ستحفظ للتاريخ لحظة إعلان رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، أن رئيس البلاد يواجه محاكمة قد تفضي إلى عزله، وهي تضرب بمطرقتها ناظرة بسخط نحو النواب المهللين في المجلس بعد سماعهم هذه النتيحة. مشيرة لهم بأن يتوقفوا.
فقد قالت في افتتاح جلسة مجلس النواب للتصويت على التهمتين الموجهتين للرئيس دونالد ترامب: "أفتتح بكل أسف المداولات بشأن مساءلة رئيس الولايات المتحدة. وإن لم نتحرك الآن فسيكون ذلك إهمالا في أداء واجبنا".
وكان ترامب قد وجّه لها خطابا حاد اللهجة جاء في ست صفحات اتهمها فيه بأنها "تشن حربا مفتوحة على النظام الديمقراطي الأمريكي".
فما الطريق الذي أوصل بيلوسي، الزعيمة في الحزب الديمقراطي، لأن تصبح أول امرأة ترأس مجلس النواب في الولايات المتحدة، وبالتالي لأن تشغل ثالث أهم منصب في هرم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الرئيس ونائبه؟ نستعرض صورا تعطي موجزا عن مسيرتها.
إجراءات عزل ترامب: شاهد كيف نهت نانسي بيلوسي النواب الديمقراطيين عن التصفيق
"سياسية من الدرجة الثالثة"
نانسي بيلوسي وقفت وهي تشير نحو الرئيس خلال اجتماع عاصف حول الملف السوري
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي انتشرت صورة تظهر فيها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وهي تقف وراء طاولة واسعة مستديرة، وهي محاطة بعدد من زملائها الرجال أعضاء الكونغرس، وآخرين يشغلون أعلى المناصب العسكرية. كانت تشير بأصبعها نحو ترامب الجالس قبالتها وكان يبدو مذهولا في تلك اللحظة من الاجتماع الدائر حول الوضع في سوريا.
على تويتر، غرّد ترامب قائلا إن نانسي "انهارت" في الاجتماع، ونُقل أنه وصفها بأنها "سياسية من درجة ثالثة"، فردت رئيسة المجلس بأن ترامب هو من "انهار" وقررت جعل تلك الصورة صورة غلاف لحساباتها على موقعي تويتر وفيسبوك.
وأصبحت تلك الصورة رمزا لمدى عمق الخلاف في واشنطن.
في بداية شهر ديسمبر/كانون الأول، قالت بيلوسي إنها "تدعو دائما للرئيس" وذلك ردا على صحفي سألها عما إذا كانت تكره الرئيس دونالد ترامب - كما يقال غالبا عنها بسبب مواجهاتها الكثيرة له.
فبيلوسي التي أدت يمين القسم في يناير/كانون الثاني عام 2019 لتصبح للمرة الثانية رئيسة لمجلس النواب، لم تصبح بذلك ثالث أقوى شخص سياسي في أمريكا فقط، بل أيضا قائدة للفريق المعارض للرئيس ترامب.
وكرئيسة مجلس النواب، ينبغي عليها وعلى نوابها ورؤساء اللجان تقرير أي من مشاريع القرار سينظر فيها ويصوّت عليها.
وكانت قصة عودتها بزخم وقوة إلى المشهد السياسي قصة رحلة استثنائية في عالم السياسة.
عام 2007، دخلت العضوة في الحزب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا التاريخ عندما أصبحت أول رئيسة لمجلس النواب - لكن ولايتها لم تدم طويلا.
ومع عودتها إلى المنصب ذاته عام 2019، كانت على رأس قائمة مسؤولياتها إدارة جملة من التحقيقات الموجهة ضد الرئيس ترامب. وقد تمكنت من القيام بمسؤولياتها رغم العراقيل وعدم شعبيتها بين الجمهوريين.
تقول عنها الصحفية إيلين بوفيتش، التي كتبت سيرة حياتها: "أخطأ الناس بالاستخفاف بقدرتها لسنوات طويلة. لا تراهن أبدا ضدها. ستكون بيلوسي دائما الأكثر عملا وأكثر تنظيما".
