تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوف عليها
في توجيه قراءة الجمهور قراءة الرَّفع في قوله تعالى : ((والصابئون)) في: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [ المائدة : 69] جعل الزمخشري قوله : ((والصابئون)) وخبره المحذوف جاريًا مجرى الاعتراض ؛ لكونه جملة في أثناء الكلام لقصد التأكيد (1).
ولم يجعله اعتراضًا حقيقة بل كالاعتراض؛ لأنه معطوف على جملة إن الذين آمنوا وخبرها. ويردُّ عليه ما قاله ابن هشام(2 ) : ((من أن فيه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوف عليها ، وإنما يتقدم المعطوف على المعطوف عليه في الشعر ، فكذا ينبغي أن يكون تقديمه على بعض المعطوف عليه بل هو أولى منه بالمنع )) ( 3).
وتخصيص تقدم المعطوف على المعطوف عليه بضرورة الشعر مذهب البصريين ومذهب الكوفيين جوازه اختيارًا بقلة (4 ).
وظاهر مذهب ابن مالك في ((الكافية )) جوازه في الاختيار على قلة (5 )، وهو مذهب الكوفيين .
وقد شرط النحاة شروطًا لتقدم المعطوف اضطرارًا( 6):
أولها : ألا يؤدي التقدم إلى تصدر العاطف، فلا يجوز : وعمروٌ زيدٌ قائمان .
والثاني : ألا يباشر المعطوف عاملًا غير متصرف نحو (أفعل التعجب) فلا يقال : ما أحسن وعمرًا زيدًا .
والثالث : ألا يكون المعطوف مجرورًا ، فلا يقال : مررت وعمرو بزيد.
والرابع : ألا يكون العامل مما لا يستغنى بواحد ، نحو : (( اختصم زيدٌ وعمروٌ ))، فلا يقال : اختصم وعمروٌ زَيدٌ.
والخامس : أن يكون العطف بالواو خاصة .
فإن فقد شرط من هذه الشروط لم يجز التقدم اختيارًا عند الكوفيين، ولا اضطرارًا عند البصريين ، ذلك أنه - أي تقديم المعطوف على المعطوف عليه - يضعف من جهة القياس .
قال ابن جني : (( ومما يضعف تقديم المعطوف على المعطوف عليه من جهة القياس أنك إذا قلت : (قام وزيد عمرو) فقد جمعت أمام زيد بين عاملين : أحدهما (قام) ، والآخر (الواو) ، ألا تراها قائمة مقام العامل قبلها ، وإذا صرت إلى ذلك صرت كأنك قد أعملت فيه عاملين، وليس هذا كإعمال الأول أو الثاني في نحو : قام وقعد زيد ، لأنك في هذا مخير : إن شئت أعملت الأول ، وإن شئت أعملت الآخر، وليس ذلك في نحو : قام زيد وعمرو ؛ لأنك لا ترفع عمرًا في هذا إلا بالأول.)) ( 7).
وزاد الرضى الاستراباذي شرطًا آخر؛ وهو : أن لا يتقدم المعطوف على العامل ، فلا يجوز : وزيد قام عمرو ، ولا: مررت وزيد بعمرو ؛ وذلك لأن العامل يعمل في المعطوف بواسطة العاطف ، فهو كالآلة للعمل، ومرتبة الآلة بعد المستعمل لها ، ولاستبشاع كون التابع مقدمًا على متبوعه وعلى متبوع متبوعه ( 8)
وزاد أيضًا : (( أن لا يكون المعطوف عليه مقرونًا بإلا أو بمعناها فلا تقول : ما جاءني وزيدٌ إلا عمروٌ ، وإنما جاءني وزيدٌ عمروٌ ؛ وذلك لما تقدم في باب الفاعل أن ما بعد ( إلا ) في حيزٍ غير حيز ما قبلها لتخالفهما نفيًا وإثباتًا، كما مر في باب الفاعل، فلا يقع قبلها المعطوف الذي هو في حيز ما بعدها ..)) (9 ) .
ونخلص في هذه القضية إلى أنه لما كان تقديم المعطوف على المعطوف عليه ضعيفًا من جهة القياس ، قليلًا من جهة الاستعمال ، فالأولى أن يتعدى ذلك الحكم إلى الفرع وهو تقديم المعطوف على بعض المعطوف عليه كما قرر ابن هشام .