الاستراتيجية الزراعية في العراق وابرز المعوقات في نظر الاستثمار
- المحددات الخاصة بالقطاع الزراعي
تستمد وجودها من خصائص القطاع الزراعي، المتمثلة بطبيعة العمل الإنتاجي من جهة وطبيعة المنتج النهائي والظروف المناخية والطبيعية التي تمثل عنصر المخاطرة فضلاً عن عنصر الأرض الذي يمثل مورد غير متجدد زيادة على طبيعة الطلب على المنتجات الزراعية الذي يتصف بضعف المرونة أو انعدامها، ويمكن إجمال المعوقات التي تواجه القطاع الزراعي في العراق.
- المعوقات الاقتصادية:
يتميز العراق بضعف هيكله الإنتاجي، بسبب اعتماده المباشر على النفط للحصول على الدخل، ومن ثم فإنه يحتاج إلى تنويع في مصادر الدخل لتشمل القطاع الزراعي والصناعي والسياحي والخدمي وغيرها من القطاعات، ويتصف الوضع الاقتصادي بعدة مؤشرات منها
أ- ارتفاع المديونية الخارجية .
ب- ازدياد العاطلين عن أعمالهم وسعة حجم البطالة .
ج- العجز الغذائي .
د- ضعف الإمكانيات والتقنيات التكنولوجية
هـ- التبعية الاقتصادية .
و- عدم الاستقرار الاقتصادي وعدم وضوح دور اقتصاد السوق بعد ان تحول العراق من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق .
ز- ضعف او انعدام دور القطاع الخاص وعدم أخذه لدوره المطلوب لسنوات طويلة , والذي انعكس على هجرة رؤوس الأموال والكفاءات إلى خارج القطر.
أما ما يتعلق بالمعوقات الاقتصادية للقطاع الزراعي فإن السياسات التي اتبعت مع القطاع الزراعي وتتمثل بـ:-
- السياسات السعرية والتسويقية .
- السياسات التمويلية .
- السياسة التجارية.
اما فيما يتعلق بالسياسة السعرية فإن الإنتاج الزراعي يتأثر بالسياسة السعرية, والمعروف أن الدولة اعتمدت أكثر من سياسة سعرية وفي اوقات مختلفة فأحيانا تدعم مدخلات الإنتاج , من دون دعم سعر المنتج النهائي, ومنها دعم المخرجات من دون دعم المدخلات وهذا سبب في عدم وضوح سياسة الدولة السعرية تجاه المزارع.
وفيما يتعلق بسياسة التسويق الزراعي فكانت الدولة تفرض الأسعار على المزارع في السبعينات والثمانينات , ثم تخلت الدولة عن ذلك في نهاية الثمانينات, ثم قامت بتسعير المحاصيل الاستراتيجية (حنطة , وشعير, و شلب, و ذرة صفراء , و قطن, وزهرة الشمس)، إذ تقوم الدولة باستلام الحاصل من الفلاح أو من التجار الذين يشترون الحاصل من الفلاح.
وفي عام(2003) بدأت الدولة باتجاه آلية السوق وبدأت أسعار المنتجات ومستلزمات الإنتاج تعتمد على السوق, ثم عادت في عام (2008) بوضع تسعيرة مجزية لمحصولي الحنطة والشعير.
وقد ساهمت هذه التسعيرة في اقبال الكثير من المزارعين على زراعة محصولي (الحنطة والشعير) عام (2009) الا ان التغير المفاجئ في عملية شراء محصولي الحنطة والشعير حيث شهد انخفاض سعريهما مقارنة بعام (2008) وهذا يسبب عزوف البعض من المزارعين من انتاج محصولي الحنطة والشعير لموسم (2010-2016).