معارضة لقرار غزو العراق
م\
آذار 2003 - مؤتمر صحفي لننانسي بيلوسي وصورة صدام حسين تظهر على شاشة التلفاز
نشأت بيلوسي في مدينة بالتيمور لعائلة سياسية؛ وكانت هي الفتاة الوحيدة والأصغر بين الأطفال السبعة، وكان والدها عمدة.
التحقت بجامعة في واشنطن حيث التقت بـ باول بلوسي الذي أصبح زوجها، وأصبحت هي ربة منزل ورزقت بأربعة بنات وابن خلال ست سنوات.
عام 1978 انخرطت في السياسة، واستفادت من معارف عائلتها لتساعد حاكم كاليفورنيا حينها، جيري براون، الذي كان مرشحا رئاسيا، للفوز في ميريلاند. وبعدها ترقّت في صفوف حزبها الديمقراطي حتى ترأسته. وفي عام 1988 حصلت على كرسي في الكونغرس.
وفي هذا المجلس تابعت طريقها صعودا.
كانت بيلوسي واحدة من أبرز المعارضين لقرار غزو العراق عام 2003.
وعام 2005 ساعدت بوقف دعوة للرئيس جورج بوش الابن لخصخصة جزئية لبرنامج تقاعد تديره الحكومة، أما عام 2008 فدفعت لصالح إقرار قانون الرعاية الصحية الذي طرحه الرئيس باراك أوباما - في وضع كان أشبه بالمعركة.
بعدها تسمم الجو السياسي تجاهها، وفي ذاك العام عرض الجمهوريون أكثر من 150000 دعاية تلفزيونية حولها وأصبحت الهدف المفضّل لتوجيه سهام الهجوم والانتقاد.
نقاش عميق مع الرئيس باراك أوباما 2014
وكان هذا أحد الأسباب التي دفعت الصحفيين عام 2015 لترجيح انعدام أية فرصة لها لتصبح رئيسة مجلس نواب مرة ثانية. لكنهم كانوا مخطئين.
ذات الرداء الأحمر
صورة اجتذبت اهتمام مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي
يوم الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول لعام 2018، خرجت نانسي بيلوسي من البيت الأبيض مرتدية معطفا أحمر فاقع اللون، وكان مستقبلها، الذي بدا غير واضح قبل أشهر، مشرقا مرة أخرى.
وكانت قد أنهت لتوّها، ومعها السيناتور الديمقراطي تشاك شومر، مناظرة تلفزيونية ضد الرئيس ترامب حول أمن الحدود وأزمة التمويل الحكومي الوشيكة.
وعندما لمّح ترامب إلى انخفاض شعبيتها بين أعضاء حزبها، ردت عليه: "سيدي الرئيس، من فضلك لا تستخدم أوصافا لقوتي التي أجلبها إلى هذا الاجتماع باعتباري زعيمة للديمقراطيين في مجلس النواب، والذين حققوا فوزا كبيرا".
لم يكن ترامب مخطئا في الإشارة إلى عدم ارتياح عدد من أعضاء حزبها منها.
فخلال انتخابات التجديد النصفي، شن أكثر من 60 مرشحا ديموقراطيا حملة تعارض محاولتها الوصول لرئاسة مجلس النواب.
ثم أصدرت مجموعة مؤلفة من 16 ديمقراطيا رسالة يطالبون فيها بقيادة جديدة للحزب؛ قائلين إنه على بيلوسي ذات الـ 78 عاما تسليم السلطة لجيل جديد.
لكنها وخلال الأسابيع التالية تمكنت من تفكيك ذاك التمرد، ببطء؛ وتواصلت مع الموقعين على الرسالة ووعدتهم بتوزيع المسؤوليات وبإعطاء الأولوية لقضاياهم.
وعندها علّقت: "أوضحت أنني أرى نفسي بمثابة الجسر لعبور الجيل القادم من قادة البلاد إلى سدة الحكم. وهذا اعتراف بمسؤوليتي المستمرة في الإشراف على الأعضاء الجدد الطامحين للوصول إلى مناصب السلطة والمسؤولية".