 17 لقمان .
وبنو إسرائيل تكفل الله لهم بالعون بشرط أن يقيموا الصلاة ( وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي ) 12 المائدة .
وعيسى عليه السلام حينما كلم الناس في المهد قال ( إني عبد الله آتاني
الكتاب وجعلني نبيا ، وجعلني مباركا أينما كنت ، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) 30 مريم .
. . هذا الموكب الإنساني الواعي منذ أقام التاريخ ، وفي أمكنة مختلفة
من الأرض ، وفي بيء وظروف اجتماعية وحضارية متنوعة . كان مكلفا
بالصلاة ، وكان لالتزامه بهذه الفريضة الهامة في آفاقه الفكرية والنفسية وفي
إنجازاته الضخمة في حياة البشرية . . أكبر التأثير .