دار المعلمين العالية.. تأسيسها وأيامها الاولى في العشرينيات
شعرت وزارة المعارف بضرورة فتح دار عالية للمعلمين، التي أصبحت الحاجة إليها كبيرة، ولاسيما بعد فتح مدارس متوسطة وثانوية. إذ لم يكن في العراق، في ذلك الوقت، أساتذة من ذوي التأهيل العالي للتدريس في تلك المدارس. وقد ذكرت الوزارة في تقريرها السنوي عن سير المعارف لعام1922-1923 ما يلي: "بما أننا سنحتاج إلى فتح مدارس ثانوية في بعض المدن، رأينا من الضروري أن نفكر في كيفية استحضار المعلمين لها.ونحن مشغولون الآن بوضع خطة لتأسيس مدرسة عالية لتخريج المعلمين اللازمين للدراسة الثانوية، ولنا وطيد الأمل بأننا سنوفق إلى الشروع بهذه التدريسات بعد شهر أو شهرين بدون حاجة إلى زيادة في المخصصات".
لم تسعَ وزارة المعارف إلى استقدام مدرسين أجانب للمدارس الثانوية، وهذا ما أشارت إليه المصادر البريطانية، الى ان الشعور الوطني المعارض لكل اقتراح بتعيين أجانب للمدارس الثانوية، فضلاً عن قلة تكاليف إعداد المدرسين في العراق بالمقارنة إلى تعيين الأجانب كان سبباً في إنشاء دار المعلمين العالية.
وفي السابع من تشرين الثاني 1923، فاتحت وزارة المعارف مجلس الوزراء لطلب الموافقة على تأسيس دار المعلمين العالية. وأشارت إلى رغبتها في زيادة عدد المدارس الثانوية وفتح مدارس متوسطة بين الابتدائية والثانوية في المراكز المهمة، كالعمارة والناصرية والنجف وكربلاء، وأن تفكر في كيفية استحضار المعلمين اللازمين لهذه التأسيسات المستقبلية. وإنها تسعى لتأسيس داراً عالية للمعلمين، لا يقبل فيها إلا من كان متخرجاً من دار المعلمين الابتدائية، أو من مدرسة ثانوية، على أن تكون مدة الدراسة فيها سنتين بحساب (أثني عشر درساً في الأسبوع). وتقرر أن يكون في دار المعلمين العالية نوعان الأول لتخريج معلمين للدروس الطبيعية، والآخر لتخريج معلمين لدروس التاريخ والجغرافية وتدرس في الفرع الأول، الفيزياء والكيمياء والحيوان والنبات والصحة والجيولوجيا والزراعة، على أن يقوم الفرع الثاني بتدريس، التاريخ العام وتاريخ العرب والحضارة والجغرافية الاقتصادية والطبيعية وجغرافية العراق، وعلم الاقتصاد، وعلم الاجتماع والعلوم السياسية. وفي كلا الفرعين تدرس التربية وفلسفة العلوم وتاريخها.
كان المسؤولون في وزارة المعارف قد ارتأوا فتح صف مسائي كتدبير أولي، واتخذ الطابق العلوي من المدرسة المأمونية مقراً مؤقتاً للمدرسة الجديدة، (و تقع المدرسة في محلة الميدان جوار وزارة الدفاع ) جعلت الدراسة مسائية، لكي يتمكن الطلاب من حضور الدروس والمحاضرات بعد انتهائهم من أداء وظائفهم التدريسية، وقد أجريت ترتيبات خاصة لتقليل عدد ساعات تدريسهم. ويستوفى من كل طالب مبلغ قدره (15) روبية شهرياً، الروبية الواحدة تعادل (75) فلسً.
بعد أن استحصلت وزارة المعارف موافقة وزارة المالية بالكتاب المرقم (1130) في 17/18 تشرين الثاني1923، كتبت وزارة المعارف إلى رئيس مجلس الوزراء جعفر العسكري ، تبلغه بأن وزارة المالية وافقت على تأسيس دار المعلمين العالية، إذا وافق مجلس الوزراء على استحصال الأجور الدراسية من الطلبة. وفي جلسة الأول من كانون الأول1923، وافق مجلس الوزراء على تأسيس دار المعلمين العالية. وكان وزير المعارف في ذلك الوقت محمد حسن آل أبي المحاسن.