أما فيما يتعلق بالسياسات التمويلية, فقد اختلفت هذه السياسة ولمدد مختلفة, ويمكن ملاحظة ذلك من خلال نشاط المصرف الزراعي حيث نجد ان المصرف الزراعي, والمصارف التجارية تمول الفلاحين بالقروض مقابل أسعار فائدة تتراوح من (18-21%) إذ يقوم المزارع بشراء مستلزمات الإنتاج لمشروعه الزراعي, ولم تسهم هذه الطريقة في تحسن الأداء بسبب ارتفاع سعر الفائدة وقصور الآليات المتبعة في الإقراض. واستمرت هذه السياسة لغاية عام(2003), بعد عام (2003) تم إنشاء صندوق إقراض الفلاحين , وصغار المزارعين, برأس مال قدرة (25) مليار دولار يسهم في توفير التمويل الميسر على وفق ضمانات مناسبة, وفي (عام 2008) جاءت المبادرة الزراعية وتم إنشاء (6) صناديق افتراضية متخصصة توفر القروض للمستثمر من دون فوائد . وفيما يتعلق بسياسة التجارة الخارجية يقصد بها طبيعة السياسة المتبعة من الدولة اتجاه الصادرات والاستيرادات من المنتجات الزراعية. تدعو الى ضرورة أعادة توزيع عوامل الانتاج باتجاه التخصص والاعتماد على الميزة النسبية وتعزيزها باتجاه الميزة التنافسية فيما يخص الصادرات الزراعية أما فيما يخص سياسة الاستيرادات الزراعية فقد بقيت طبيعة سياسة التجارة الخارجية الزراعية التي اتبعتها الدولة مفضلة لاستيراد بعد عام 2003, وقد انسحب ذلك على الاستيرادات من المنتجات الزراعية ومستلزمات الانتاج الزراعي. وقد ادت سياسة التجارة الخارجية الزراعية بذلك الى وضع ضريبة غير مباشرة على المنتجين الزراعيين مما ثبط جهودهم في زيادة الإنتاج الزراعي وتنميته. والمطلوب وضع تعريفة جمركية تصاعدية مناسبة على السلع الزراعية المستوردة تزداد تدريجيا بزيادة مستوى الانتاج الزراعي المحمي حتى الوصول الى الاكتفاء الذاتي من السلع الزراعية المنتجة محلياً.
2- المعوقات السياسية :
يعدُّ الاستقرار السياسي عنصراَ مهماَ من عناصر البيئة الاستثمارية الجاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي, ويشمل الاستقرار السياسي الاستقرار الداخلي الذي يتمثل في دور الدولة العراقية وما آلت اليه قبل وبعد عام(2003) , وكذلك الاستقرار الخارجي وهو عدم وجود مشكلات مع دول الجوار تتعلق بالحدود أو الحروب وغيرها إذ انها أثرت بشكل واضح على جذب الاستثمار, لان انعدام او ضعف الاستقرار السياسي ينسحب على هجرة العقول والكفاءات ورؤوس الأموال المحلية التي تبحث عن بيئة آمنه ومستقرة والمعروف ان العراق شهد في السابق عدم الاستقرار الخارجي بسبب الحروب مع دول الجوار والحصار الاقتصادي وكذلك ما حصل بعد عام( 2003 ) وانعدام الاستقرار السياسي الداخلي بالمستوى الذي يسمح لوجود بيئة استثمارية جاذبة. وكذلك فإن قلة او انعدام الوعي الاستثماري لدى المواطن العراقي وحتى بعض الموظفين في دوائر الدولة والضغط الاجتماعي اسهم وبشكل كبير في الحد من جذب الاستثمار. فضلا عن التحول في النظام السياسي من نظام مركزي شمولي الى نظام فدرالي لا مركزي تضمن حكومة مركزية وحكومات محلية تحتاج إلى وقت طويل كي تتمكن من النهوض بالواقع الزراعي بسبب تراكم المشكلات والمعوقات, وكذلك فأنها تحتاج إلى طريقة لرسم استراتيجية تسهم بها الحكومة المركزية والحكومات المحلية ، بالإضافة الى الجهات القطاعية لوزارة الزراعة ووزارة الري والتخطيط وغيرها.
