معنى كلمة الصلاة
تذكر مصادر اللغة العربية أن لفظة الصلاة تعني : الدعاء والتعظيم
والرحمة والبركة . ويذكر بعض اللغويين أنها مشتقة من صلى واصطلى بمعنى لزم
الشئ ، ويذكر بعضهم أنها مشتقة من صلى بمعنى أزال عن نفسه الصلى ، أي
النار .
ويرى بعضهم أن أصل الكلمة عربي ، وأن هذه العبادة المشتملة على
الركوع والسجود كانت معروفة لدى العرب . بينما يرى بعضهم أن أصلها
عبري من لفظة صلوتا بمعنى مكان الصلاة .
والذي أرجحه أن الصلاة في الأصل كلمة بابلية جعلت اسما لعبادة معينة
في شريعة إبراهيم عليه السلام ، وأنها دخلت إلى اللغة العربية بهجرة
إسماعيل عليه السلام ، وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم أنه أسكن من ذريته
عند البيت المحرم ليقيموا الصلاة ، فلا بد أنهم أقاموها وعلموها فدخل اسمها
في العربية . وأما لفظة صلوتا وصلوت العبرانية بمعنى مكان الصلاة فهي من
نفس الأصل البابلي ، وقد ورد جمعها في القرآن الكريم على صلوات ، قال الله
تعالى : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات
ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) 40 الحج .
ويساعد على هذا الترجيح أن اللغة العربية واللغة العبرية تكونتا في
زمانين متباعدين وفي بيئتين متباعدتين ، فقد تكونت اللغة العربية الجنوبية
الأولى من البابلية ولغات أخرى وبعد قرون من نموها وتطورها تفاعلت مع
الثروة اللفظية التي حملتها إليها من البابلية أيضا هجرة إسماعيل عليه السلام
واستقراره مع أبنائه في الجزيرة . . وفي هذه المرحلة المتأخرة تكونت اللغة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العبرية من البابلية والقبطية وغيرهما في مصوبين أبناء يعقوب عليه السلام .
أما التفاعل بين اللغتين العربية والعبرية فهو بعيد جدا حيث لم تربط
العرب باليهود علاقات ثقافية أو تجارية أو سياسية ، إلا العلاقات التجارية المتأخرة
بعد ميلاد المسيح عليه السلام عندما هاجر قسم من اليهود إلى الجزيرة العربية
ينتظرون ظهور النبي الموعود . وقد كانت اللغة العربية عندئذ في أعلى
مراحل اكتمالها ونضجها ، وكانت اللغة العبرية منطوية داخل الأقليات
اليهودية التي تتكلم وتتعامل مع محيطها باللغة العربية .
وبهذا الترجيح يكون المعنى الأساسي لكلمة الصلاة هو : عبادة إسماعيل
عليه السلام التي يفهم من القرآن الكريم أنها كانت تتضمن ركوعا وسجودا
وتلاوة ، قال عز وجل ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين
والعاكفين والركع السجود ) 125 البقرة .
ومن القريب أن التطور الذي طرأ على معنى الكلمة بعد إسماعيل عليه
السلام قد جعلها تفقد اختصاصها بتلك العبادة التي ضيعت فيما ضيع من شريعة
إبراهيم عليه السلام وأصبحت الصلاة اسما لكل تعبد وذكر بين يدي إله .
ويؤيد ذلك قوله تعالى ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) 9 10 العلق ،
حيث أن هذه الآية من أوائل ما خوطب به المجتمع المكي من القرآن ولم تكن
الصلاة الإسلامية معروفة أو مشرعة آنذاك .
أما أن يكون المعنى الذي استقرت عليه الكلمة قبل الإسلام هو مطلق
الدعاء بحيث يصح لدي العربي أن يقال : صليت أن يرد الله علي ضالتي
بمعنى دعوت فهو بعيد ، وكذلك أن يكون معناها مطلق التعظيم أو مطلق
الرحمة والبركة . وأما صحة استعمالها عند العرب بهذه المعاني فهو بملاحظة
أن ذكر الإنسان للإله يتضمن عادة الدعاء والتعظيم ويطلب به الرحمة والبركة .
