يعد استخدام أسلوب التحريض الصوري أو ما يطلق عليه التحريض البوليسي أو العمل تحت الساتر أو الاختراق أو التسرب أو العمليات المستترة أو العمليات السرية من أهم وأخطر أساليب البحث والتحري والذي يلجأ إليه رجال السلطة العامة من أعضاء الضبط القضائي أو أعوانهم من المخبرين أو المرشدين السريين في مكافحة الجرائم المنظمة وأكثرها جدلاً حول مشروعيتها بين رجال الفقه والقضاء الجنائيين .
إن الأصل التاريخي لهذا الأسلوب من التحري أن نشأته سياسية محضة إذ كان يستخدم من قبل رجال الأجهزة القمعية في الأنظمة الدكتاتورية في أوربا لاسيما في فرنسا وألمانيا وروسيا القيصرية في الكشف عن المعارضين والخصوم السياسيين لتلك الأنظمة المذكورة أعلاه ، وظل هذا الأسلوب قاصراً على الجرائم السياسية إلى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما خلفته من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية ، فقد ظهرت نتيجة ذلك أنماط جديدة من الجرائم كجرائم المخدرات والجرائم الاقتصادية بصورها المتعددة كجرائم التموين والتعامل بالسوق السوداء هرباً من التسعيرة الجبرية واحتكار البضائع والسلع الإستراتيجية وتزوير وتزييف العملة وتهريب العملة الوطنية والأجنبية التي يتسم نشاطها بالتنظيم والتخطيط والسرية والتي يصعب كشفها والقبض على مرتكبيها بأساليب التحري التقليدية لتفننهم باختلاق وابتكار الأساليب الإجرامية ،مما فرض على رجال السلطة العامة تطوير أساليب البحث والتحري من أجل مكافحة هذا النوع من الجرائم ،ومن بين تلك الأساليب إستخدام أسلوب التحريض الصوري لاستدراج مرتكبيها وكشف نشاطهم الإجرامي والقبض عليهم بالجرم المشهود أو الحصول على أدلة كافية لإدانتهم ،إلا أنه في الربع الأخير من القرن العشرين وبسبب التغيرات التي طرأت على المجتمع الدولي كعولمة الاقتصاد التي تسعى إلى أن يكون العالم بلا حدود اقتصادية وعولمة الثقافة التي سعت إلى تخريب الثقافات عبر الوطنية ناهيك عن التطور العلمي والتكنلوجي نتيجة ذلك ظهرت أنماط جديدة أخرى من الجرائم لم تعرف من قبل أكثر تنظيماً وتخطيطاً وضرراً من سابقاتها على المجتمعات البشرية وتتسم بالطابع عبر الوطني تقوم بها عصابات قوية ومنظمة ومحترفة وتضم في بعض الأحيان عناصر من جنسيات مختلفة ويستعمل مرتكبيها التقنيات الحديثة في تحقيق أهدافهم الإجرامية مستفيدين من التطور العلمي والتكنلوجي في مجال الاتصالات والمواصلات والانترنت ،ومن أهم تلك الجرائم وأبرزها الجريمة المنظمة عبر الوطنية Organizd crime) transnational) بصورها كافة وقد اقتضت الضرورة العملية لأعضاء الضبط القضائي إستخدام أسلوب التحريض الصوري بالتداخل بين شبكات العصابات الإجرامية المنظمة لمراقبة نشاطهم ومعرفة أهدافهم للإيقاع بهم بالجرم المشهود وإحباط مخططاتهم الإجرامية لدرجة أن قضاء كثير من الدول قد أجاز استخدام هذا الأسلوب لمقتضيات المصلحة العامة لمواجهة الجرائم المنظمة التي تعجز أساليب التحري التقليدية عن مكافحتها ووضع المعايير والشروط التي تحكم تداخل رجال السلطة العامة في الجريمة بغية كشفها والقبض على مرتكبيها خشية من اختلاقها بدلاً من مكافحتها، ولتلافي الأخطاء التي حصلت في بعض الأحكام التي صدرت من قضاء بعض الدول بإدانة رجال السلطة العامة الذين تداخلوا بالجرائم المنظمة بغية كشفها ، فجاءت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية باليرمو سنة 2000م، ونصت المادة 20 /1 منها على استحداث إستخدام أساليب تحر خاصة " كالعمليات المستترة " واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 م التي نصت المادة 50 /1 منها إتباع أساليب تحر خاصة" كالعمليات السرية " ،ويفهم من مصطلحي" العمليات "المستترة "أو "العمليات السرية "هو ما أطلق عليه فقهاً بأسلوب التحريض الصوري، وقد بادرت دول كثيرة لتنفيذ تلك الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها بتشريع قوانين تنظم استخدام أسلوب التحريض الصوري في منظومتها التشريعية لتحقيق المواءمة مع تلك الاتفاقيات الدولية كفرنسا وبلجيكا التي أطلقت عليه تسمية "التسرب "أو" التسلل"infiltration)) وألمانيا وأطلقت عليه "الشرطة السرية" والجزائر أطلقت عليه تسمية " التسرب " والمغرب أطلق تسمية" الاختراق " في مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية ، لذا نهيب من المشرع العراقي إصدار قانون ينظم أحكام وشروط استخدام أسلوب التحريض الصوري لتحقيق المواءمة مع هاتين الاتفاقيتين التي صادق عليها بموجب قانوني رقم 20 لسنة 2007 ورقم 35 لسنة 2007.