نرى الكثيرين على الشبكات الاجتماعية يشكون فقدان الغاية في حياتهم، والشعور المستمر بالملل والضجر، لكنَّ موقع «بيج ثينك» أشار إلى مفهومٍ «إيكي جاي ikigai» الياباني القديم، والذي ربما يكون حلًا لتلك المشكلة المنتشرة بين جيل الألفية.
أشار الموقع إلى أنَّه في عصر ما بعد الحداثة أخذت مظاهر الحياة الدينية في الانحسار تدريجيًا، خاصةً في العالم الغربي، وحلَّ انعدام الثقة تجاه الحكومات محل الوطنية، مما جعل النجاح في الحياة صعبًا.
نتيجةً لهذا التغيير، وقع الكثير من الناس في الإحساس بالسأم، وينبع ذلك الشعور المروع لخيبة الأمل المريرة من فقدانهم المعنى في حياتهم.
وافتقار الغاية من العيش يؤدي إلى ارتفاع الإصابة بالأمراض العقلية، مثل التوتر والاكتئاب؛ مما يؤدي إلى اضطرابات النوم وتدهور الحالة الصحية، وربما يصل إلى تعاطي المخدرات والأفكار الانتحارية في بعض الحالات القصوى، لكن اتجه الكثيرون مؤخرًا إلى الفكر الشرقي للبحث عن حلولٍ، وبالأخص المفهوم الياباني القديم «إيكي جاي ikigai».
كيف تحاول الفلسلفة التغلب على الاكتئاب؟ رؤية الفلسفة الوجودية
ابحث عن الغاية
يعني المفهوم وفقًا للتأويلات «أن تعيش ما تطمح إليه»، أو «الشيء الذي يجعل الحياة تستحق العيش»، مع الأخذ في الاعتبار بأنَّه لا يوجد ترجمات دقيقة لهذا المصطلح.
وبحسب ما ورد في التقرير، فإنَّ «إيكي iki» تعني «الحياة»، بينما «جاي gai» يُقصد بها «ذو قيمة»، ويعود أصلها إلى « كاي kai» بمعنى الصدف أو المحار، وأصلها يعود إلى فترة هييآن (794-1185)، حينما كان الصدف ذا قيمة. وبذلك يمكننا تعريف مفهوم «إيكي جاي» بأنَّه العثور على القيمة في الحياة أو اكتشاف الغاية.
Embed from Getty Images
ويشير الموقع إلى أنَّه في الغرب، ظهرت على مدار السنين حركات فكرية مختلفة وكتاب مختلفين في التنمية الذاتية، وعقب كلٍ من هذه الحركات التي كان من السهل استيعاب أفكارها، لكن لم يجد سوى القليلين عزاءً فيها.
لذا ففي بعض الأحيان ينبغي علينا أن نسعى لحياةٍ هادفة أكثر بدلًا عن البحث عن السعادة، لأنَّها في الغالب شعور لحظي وعابر.
ولهذا – في رأي الموقع – فاكتشاف مفهوم «إيكي جاي» والتساؤلات التي يطرحها يمكنه مساعدة الإنسان في إيجاد غاية قوية يستطيع من خلالها الشعور بالاطمئنان وامتلاك الدافع.
ويشير التقرير إلى أنَّ هذا المفهوم يتلخص في أربعة أسئلة:
- ماذا تحب؟
- ما الشيء الذي تجيده؟
- ماذا يحتاج العالم منك؟
- ما العمل الذي من الممكن أن تؤديه مقابل المال؟
وإن كنت متقاعدًا عن العمل، فلا داعي للقلق حيال مسألة العمل المدفوع، يمكنك أن تحذف هذا السؤال، وأن توجه تركيزك للثلاثة الباقية. فالمغزى لا يكمن فقط في الوصول لغايتك، بل في تحقيق التوازن المناسب بين جميع الجوانب المحيطة بذاك الهدف.
