النتائج 1 إلى 2 من 2
الموضوع:

أبو الحسن المنصور المريني

الزوار من محركات البحث: 85 المشاهدات : 871 الردود: 1
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,790 المواضيع: 1,770
    التقييم: 888
    آخر نشاط: 30/September/2021

    أبو الحسن المنصور المريني




    يعد السلطان أبو الحسن المريني الملقب بالمنصور بالله (731 - 749هـ = 1331م - 1348م)، أعظم ملوك بني مرين، بل من أعظم ملوك المغرب على الجملة، فقد عم صيته البسيط شرقا وغربا، ووصفه الناصري بقوله: "هذا السلطان هو أفخم ملوك بني مرين دولة، وأضخمهم ملكا، وأبعدهم صيتا، وأعظمهم أبهة، وأكثرهم آثارا بالمغربين والأندلس".

    نسبه وبيعته

    هو السلطان أمير المسلمين المنصور بالله، أبو الحسن علي بن عثمان (الثاني) بن يعقوب (المنصور المريني) بن عبد الحق (الأول) بن محيو أبي خالد بن أبي بكر المريني، الزناتي، البربري أصلا، المغربي إقامة ووفاة. من كبار المرينيين ملوك المغرب، وبنو مرين فرع من قبيلة زناتة الأمازيغية (البربرية) الشهيرة، والتي ينتمي إليها عدد من القبائل التي لعبت أدوارًا مهمة في تاريخ المغرب العربي، مثل مغيلة ومديونة ومغراوة وعبد الواد وجراوة، وغيرهم.

    ولد أبو الحسن المريني في سنة 697هـ / 1297م بتفرديون من بلاد المغرب، وكان أبوه أبو سعيد عثمان بن يعقوب المريني سلطان المغرب، ولقبه السعيد بفضل الله، وتولى السلطنة سنة 710هـ إثر وفاة أبي الربيع المريني، سليمان بن عبد الله بن يوسف بن يعقوب المريني، عن 21 عامًا، واستمرت سلطنته إلى حين وفاته سنة 731هـ / 1331م عن 56 عامًا، وكانت أيامه أيام حروب وتوسع، ظفر في أغلبها.

    أما أمُّ أبي الحسن المريني فكانت حبشية، وكان هو أسمر اللون فعُرِفَ عند العامة بـ "السلطان الأكحل". وبويع أبو الحسن المريني بفاس بعد وفاة أبيه في ذي القعدة سنة 731هـ / 1331م بعهد منه، فهو عاشر ملوك الدولة المرينية بالمغرب الأقصى ومن أكابرهم وأعظمهم على الإطلاق.

    باكورة أعماله الجهاد

    كان أبو الحسن شغوفا بالجهاد منذ صغره، فلم يمض على ولايته غير عامين حتى سارع إلى انتزاع جبل طارق من أيدي الفرنجة. فقد كان باكورة أعمال أبي الحسن المريني استرجاعه جبل طارق من يد الإفرنج، وذلك بالتعاون مع ملك غرناطة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل ابن الأحمر، لاسترجاع جبل طارق من يد الإفرنج الذين احتلوه سنة 707هـ، فحاصره المنصور المريني ستة أشهر في سنة 733هـ، وطرد الإفرنج منه. واهتم المنصور ببنائه وتحصينه، وأنفق عليه أحمال مالٍ في بنائه وحصنه وسوره وأبراجه وجامعه ودوره ومخازنه، ولم يكد يتم ذلك حتى عاود الإفرنج الكَرَّة برًّا وبحرًا، فصبر المسلمون، حتى فشلت الحملة، فقام بمشروع تحصين سفح الجبل بسور محيط به من جميع جهاته حتى لا يطمع عدوّ في منازلته، ولا يجد سبيلًا للتضييق عند محاصرته، ورأى الناس ذلك من المحال، فأنفق الأموال، وأنصف العمال، فأحاط بمجموعه إحاطة الهالة بالهلال.