وبهذا تكون تسمية العبادة الإسلامية باسم ( الصلاة ) من باب تسمية
الخاص باسم العام ، وليس من باب تسمية الكل باسم الجزء كما هو شائع بين
اللغويين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
استعمالات كلمة الصلاة في الإسلام :
استعملت كلمة الصلاة في القرآن الكريم والسنة الشريفة في عدة معان :
1 المعنى اللغوي الذي رجحنا أنه ذكر الإنسان للإله في مقام التعبد ،
وبه جاء قوله تعالى ( أرأيت الذي ينهي ، عبدا إذا صلى ) العلق وقوله
تعالى : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) 15 الأعلى ، وقوله تعال
( فلا صدق ولا صلى ) 31 القيامة ، وقوله تعالى : ( والطير صافات كل قد
علم صلاته وتسبيحه ) 41 النور . فالصلاة في هذه الآيات خاصة بملاحظة
الفاء في قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى بمعنى ذكر الله تعالى في مقام التعبد .
2 المعنى الشرعي ، وهو الصلاة الإسلامية المعينة ، وبه جاءت أكثر
النصوص الإسلامية كقوله تعالى ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة )
وقول الرسول صلى الله عليه وآله ( الصلاة عمود الدين ) .
3 صلاة الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله وعلى المؤمنين ، وهي بمعنى الرحمة
والبركة قال تعالى ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات
إلى النور ، وكان الله بالمؤمنين رحيما ) 43 الأحزاب ، وقال تعالى ( الذين إذا
أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من
ربهم ورحمة ) 157 البقرة .
4 صلاة المخلوق على المخلوق كصلاة الإنسان على الإنسان الحي
والميت ، وصلاته على الملائكة ، وصلاة الملائكة على الناس . وهي بمعنى الطلب
من الله تعالى أن يبارك على المدعو له . فعن علي بن أبي حمزة عن أبيه قال :
( سألت أبا عبد الله ( ع ) عن قول الله عز وجل " إن الله وملائكته يصلون على
النبي . يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " فقال : " الصلاة من الله
عز وجل رحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن الناس دعاء . وأما قوله عز وجل :
" وسلموا تسليما " فإنه يعني التسليم له فيما ورد عنه ) الوسائل ص 1213 .
وبهذا المعنى جاء قوله تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها
وتزكيهم ، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) 103 التوبة ، أي أدع الله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عز وجل أن يبارك عليهم ، وهذه الصلاة جائزة على كل المؤمنين وخاصة
الأنبياء والأئمة والملائكة صلى الله عليهم ( 1 ) .
وقد تستعمل صلاة المخلوق على المخلوق بمعنى أداء الصلاة بين يدي الله
عز وجل كأنها نيابة عن الغير لأحداث الرحمة والبركة عليه . ومنها صلاة النافلة
عن الأحياء والأموات ، ومنها الصلاة على الميت كما في قوله تعالى ناهيا رسوله
صلى الله عليه وآله أن يصلي على المنافقين ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا
ولا تقم على قبره ) 84 التوبة .
والمعنى المشهور للصلاة هو الصلاة الشرعية التي نحن بصددها ، وهو
المعني الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق كلمة ( الصلاة ) ولذلك أصبحت
المعاني الأخر تحتاج إلى قرينة تدل على أنها مقصودة الكلمة
* ( الهامش ) * ( 1 )
قال الزمخشري : " القياس جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى : ( هو الذي يصلي عليكم ) وقوله
تعالى : ( وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) وقوله صلى الله عليه وآله : اللهم صل على آل أبي أوفى . ولكن للعلماء
تفصيلا في ذلك ، وهو أنها إن كانت على سبيل التبع كقولك : صلى الله على النبي وآله ، فلا كلام فيها ،
وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد فمكروه ، لأن ذلك صار شعارا لذكر رسول الله
صلى الله عليه وآله ولأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض ! وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
صلى الله عليه وآله ولأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض ! وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يقفن مواقف التهم " تفسير الكشاف ج 3 ص 558 . وهو كما ترى .