«إيكي جاي» لا يؤثر على الفرد فحسب
يشير الموقع إلى أنَّه بالنسبة للشعب الياباني، فإنَّ لهذا المفهوم جانب إجتماعي يتمحور حول الشعور بالرضا عن دورك في العائلة والعمل والمجتمع، بصورةٍ تتسق مع الفوارق الجنسية؛ فبينما يربط الرجال مفهوم «إيكي جاي» بمهنهم وأعمالهم، فإنَّ النساء تربطه بأمومَتهن ودَورهُن داخل نطاق العائلة. ورغم أنَّ «إيكي جاي» أصبح من أحدث المصطلحات الرنانة مؤخرًا في الغرب، فهو مفيد أيضًا لأولئك الذين ليست لديهم أدوار محددة.
ويذهب التقرير إلى حوارٍ أجرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية مع هيكتور جارسيا، مؤلف كتاب «إيكي جاي Ikigai»، صرَّح فيه بأنَّ الأمر برمته يتضح حين تنخرط في أمرٍ ما بكل تركيز، وتصل إلى حالة التدفق الذهني.
ويتساءل جارسيا: «هل سبق وأن كنت مندمجًا في مهمة ما أنستك الطعام والشراب؟. ما نوع هذا العمل؟ تلك اللحظات، أي لحظات التدفق الذهني، يترسخ فيها مفهوم «إيكي جاي» خاصتك».
وصرَّح الكاتب دان بوتنر لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بأنَّه لكي تجد مفهوم «إيكي جاي» في حياتك، ينبغي عليك أن تضع ثلاث قوائم؛ الأولى عن اهتماماتك، والثانية عن الأشياء التي تستمتع بالقيام بها، والأخيرة عن الأشياء التي تتقنها. وقال: «التقاطع بين القوائم الثلاثة يمثل تامفهوم خاصتك».
ويشير التقرير إلى ما كتبته آيزا كافيدجيا، المحاضرة المتخصصة في الأنثروبولوجيا، في موقع « ذي كونفرزيشن»، أنَّه من خلال المقابلات الشخصية التي أجرتها مع كبار السن من اليابانيين، وجدت أنَّهم ينظرون إلى مفهوم «إيكي جاي» على أنَّه يعني البراعة في فعل شيء ما، وأنَّ معناه قريب من جملة «chanto suru»، التي تعني «إتقان الأشياء». بجانب أنَّ المفهوم يقترن بشدة بالجزيرة اليابانية أوكيناوا، التي يتمتع سكانها بالعمر المديد، إذ يمكنك أن تجد هناك الكثير من المعمرين، ويعزو بعضهم حياتهم الصحية طويلة الأجل إلى مفهوم «إيكي جاي».
لكن بحسب الموقع، ثمة قصور في هذا المفهوم. فحينما يرى المرء أنَّ عمله هو غايته، من المحتمل أن يهمل شؤون عائلته وأصدقائه وهواياته، وجميعها أمور تستوجب ذات الأهمية، وتحقق الرضا أيضًا. فضلًا عن ذلك، يجد الشعب الياباني نفسه صعوبةً في تحقيق مبدأ «إيكي جاي»، طبقًا لاستبيانٍ أُجري عام 2010، أظهر أنَّ 31% فقط من المشاركين اليابانيين هم من وجدوا غايتهم واستطاعوا تطبيق المفهوم.
لكنَّ معرفة الغاية ليست هي النهاية، فبحسب التقرير، قال جوردون ماثيوز، الأستاذ الجامعي بالجامعة الصينية في مدينة هونج كونج، لصحيفة «التليغراف» البريطانية بأنَّ الذين يمتلكون رؤيةً واضحة حيال غايتهم من خلال مبدأ «إيكي جاي» يمكنهم العمل على تحقيق مفاهيم أخرى أسمى، مثل مفهوم توحد الشخص مع دوره الاجتماعي، أو «إيتيكان ittaikan»، ومفهوم «تحقيق الذات jiko jitsugen».