ليس ذنبي إن كان للنور قبر في بلادي وللمكافح قبر |
وتفشّى الظلام كالداء لا يوقف طوفانه المدمّر فجر |
إنّني أكتب الحقيقة لكن ثورة الحق في بلادي كفر |
قلمي في الحديد في ظلمة السجن طريح مكبّل لا يصرّ |
نفسي حائم يفتّش في الظلمة عن منفذ ولا يستقرّ |
أبدا أرفع العيون إلى الباب ولا حامل شعاعا يمرّ |
وإذا ما سمعت دمدمة الريح تدوّي قلت العواصف كثر |
سوف تجتاح حائط السجن يوما |
فوراء القضبان يلهث حرّ |
غير أنّ الأيام تمضي وتمضي |
وأنا شمعة تذوب وفكر |
وأمدّ الأنفاس مدّ فريق |
أين من موجه الشديد المفرّ |
أين شعبي لقد تذكّرت أنّي |
لي دين في عنقه لي عمر |
أين أنفاسه تحطّم قيدي |
أين ثاراته أما لي ثأر ؟ |
إنّ شعبي العملاق في القمقم مثلي وفوقه الليل بحر |
ويعاني الذي أعاني وهل يفرح نسر وفي السلاسل نسر ! |
وهو لا بدّ حاطم قيده الأسود يوما والنصر يتلوه نصر |
فإذا الصرخة الكبيرة تدوّي |
وإذا العالم المقّيد حرّ |
البساط الكبير يفرش للظافر قومي إفرشيه فاليوم خمر |
وغد نحن من صنعنا غد العالم عمّدانه الأيادي الحمر |
للملايين يفرحون به العمر فما فيه ظلمة أو قفر |
قد جعلنا الإنسان أثمن ما فيه له الأرض والسماء مقرّ |
وجعلناه كالرياح طليقا غده في يديه نور وزهر |
غدنا أيها القريب لقد أوشك يمشي على الطريق الفجر |
نحن لن نترك السلاح وفي الأرض أسارى وآسرون وأسر |
ساومونا على الحياة كما شاؤوا وما للحياة سوق وسعر |
وإذا ما صلاهم قلم الحر شعاعا يلقيه في الأرض فكر |
صرخوا صرخة الغراب على الجيفة واستنسروا وكرّوا وفرّوا |
ثمّ صاحوا بالشعب وهو دموع عتقّت في كؤوسهم فهي خمر |
إنّ تمثالك المقدّس يا شعب حطام بكلّ أرض يجرّ |
قتلوه فخذ بثأرك يا شعب فللميّت المقدّس ثأر |
غير أنّ الذي ينادون سدّت أذنه الريح والصّباح الأغرّ |
وعلى ضوئه تراءى له الوحش وقدّامه الضحايا الكثر |
أيها الشعب أيها الميت الحيّ بأرض منها القبور تفرّ |
هكذا تصنع النعوش لكي ترقد فيها وأنت يا شعب زهر |
خالد العطر مثقل بندى الفجر ولكن لا يطرد الجوع عطر |
هكذا قدّروك ميتا على الأرض وأيامهم لشمسك قبر |
يمضغون السنين من عمرك النضر ويلقونها ومالك عمر |
أنظر الصين كيف ثارت على الموت وفي الصين للملايين نصر |
كيف هدّت جدران معبدها الرحب وفيه الأصنام بيض وصفر |
صرخات العبيد في أذنيها |
جمعت فالعبيد بعث ونشر |
ورياح تسوقها مثلما ساق الدهور البطاء في الأرض دهر |
ضربت موعدا له أمم الأرض فطارت به الجياد الحمر |
دقّت الساعة الرهيبة وانشقّ عن المارد المخدّر ستر |
أسندته إلى الجدار الأعاصير كسكران نال منه السّكر |
وشظايا الكؤوس غائصة فيه كما غاص في حشا الأرض جذر |
نسمات الصباح يا حلم التائه يمشي والقفر شوك وجمر |
بلّلي وجهه وشدّي خطاه |
فطريق الكفاح صعب ووعر |
ملأته الأشواك والدم والدمع ولكّنه الممرّ الممرّ |
أيها الشرق كان ظلّك في الأرض سحابا يمرّ ما فيه قطر |
تشرب البوم من جداولك الخضر وتروى وليس ترويك بئر |
أورثوك القيود عن صنم مات فأشقاك في حياتك قبر |
هم لصوص التاريخ كم سرقوا منه شعوبا مصّوا دماها وفرّوا |
وهم المالئون أرض أمانيك ظلاما يضلّ فيه الفجر |
غير أنّ الحياة أقوى من الموت ولن يهزم الحياة القبر |
هي كالبحر مدّها الأمل الهادر طول السنين واليأس جزر |
يكشف الصخر حين يرجع بالموج ولن ينجي الغريق الصخر |