المشكلة الأزلية بين الرجل والمرأة، وبالرغم من إنها واضحة وضوح الشمس، كحلها تمامًا هي "المفروض تعرف لوحدك". تكمن المشكلة في سهولة عقل الرجل، وعقل المرأة الشديد التعقيد. لقد سمعت من قبل أن عقل الرجل كالغرفة الواحدة، أما عقل المرأة فيتكون من عدة غرف، فكل ما يطلبه الرجل هو الفعل أو القول المباشر، التفسير الأسهل والأسرع دون الدخول في تفاصيل، بينما المرأة قادرة على تفسير أدق التفاصيل وتحليلها واستقبالها وإرسالها، بل والتفاعل معها أيضًا.
وبهذا فإن حواء وآدم في صراع أبدي، ينتج عن اختلاف تكوينهما العقلي، دائمًا ما تطلب المرأة من الرجل أن يعرف وحده، بينما يخبرها الرجل أنه لا يستطيع أن يتنبأ بالغيب وأن عليها أن تخبره بما تريد مباشرة. عن نفسي أنقسم إلى قسمين، جزء مني يحاول أن يحارب طبيعة المرأة والهرمونات والتعقيدات، ويطلب مباشرة ما يريد، بل ويتحدث بسهولة ومباشرة ودون الدخول في تفاصيل. وجزء آخر يستسلم لكوني امرأة تكوينها معقد شئت أم أبيت.
أحيانًا أشفق على الرجال من صعوبة التعامل معنا، وأنه لا بد من أن يؤدي جميع الحركات البهلوانية كي ينال فقط مجرد إرضائنا معشر النساء. وأحيانًا أخرى أتعجب منهم ومفتاح سعادتهم وراحة بالهم وهدوء حياتهم، الذي قد يكون بكلمة "أحبك" أو "ما هذا الفستان الجميل؟!" أو حتى "أفتقدك" أو وردة، ما هي صعوبة هذا الفعل؟ بل السؤال الأكثر دقة: كم يكلفهم ذلك مقابل هناء العيشة وخلوها من البوز ووصلة النكد وكلمة "مفيش" آلاف المرات عند الاستفسار عن سبب التغير؟!
وإذا وجد هذا الرجل الذي يرسل الرسائل ويمدح ويتغزل، يطلقون عليه زير نساء أو متعدد العلاقات، ويقوم أصدقاؤه بالسخرية منه ووصفه بأنه ليس رجلاً، وغيرها من الألقاب التي سرعان ما تجعله يتوقف ليصبح رجلاً في أعينهم. مهما كانت المرأة ذات قدر كبير من التعلم والجمال والثقة في النفس، بل أيضًا مهما كبرت، وحتى لو أصبحت جدة، فإنها تحتاج إلى المدح والعاطفة والكلمة الحلوة.
كبرنا على أشعار نزار قباني، وغناء كاظم الساهر متغزلاً في حبيبته حافية القدمين، مقدمًا لها قصرًا تارة، وتارة أخرى يطالبها بالدلال عليه، حتى ظننا أن كل الرجال نزار وكل العشاق كاظم. دائمًا ما أتساءل: ما الفرق بين عجوزين يمسكان بيد أحدهما الآخر ويأكلان الآيس كريم، يتكلمان ويتهامسان ويضحكان، وزوجين عجوزين يسبق الزوج الزوجة في السير، وإن جلسا في مكان ترى الصمت المدقع وكأنهما أنهيا كل حروف اللغة في مشوار زواجهما؟!
كلما فتح موضوع اختلاف الرجل والمرأة وروشتة الحياة الزوجية السعيدة، يكون الدواء هو جملة "مفتاح السعادة بيد الزوجة". لا أنكر دور الزوجة فعلاً في هذه السعادة والاستقرار، لكن لماذا كل هذا التهميش لدور الرجل في هذه السعادة؟ السعادة الزوجية كمباراة التنس، كلاهما تقوم بما له وبما عليه.. هكذا ستكون مباراة ممتعة. تخيل لو أن طرفًا قام بكل العمل والطرف الثاني مجرد متلقٍ، في بداية الأمر سيكون الموضوع ممتعًا، فهناك فائز، لكن بعد مرور وقت ستكون مباراة مملة، هناك فائز لكنها مملة، حتى هذا الفائز سيشعر بالرتابة. في المقابل تخيل أن الطرفين يلعبان باحتراف، أخطاء هنا تسديد هناك، تعادل أحيانًا، ستكون مباراة ممتعة، حتى أنك لن تغمض عيناك لحظة حتى لا يفوتك منها شيء.
فلتقُل المرأة ما تريده مباشرة، وليدللها الرجل من الحين للآخر بدون أسباب، ولتكن الحياة سهلة وواضحة وسعيدة للجميع، فكلمة السر الحقيقية هي الاحتواء، فالاحتواء وراء نجاح أي علاقة، أزواج كانوا أو أهالي أو حتى أصدقاء.. في اعتقادي الشخصي الاحتواء أهم من الحب بمراحل، كم من محب لم يستطع الحفاظ على حبه بقلة الاحتواء! وكم من محتوٍ أنقذ حبه من الضياع بقدرته على الاحتواء! بالنسبة لي أنا شخصية تتغذى على الاحتواء، فلا علاقات لي ناجحة مع من حولي إلا بالاحتواء، حتى فنجان قهوتي إن لم يحتوِني في بداية يومي أعرف تمامًا أنه يوم مشحون ومجهد لي نفسيًا.
سألت نفسي وأنا أسطر هذه السطور التي تخرج من القلب دون ترتيب مسبق: هل الحب أسهل كفعل أم الاحتواء؟ الإجابة بدون أدنى شك: الاحتواء أصعب. يحتاج الاحتواء إلى ضبط للنفس في كثير من الأحيان، مع كثير من مخالفة الهوى لنكمل مسيرة العلاقة. في حقيقة الأمر طوبى لمن يحمل في جعبته احتواء، فبهذا ربح البيع والله، ربح علاقات ناجحة وصحية، ربح صلاحية أطول للعلاقات، ربح قِصر عمر المشكلات وطول عمر الهدوء.
لا تسعوا للحب آملين أنه الخلاص، فلا خلاص مع قلب، فالقلب بين أصابع الرحمن يقلبه كيفما يشاء، فلنسعَ للاحتواء بكل معانيه السامية وأهدافه النبيلة. نعم، المحتوي إذا أخلص في احتوائه، فالأب والأم باحتوائهما أبناءهما أنشئا أبناء أصحاء نفسيًا للمجتمع، والأزواج باحتوائهم شريك حياتهم صنعوا بيوتًا قوية ذات أساس متين وبنية تحتية قوية. والكتاب الذي يحتوي العقل والوقت قادر أن يجتاز بنا أوقاتًا عصيبة ومملة حتى الحكومات التي تحتوي شعوبها تصنع شعبًا يملك من الولاء للأرض والقائد ما يصنع به المجد. فلنحتويكم وتحتوونا يرحمكم الله!
منقووول