يذكر المؤرخون : أن عقيل بن أبي طالب قد ذهب إلى معاوية في حياة أخيه أمير المؤمنين علي عليه السلام ، طلباً للرفد ، و طمعاً بالمال .
و البعض منهم يروي : أنه استأذن أخاه علياً عليه السلام في ذلك 1 .
و بعض آخر يقول : " و فارق أخاه علياً في أيام خلافته ، و هرب إلى معاوية ، و شهد صفين معه . غير انه لم يقاتل ، و لم يترك النصح لأخيه ، و التعصب له " 2 .
و بعضهم يقول : إنه قد غاضب أخاه علياً ، و خرج إلى معاوية بالشام ، و أقام معه 3 .
أما ابن قتيبة فقد قال : " و لحق بمعاوية ، و ترك أخاه علياً " 4 .
و إذا كان البعض يرى أنه قد أقام عند معاوية ، و شهد صفين معه كما ذكرنا . . الأمر الذي من شأنه أن يقوي من اعتبار معاوية ، و يزيد في معنوياته . . فإن البعض يروي في مقابل ذلك : أنه قد رجع على الفور ، و لم يقم عنده 5 .
و لقد حاول البعض توجيه ذلك : بأن ذهابه إلى معاوية لم يكن في صالح معاوية ، و إنما كان ضرراً و وبالاً عليه . . لا سيما بملاحظة مواقف عقيل منه ، و من كل أشياعه و أتباعه ، و أجوبته القوية و الجريئة لهم ، و كشف الكثير من مخازيهم و موبقاتهم .
ادلة القائلين بلحوقه بمعاوية
و للقائلين بلحوقه بمعاوية ، أن يستدلوا :
1. ما روي من أن معاوية قال يوماً و عقيل عنده : هذا أبو يزيد ، لو لا علمه بأني خير لـه من اخيه لما أقام عندنا و تركه . فقال عقيل : أخي خير لي في ديني ، و أنت خير لي في دنياي ، و قد آثرت دنياي ، و أسأل الله خاتمة خير 6 .
و على حسب رواية الأصمعي : أن عقيلاً ترك علياً ، و ذهب إلى معاوية .
فقال معاوية : يا أهل الشام ، ما ظنكم برجل لا يصلح لأخيه ؟
فقال عقيل : يا أهل الشام ، إن أخي خير لنفسه و شر لي ، و إن معاوية شر لنفسه ، و خير لي 7 .
و على حسب رواية حميد بن هلال : أنه بعد ان أتى معاوية ، و أعطاه مئة ألف ، قال له معاوية : اصعد المنبر فاذكر ما أولاك به علي ، و ما أوليتك فصعد ، فحمد الله و أثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إني أخبركم : أني أردت علياً على دينه ، فاختار دينه ، و أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه 8 .
و على حسب رواية هشام بن عروة : إن معاوية قال لعقيل يوماً : يا أبا يزيد ، أنا خير لك من اخيك علي ؟
فقال : إن أخي آثر دينه على دنياه ، و أنت آثرت دنياك على دينك ، فأخي خير لنفسه منك لنفسك 9 .
أو انه قال له : وجدت علياً انظر لنفسه منه لي ، و وجدتك انظر لي منك لنفسك 10 . أو أنه قال : فأنت خير لي من أخي ، و أخي خير لنفسه منك" 11 .
و المسعودي يروي أنه قال له : يا أبا يزيد ، كيف تركت علياً ؟
فقال : تركته على ما يحب الله و رسوله ، و ألفيتك على ما يكره الله و رسوله .
فقال له معاوية : لولا أنك زائر منتجع جانبنا لرددت عليك أبا يزيد جواباً تألم منه .