ومما جاء في القرار إن مجلس الوزراء قرر قبول اقتراح وزارة المعارف القاضي، باستحداث مدرسة عالية للمعلمين، وأن لا تتحمل خزينة الدولة أي مسؤولية عن المصاريف الإضافية التي تنتج من جراء فتح هذه المدرسة.
يعود الفضل في إنشاء وتنظيم دار المعلمين العالية إلى ساطع الحصري الذي كان يشغل منصب معاون وزير المعارف، والذي حرص باستمرار على إدخال الإصلاحات إلى هذا الدار وتطويره وتزويده بالمختبرات والأثاث، واللوازم المختلفة وأشرف الحصري على إدارتها إلى عام1927.
افتتحت دار المعلمين في شهر تشرين الثاني عام 1923، وقبل في الوجبة الأولى (11) طالباً، وهم يشكلون (الدورة الأولى) لتلك الدار وكان هؤلاء الطلاب هم (سعيد فهيم، عباس فضلي، سلمان الشواف، عبد الكريم جودت، شفيق سلمان، عوني بكر صدقي، صديق خوجة، محمد علي الخطيب، عبد الرزاق لطفي، هاشم الآلوسي، سعيد أيوب).
بلغ عدد الذين التحقوا بالدار بعد افتتاحها خمسين طالباً، استمر منهم (39) طالباً في الدراسة وتركها الباقون. وقد ذكرنا آنفاً أسماء طلبة الوجبة الأولى، أما طلبة الوجبة الثانية فكان منهم (محمود شكري، وديع سرسم، مصطفى علي ثروت، عبد الأحد سرسم، عبد الحميد الخطيب، شاكر علي العاني، إبراهيم شوكت، جميل رؤوف، حامد مصطفى، محمود الحاج علي، سليم محمود، محمد باقر حسين، ضياء شكارة، فخر الدين أحمد، ذنون أيوب، نسيم سلمان، إبراهيم حسون، سعيد فتوحي، عبد القادر محمد، توفيق فتاح، دانيال كساب، عبد القادر البندنيجي، صبحي ناعوم).
انتقلت دار المعلمين العالية في السنة الثانية على افتتاحها إلى المدرسة الثانوية المركزية التي تقع بجانب الرصافة وعلى ضفاف نهر دجلة، ولاسيما بعد أن ازداد عدد الطلبة المقبولين فيها. وسعى ساطع الحصري إلى اختيار الأساتذة الكفوئين من العراقيين والعرب للتدريس فيها، ولعل من أبرز الذين درسوا، الى جانب ساطع الحصري نفسه لتدريس علم النفس وفلسفة العلوم وأصول التدريس، عبد اللطيف الفلاحي لتدريس التاريخ العام والتاريخ الحديث، وطه الراوي لتدريس تاريخ العرب والإسلام، وهاشم السعدي لتدريس جغرافية العراق، وديع أسعد لتدريس الجغرافية الاقتصادية، يوسف غنيمة لتدريس تاريخ التمدن العراقي، ووديع عبد الكريم لتدريس الفيزياء، وعز الدين علم الدين لتدريس الكيمياء والتاريخ الطبيعي. وقد تخرج من دار المعلمين العالية بعد سنتين من تأسيسها (11) طالباً، وهم طلبة الدورة الأولى انفسهم الذين قبلوا عند افتتاح الدار وعندما تأسست جامعة آل البيت عام 1924 انظمت إليها عدد من الكليات. وفي العام1924 أرادت الجامعة التي يرأسها فهمي المدرس أن تلحق دار المعلمين العالية لها، إلاّ أن هناك إرادة فضلت أن تبقى الدار مرتبطة بوزارة المعارف، وكان ساطع الحصري قد سعى إلى تحقيق هذه الخطوة. وعلل ذلك بأن ارتباطها بوزارة المعارف سيجعلها تتطور وتتقدم باستمرار بصورة أفضل.
عن رسالة ( دار المعلمين العالية 1923 ـــ 1958 )
جواد كاظم محيسن