زيارة مسرور بارزاني رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق إلى تركيا، واجتماعاته مع كبار المسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هي أكثر من زيارة هامة. وهي بالمناسبة أول زيارة خارجية له؛ وهذا أمر يحمل بذاته دلالات خاصة، تؤكد أهمية تركيا دولة ودوراً على مستوى الإقليم، وأهمية تركيا بالنسبة إلى إقليم كردستان نفسه، وإلى العراق على وجه العموم.
فتركيا ترتبط مع العراق عبر إقليم كردستان العراق على وجه الخص عبر حدود طويلة نسبياً (حوالي 330 كم). وهناك تداخل سكاني على جانبي الحدود لا يمكن تجاهله. كما أن العلاقات التاريخية، والعوامل الجيوسياسية، فضلاً عن المصالح المشتركة، وظروف عدم الاستقرار التي تمر بها المنطقة كلها، هذه العوامل جميعها، بالإضافة إلى غيرها، تستوجب بناء علاقات طبيعية مع تركيا قائمة على أساس حرص كل طرف على أمن واستقرار الطرف الآخر، وتطوير العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري لصالح الشعب في الجانبين.
ومما يضفي أهمية خاصة على الزيارة، أنها تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة زلزالاً سياسياً جديداً يتقاطع في جوانب كثيرة منه مع ذاك الذي كان قبل نحو عقد من الزمن في تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية. فما يجري في كل من لبنان والعراق وإيران والجزائر يؤكد مجدداً أن شعوب هذه البلدان قد سئمت من سياسات التسويف، والشعارات الكبرى التضليلية، وفقدت الثقة بها؛ وضاقت ذرعاً بفضائح الفساد التي تشير إلى أرقام فلكية من الدولارات، تم اختلاسها وهدرها بصورة منظمة، وبطرق مختلفة من قبل معظم المسؤولين في الحكومات المعنية.
هذا بينما تبذل قيادة إقليم كردستان جهدا متميزاً لتعزيز وحدة الصف على المستوى الداخلي عبر الحوارات والتفاهمات المعمقة مع مختلف الأحزاب والقوى السياسية سواء من هي في الحكم أم من هي في المعارضة. إلى جانب ذلك هناك تفهم واضح لمطالب الناس.
هذه الأوضاع تلزم القيادة الكردية بالسعي الحثيث من أجل ترتيب البيت الكردي الداخلي على مستوى الإقليم، وذلك من أجل تنسيق المواقف، وسد الطرق أمام القوى التي تعمل على استغلال التباينات الكردية لتمرير أجنداتها الخاصة التي لا تتوافق في معظم الأحيان مع المصالح الكردية الأساسية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى جهود الرئيس مسعود بارزاني ونيجيرفان بارزاني اللافتة. وهي جهود في حاجة إلى الاستكمال والمتابعة والاستمرارية، ومن المفيد في هذا المجال ان تكون هنك آلية تمكّن من حل الخلافات بالتفاهم، والبناء على النقاط المتفق حولها. من أجل تطوير العمل المشترك.
كما أن التحرك باتجاه بغداد، والحرص على إقامة العلاقات مع مختلف اطراف العلمية السياسية العراقية يعد هو الآخر من الأمور الضرورية التي تحرص القيادة الكردية على وضعها في حساباتها بصورة مستمرة. وذلك لمعرفتها الأكيدة بأن العلاقة المستقرة المتوازنة مع بغداد على أساس احترام الخصوصية والحقوق والمشاركة والالتزام ببنود الدستور هي المقدمة الضرورة للمحافظة على أمن واستقرار العراق بصورة عامة، وإقليم كردستان العراق بصورة خاصة.
كما أن السياسة الناضجة البعيدة النظر التي تعتمدها قيادة الإقليم في التعامل المتوازن مع دول الجوار، ومع الدول العربية والمجتمع الدولي، رغم وضعية الاستقطابات الحادة التي تعاني منها المنطقة عموماً، والعراق على وجه التحديد، قد أعطت نتائجها الإيجابية التي حافظت على استقرار الإقليم من جهة، وأهلته من جهة أخرى لأداء دور إيجابي فاعل في حل القضايا الإشكالية سواء على الصعيد العراقي أم على الصعيد الكردي.
فقيادة الإقليم، وبحكم العلاقة التاريخية مع معظم القيادات والشخصيات الفاعلة في العملية السياسية العراقية بمختلف أجنحتها، قادرة على أداء دور توفيقي بين مختلف المواقف، والعمل من أجل التقريب بين وجهات النظر، والتوافق حول نقاط مشتركة، تأخذ بعين الاعتبار مطالب الناس، خاصة على صعيد معالجة ملفات الفساد، وضرورة تحسين مستويات المعيشة للناس، وتأمين المستلزمات الأساسية مثل التعليم والعمل والمسكن والكهرباء والماء النظيف؛ والأهم من هذا وذاك هو تامين فرص العمل المنتج، الأمر الذي سيساهم في عملية النهوض بالاقتصاد الوطني العراقي، ليتحول إلى اقتصاد منتج، عوضاً عن أن يكون اقتصاداً ريعياً كما هو عليه الحال راهناً.
أما على الصعيد الكردي، فيمكن لقيادة الإقليم أن تؤدي دوراً إيجابياً على صعيد الوصول إلى حل للقضية الكردية في تركيا، شرط توفر الرغبة والإرادة لدى مختلف الأطراف المعنية. وحل هذه القضية سيكون من دون شك في مصلحة تركيا وكردها، كما أنه سيكون في مصلحة إقليم كردستان والعراق عموما، وسيكون في مصلحة سورية وكردها. ولكن مثل هذه الجهود السياسية لا بد أن تستند إلى دعم مجتمعي متماسك متواصل، يساعد على مواجهة مختلف التحديات، والتحسّب لجميع الاحتمالات، وأمر كهذا لن يتحقق من دون تلبية مطالب الناس، وتوفير إمكانيات التعليم والعمل والعلاج الصحي، فضلاً عن المستلزمات المعيشية الضرورية. وربط الجامعات والمعاهد الدراسية بالمجتمع، وتشجيع البحث العلمي المنتج الذي يساعد على إيجاد الحلول للمشكلات الحياتية، ويساهم في تحقيق المزيد من النهوض والتقدم؛ فكل ذلك سيخفف من التشنج، وسيحد من نزعة الهجرة لدى الكثير من الطاقات الشبابية، وسيساعد على الاستفادة من القدرات الإبداعية التي يمتلكها الشباب الكردستاني، بما ويخدم مشاريع التنمية والجهود الحثيثة من أجل النهوض بالإقليم على مختلف المستويات، وفي سائر الميادين، ليكون بيئة جاذبة للاستثمارات الداخلية والخارجية، بيئة تضمن مقومات العيش الكريم للمواطنين، وتوفر المقدمات الضرورية لمستقبل أفضل للأجيال المقبلة.
ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.
https://www.kurdistan24.net/ar/news/...b-f03c3d27a37e