    وقال ابن مرزوق في المسند الصحيح الحسن بعد كلام ما ملخصه: "وكان -يعني السلطان أبا الحسن- مجتهدًا في الجهاد بنفسه وحرمه، وجاز للأندلس برسم ذلك بنفسه، وأظهر آثاره الجميلة، ومنها ارتجاع جبل الفتح ليد المسلمين بعد أن أنفق عليه الأموال، وصرف إليه الجنود والحشود إذ كان من عمالته هو والجزيرة ورندة، ونازلته جيوشه مع ولده وخواصه وضيقوا به إلى أن استرجعوه ليد المسلمين".

    الصدام مع أخيه أبي علي

    ثم اصطدم أبو الحسن المريني بأخيه الأكبر أبي علي المولود سنة 696هـ، وكان عليٌ ولي عهد والده، ثم انتقض على والده مرتين، وفي كلتيهما يعفو عنه، فلما تولى الحكم أبو الحسن المريني، كان والده أبو سعيد قد أوصاه خيرا بأخيه أبي علي قبيل وفاته، فولاه على سجلماسة عملا بوصية أبيه وأحسن إليه، وسلجماسة مدينة مندثرة في شرقي المغرب كانت هامة في التجارة مع إفريقيا السوداء.

    وقصد أبو الحسن تلمسان لإدالة دولة أبي تاشفين الزياني، غير أن الزياني بادر إلى مراسلة أبي علي والي سجلماسة، فثار على أخيه ونقض بيعته، فاضطر أبو الحسن إلى العودة إلى المغرب الأقصى وحاصر أخاه إلى أن وقع في يده أسيرا ثم قتله بالفصد، وذلك سنة 734هـ، ولم يصغ إلى توسلاته التي بثها في أشعاره إليه، ومنها قوله:

    فَلَا يغرنك الدَّهْر الخؤون فكم *** أباد من كَانَ قبلي يَا أَبَا الْحسن
    الدَّهْر مذ كَانَ لَا يبْقى على صفة *** لابد من فَرح فِيهِ وَمن حزن
    أَيْن الْمُلُوك الَّتِي كَانَت تهابهم *** أَسد العرين ثووا فِي اللَّحْد والكفن
    بعد الأسِرَّة والتيجان قد محيت *** رسومها وعفت عَن كل ذِي حسن
    فاعمل لأخرى وَكن بِاللَّه مؤتمرا *** واستغن بِاللَّه فِي سر وَفِي علن
    واختر لنَفسك أمرا أَنْت آمره *** كأنني لـم أكن يَوْمًا وَلــم تكن

    وقد أحسن أبو الحسن إلى أولاد أخيه أبي علي وخلطهم بأولاده، وزوَّج ابنته الكبرى المسماة "تاحضريت" بأحد أولاد أخيه المدعو بـ "أبي سلوس".

