توقع أحد علماء الأعصاب البريطانيين بأنه سيكون بإمكان المرضى الغارقين في غيبوبة دائمة بعد تعرضهم لعطب شامل في الدماغ أن يتكلموا بل وحتى أن يقودوا كراسيهم المتحركة. ولتأكيد توقعه تمكن الدكتور أدريان أوين من جامعة كمبردج أن يثبت للمرة الأولى أن بعض الضحايا الذين لا يظهرون أي علائم على الوعي قادرون لا على فهم ما يقوله الآخرون فقط بل الإجابة على أسئلتهم.
ولذلك فهو مقتنع بتحقق إنجاز علمي في المستقبل القريب يتمكن فيه هؤلاء المصابون من التواصل مع الآخرين عبر جهاز صوتي وبشكل مباشر بل وحتى سيتمكنون من تشغيل كراسيهم المتحركة المزودة بمحركات خاصة. وتمكن الدكتور أوين من الوصول إلى هذه النتيجة عبر استخدام جهاز مسح الدماغ بواسطة التذبذب المغناطيسي (أف أم آر آي) وتمكن أحد المرضى من القول “نعم” أو “لا” على سلسلة أسئلة.
كذلك استطاع الدكتور أوين وفريقه أن يمضي خطوة أبعد ويظهر أن جوابا كهذا يمكن الحصول عليه بتكاليف أرخص بواسطة جهاز “إي إي جي” الذي يقيس النشاط الالكتروني في الدماغ. وهذا يعني أنه مع جهاز لا تزيد تكاليفه عن 30 ألف جنيه استرليني يستطيع المصابون بحالة الغيبوبة الدائمة التواصل مع العالم الخارجي بنفس الطريقة التي يتواصل فيها العالم ستيفن هوكينغ.
فبدلا من استخدام رمشات عيونهم للتواصل فإنهم يستطيعون أن ينشطوا أجزاء أخرى من أدمغتهم للتواصل. ويرى الدكتور أوين ان التقنية ستتوفر خلال عشر سنوات وقال لمراسل صحيفة الديلي تلغراف: “لم أكن لاقتنع أبدا أنه من الممكن التواصل مع مريض يعيش حالة غيبوبة دائمة خلال سنوات قليلة. لكننا رأينا شيئا خارقا للمألوف. ولذلك فنحن علينا التزام أخلاقي أن نجد الطرائق لهؤلاء كي يتواصلوا بشكل مناسب”.
ويشير اكتشاف الدكتور أوين إلى أن هناك واحدا من كل 5 أشخاص يعانون من الغيبوبة الدائمة أو “الحالة النباتية” قادرون على التواصل وهذا ما يثير التساؤل حول الوقت الذي يقرر فيه الأطباء إيقاف اللآلات المساعدة على إبقاء هؤلاء المصابين أحياء. واستند استنتاج الدكتور أوين بعد دراسته لحالة شاب في سن التاسعة والعشرين تعرض إلى عطب في دماغه إثر حادث سيارة عام 2003. وكان هذا الشخص في حالة غيبوبة كاملة لمدة عامين. ويبدو أنه كان يستيقظ من وقت إلى آخر وأحيانا يرمش لكنه لم يظهر أي علامة على أنه يعي ما يدور حوله.
لكن الدكتور أوين وفريقه اكتشفوا أنه من الممكن التكلم معه عن طريق النقر على نشاط دماغه باستخدام جهاز مسح الدماغ “أف أم آر آي” لقياس ردود الدماغ في وقت توجه أسئلة للمريض. ولأن إشارات الدماغ المرتبطة بأجوبة “نعم” أو “لا” معقدة وسهلة أكثر من اللازم كي يمكن التمييز بينها فإنهم ابتكروا شفرة تمكنهم من الفهم.
سأل الفريق الطبي المريض أن يفكر بأنه يلعب التنس وأن تكون الإجابة “نعم” والتحرك في البيت “لا”. وبينما كانت الحركة تجري مع لعبة التنس كانت هناك مساحات فارغة في قمة الدماغ في الوقت نفسه جعلت “التحرك في البيت” والمرتبطة بالإجابة “لا” أن تحرك مساحات في قاعدة الدماغ.
أما جهاز “إي إي جي” فيبدو شبيها بقبعة السباحة وفي موصلات كهربائية تسجل النشاط الكهربائي المنتج عن طريق تفعيل الأعصاب داخل الدماغ.
وتبلغ تكاليف هذا الجهاز ما بين 20 و30 ألف جنيه استرليني وهي متوفرة. وقال الدكتور أوين الذين حصل على منحة 15 مليون جنيه استرليني من الحكومة الكندية لبحثه إنه مع هذا الجهاز لن نحصل إلا على إجابة نعم أو لا، “لكنك تستطيع الحصول على الكثير من إجابات مقتصرة على نعم ولا”.