ثم أحب معاوية أن يقطع كلامه ، مخافة أن يأتي بشيء يخفضه ، فوثب عن مجلسه ، و أمر له بنزل ، و حمل إليه مالاً عظيماً ، فلما كان من غد جلس ، و أرسل إليه ، فأتاه فقال له : يا أبا يزيد ، كيف تركت علياً أخاك ؟
قال : تركته خيراً لنفسه منك ، و أنت خير لي منه الخ . . كلامه الذي يذكر فيه أنه يمدح صعصعة بن صوحان ، فيرسل إليه صعصعة رسالة شكر و ثناء 12 .
2. يقولـون : إنه بعد أن رفض علي عليه السلام إعطاءه غير عطائه ارتحل إلى معاوية .
فلما سمع به معاوية نصب كراسيه ، و أجلس جلساءه ، فورد عليه ، فأمر له بمئة ألف درهم ، فقبضها .
فقال له معاوية : أخبرني عن العسكرين ؟
قـال : مررت بعسكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإذا ليل كليل النبي ، و نهار كنهار النبي ، إلا أن رسول الله ليس في القوم . . و مررت بعسكرك ، فاستقبلني قوم من المنافقين ، ممن نفر برسول الله ( ص ) ليلة العقبة .
ثم قـال : من هذا الذي عن يمينك يا معاوية ؟
قال : هذا عمرو بن العاص .
قال : هذا الذي اختصم فيه ستة نفر ، فغلب عليه جزارها ، فمن الآخر ؟
قال : الضحاك بن قيس الفهري .
قال : أما والله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيس . فمن هذا الآخر ؟
قال : أبو موسى الأشعري .
قال : هذا ابن المراقة .
فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه ، قال : يا أبا يزيد ، ما تقول فيّ ؟
قال : دع عنك .
قال : لتقولن .
قال : أ تعرف حمامة ؟
قال : و من حمامة ؟
قال : أخبرتك .
و مضى عقيل . . فسأل معاوية النسابة فأخبره أنها جدته ، و كانت بغياً في الجاهلية ، و هي أم أبي سفيان 13 .
3. و ربما يستدل أيضاً : بأنه كان مع معاوية في صفين ، فقال له معاوية ليلة الهرير : يا أبا يزيد ، أنت معنا الليلة .
فقال له عقيل : و يوم بدر كنت معكم . أو ما في معنى ذلك 14 .
4. و أنه : " لما قدم عقيل بن أبي طالب على معاوية أكرمه ، و قرَّبه و قضى حوائجه ، و قضى عنه دينه .
ثم قال له في بعض الأيام : والله إن علياً غير حافظ لك ، قطع قرابتك ، و ما وصلك ، و لا اصطنعك .
قال له عقيل : والله ، لقد أجزل العطية و أعظمها ، و وصل القرابة ، و حفظها و حسن ظنه بالله إذ ساء به ظنك ، و حفظ أمانته ، و أصلح رعيته ، إذ خفتم و أفسدتم ، و جرتم ، فاكفف لا أباً لك ، فإنه عما تقول بمعزل " 15 .
و قال الحموي و غيره : " قال معاوية يوماً لعقيل : إن علياً قطعك و وصلتك ، و لا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر .
قال : افعل . فصعد المنبر ، و حمد الله و أثنى عليه .
ثم قال : إن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علياً ، فالعنوه عليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين ثم نزل .
فقال معاوية : يا عقيل ، إنك لم تبين من المراد منا ؟ ! قال : والله ما زدت حرفاً ، و الكلام راجع إلى نية المتكلم 16 .
5. و قال رجل لعقيل : إنك لخائن ، حيث تركت أخاك ، و ترغب إلى معاوية .
قال : أخْوَنُ مني من سفك دمه بين أخي و ابن عمي أن يكون أحدهما أميراً 17 .
هذا غاية ما يمكن الاستدلال به لذهاب عقيل إلى معاوية ، و شهوده معه صفين ، جمعناه بنصوصه المختلفة ، رعاية لأمانة النقل ، و براءة من ذمة التاريخ