3- المعوقات المالية:
ويتمثل بعدة أمور منها :
أ- التضخم الذي اسهم في تدهور كا لدولار قيمة العملة العراقية إذ اسهم انخفاض سعر صرف الدينار العراقي بالنسبة للعمولات الأجنبية واليورو الى انخفاض القيمة الحقيقية للاستثمار.
ب- العجز المالي للميزانية العراقية بسبب الاعتماد على مصدر واحد للدخل القومي وهو النفط وكذلك حجم المديونية الخارجية والذي انسحب بدوره على حجم التمويل والإقراض والتخصيص الاستثماري لإقامة وإنشاء البنية التحتية.
ج- ضعف السياستين المالية والنقدية وعدم وجود نظام مصرفي بالمستوى المطلوب، وغيرها من المعوقات المالية الأخرى. وانعكس ذلك على القطاع الزراعي، بسبب عدم قدرة المزارع من سد تكاليف الإنتاج وكذلك ضعف التخصصات الاستثمارية اللازمة للنهوض بالقطاع الزراعي، بسبب عجز الميزانية العراقية، فضلا عن ضعف النظام المصرفي الذي يمنح القروض بنسب فائدة مجزية تساعد المستثمر في اقامة المشاريع الزراعية.
4 - المعوقات الاجرائية والادارية:
وتتضمن مجموعة من الامور منها:
أ- وجود اكثر من جهة مشرفة على الاستثمار, منها الهيئة الوطنية, والهيئات المحلية, والوزرات والدوائر ذات العلاقة, ومجالس المحافظات, والتي يصاحبها في كثير من الاحيان التداخل في الصلاحيات والتعقيد في انجاز المشاريع الاستثمارية عن طريق منح اجازة استثمار.
ب- طول مدة منح اجازة الاستثمار وبطئ التنفيذ وضياع الوقت على الرغم من اعلان الهيئة الوطنية بان العملية تتم من خلال النافذة الواحدة.
ج- بناء الاجهزة والدوائر التخصصية على وفق مبدأ المحاصصة السياسية والطائفية وعدم اخذ الكفاءة والنزاهة والاختصاص والمهنية بنظر العناية في إدارة هذه الدوائر.
د- قلة الخبرات والمهارات اللازمة في انجاح وتسريع عملية الاستثمار.
هـ- عدم وجود قاعدة بيانات خاصة بالخرائط الاستثمارية وما يتعلق في جميع المشاريع.
و- قلة وانعدام الوعي الاستثماري لدى الكثير من الملاكات الإدارية في الدوائر ذات العلاقة بالعملية الاستثمارية.
ز- عدم اعداد الخارطة الاستثمارية بالشكل الصحيح وبالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في اعطاء الاولويات لنوع النشاط الاستثماري وطبيعته في كل محافظة من المحافظات.
ح- عدم استخدام الطرائق الحديثة في مؤسسات الدولة لإدارة الملف الاستثماري عن طريق الحكومة الالكترونية او غيرها ومن الوسائل.
5- المعوقات القانونية:
وتتمثل بكل القوانين التي تتعلق بالاستثمار كقانون الاستثمار والقوانين التي لها علاقة مباشرة بالعملية الاستثمارية كالضريبة والدخل والجمارك وغيرها وقد تميز العراق بعدة معوقات قانونية منها:
أ- إن قانون الاستثمار لم يعطٍ للقطاع الزراعي خصوصية تميزه عن القطاعات الأخرى، مع انه يتمتع بخصوصية ارتفاع نسبة المخاطرة وطول مدة الإنتاج وغيرها.
ب- التعارض بين القوانين وبين الدوائر التنفيذية ذات العلاقة في مجال تنفيذ المشاريع الاستثمارية او منح الإجازة الخاصة بالاستثمار.
ج- عدم الوضوح بالتعليمات والقوانين والاعتماد على الاجتهادات في التطبيق. وكذلك فان قوانين القطاع الزراعي في العراق ولاسيما فيما يتعلق بالحيازات الزراعية فان هناك ميزة للحيازات الزراعية، إذ يتصف بتعدد أنواع وأشكال الحيازات, وتدني المساحات وخاصة بفعل التقسيم المتكرر, نتيجة للإرث وتفتت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية إلى حيازات صغيرة جدا وغير اقتصادية مما يشكل عائقا كبيراً. أمام تطور الإنتاج الزراعي من جهة ومرجع لعدم استقراره والهدر بطاقات محتملة كبيرة. ففيما يـخص أنواع الحيازات فان هناك( 64%) من اجمالي عدد الحيازات الزراعية مملوكة ملكا صرفا للأشخاص وهي التي تتجزأ الى مساحات صغيرة غير اقتصادية في الكثير من الحالات بسبب الإرث و(32% )مؤجرة و(3% ) تدار تجاوزا و(1% ) أشكال أخرى, فالحيازات بشكل عام دون المستوى الاقتصادي الامثل وكانت من أسباب تردي الواقع الزراعي وعدم تطوره). (خطة التنمية2010-2016).
وهناك عدد من السياسات الاقتصادية , والمالية , والمصرفية التي اتخذت من قبل مصادر القرار الاقتصادي الهدف منها خلق بيئة استثمارية مشجعة تسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإعادة بناء الاقتصاد العراقي من خلال أعادة تعديل بعض الفقرات من قانون الاستثمار العراقي رقم(13) لسنة 2006 المعدل
6- المعوقات البنيوية:
وتتمثل بما يأتي:-
أ- ضعف اسواق رأس المال في العراق وحداثتها مما يؤثر على ثقة المستثمر في السوق العراقية.
ب- تدمير البنيه التحتية وكذلك النقص الواضح في عناصر جذب الاستثمار والتي تتمثل بشبكات الطرق والطاقة والري والاتصالات وطرق السكك والموانئ والمطارات. تدمير البنيه التحتية وكذلك النقص الواضح في عناصر جذب الاستثمار والتي تتمثل بشبكات الطرق والطاقة والري والاتصالات وطرق السكك والموانئ والمطارات. وفيما يتعلق بالبنى التحتية في القطاع الزراعي فإن معظم الأراضي الزراعية تعاني من التصحر والتملح والجفاف. وقد توقف برنامج إصلاح الأراضي المتكامل، وكذلك اهمال الصيانة ادى إلى الاسهام في تدهور الأراضي الزراعية، وكذلك فإن عدم وجود سياسة مائية للعراق مع جيرانه تسهم في الحد من الفيضانات من جهة وتأمين خزين مائي للاستخدامات المختلفة من جهة أخرى ومنها الاستخدام الزراعي الذي اسهم ذلك في تقليل نسبة مياه الري المخصصة للقطاع، وانعكس ذلك على إنتاج الطاقة الكهربائية، لأنها تمثل ناتج ثاني للسدود.
حيث تقدر كميات المياه المتاحة بحدود (77) مليار متر مكعب، منها( 48) مليار متر مكعب من نهر دجلة, وروافده والباقي( 29) مليار متر مكعب من نهر الفرات، وان الكمية المستغلة فعلاً (25) مليار متر مكعب ، ولكن الكمية المتاحة من المياه مهدده بالانخفاض، بسبب قيام تركيا بإنشاء سدود على نهري دجلة والفرات, وعلى حساب حصتي العراق وسوريا إذ خفضت تركيا المياه المتقدمة من نهر الفرات إلى العراق وسوريا من 28 مليار متر مكعب إلى (12) مليار متر مكعب في حين إن حاجة العراق تمثل (19) مليار متر مكعب لإرواء (6) مليون دونم على ضفاف نهر الفرات .إن الانخفاض المستمر في كميات المياه بسبب تصرفات تركيا يشكل كارثة اقتصادية ولاسيما وان بعض الدراسات تؤكد أن هذا الانخفاض سيصل إلى نسبه (80%), ومن غير المستبعد إن تقوم تركيا بمساومة العراق عن طريق ورقة المياه، مما يشكل تهديدا لأمنه المائي وثروته الوطنية.