    الصراع مع أبي تاشفين

    وكان ملك تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى الزناتي من بني عبد الواد، صاحب شجاعة وحزم وجبروت، نظر في العلم وتفقه على أبيه الإمام، وعمر بلاده بالمصانع والقصور والحدائق، ولكنه كان سيئ السيرة يذكر عنه قبائح، وقتل أباه واستولى على الملك في سنة 718هـ، وكانت سنه 26 عامًا، وتاريخيًا كان بنو زيان أصحاب تلمسان على غير وفاق مع بني مرين، وكان جد السلطان المنصور قد نازل تلمسان سنوات ومات وهو يحاصرها سنة بضع وسبع مائة. وعقد أبو الحسن المريني بعد توليه الصلح مع أبي تاشفين الذي سرعان ما نكثه، فزحف أبو الحسن بجيوشه سنة 735هـ فافتتح وَجْدة وهدم أسوارها، واستولى على وهران ومليانة والجزائر، وحاصر تلمسان حصارًا طويلًا، وجدد بناء المنصورة بقرب تلمسان، وكان قد اختطها عمه يوسف بن يعقوب بن يعقوب وخربها بنو زيان، فجعلها أبو الحسن قاعدته في حصار طويل، انتهى بمقتل أبي تاشفين عندما خرج من المدينة وأراد أن يباغت المنصور المريني، فانعكس الأمر عليه وصد جيش المنصور الحملة وطاردوها حتى دخلوا تلمسان وقتلوا أبا تاشفين سنة 737هـ، وطيف برأس أبي تاشفين بالمغرب، ثم دفن مع جسده عند آبائه بتلمسان. ولما تغلب أبو الحسن المريني على بنى عبد الواد لم يقصِهِم بل استخدمهم وانتقى أولى الشجاعة والاقدام منهم فرمى بهم ثغور المغرب، ومن هؤلاء عثمان بن عبد الرحمن، المولود سنة 703هـ، والذي كان في جيش المنصور المريني، يُرسَل في السرايا، وهو مرؤوس تحت حكم قائد الجيش، ثم لما توفي أبي الحسن المنصور تمرد بتلمسان، فتحرك إليه السلطان أبو عنان المريني من فاس، وهزمه في أوائل سنة 753هـ، وقتله.

    صورة من جهاده ضد النصارى

    وقد توسعت دولة أبي الحسن المريني شرقا إلي حدود مدينة القيروان بعد قضائه على أبي تاشفين بتلمسان، وصارت له حامية من الجند بعدوة الأندلس، فصار كما قال الناصري: "ملك زناتة بعد أن كان ملك بني مرين، وسلطان العدوتين بعد أن كان سلطان المغرب فقط". وتاقت نفسه إلى التوغل في بلاد النصارى، فأنفذَ إلى ولده أبي مالك أمير الثغور الأندلسية وزراءَ حضرته يأمره بغزو النصارى، فامتثل أبو مالك وملأ يده من الغنائم والأسلاب، ولم يكن أبو مالك بصيرا بالحرب لصغر سنه فلم يلبث أن هلك في بعض غزواته، ولما بلغ خبره أبا الحسن أعلن النفير في المغرب كله وجاز إليهم بنفسه، فرحل إلى سبتة Ceuta وجمع الأساطيل، فضرب بها أساطيل الفرنج بمضيق جبل طارق ويسميه العرب أحيانًا بحر الزقاق سنة 740هـ، فكانت له الغلبة عليهم.

    ثم عبر أبو الحسن البحر إلى ناحية طريف Tarifa وكانت في يد العدو، فحاصرها طويلا على رأس جيش بلغ تعداده أكثر من 60000 مقاتل، فانتهز العدو منه فرصة وفاجأه الإفرنج بجيوش متعددة، وحدثت مقتلة عظيمة في المسلمين من بني مرين وبني الأحمر، وأصيبت عساكره بفاجعة قلما وقع مثلها، هلك فيها خيرة علماء الأندلس، وخلصَ العدو إلى حظايا أبي الحسن فقتلوهن ومثلوا بهن ومن بينهن عائشة بنت عمه أبي بكر، وفاطمة بنت أبي بكر الحفصي، وأسروا ولده تاشفين، ونجا ببقايا جموعه سنة 741 فقفل إلى الجزيرة الخضراء فجبل الفتح المعروف بجبل طارق، وركب إلى سبتة، واستأسد الفرنج، فأغرقوا أساطيله في الزقاق واحتلوا الجزيرة الخضراء.

    ولكن أسد بني مرين لم يهدأ له بال فقد صمم على الثأر لشهداء طريف، فجهز الأساطيل من جديد واستنفر فرسان المغرب وعاود الجواز إلى الأندلس فتلقاه عدوه في البحر وأفنَى من رجاله خلقا كثيرا، وواصل أبو الحسن إنفاذ الأقوات إلى حاميته بالجزيرة إلى أن بلغ الجهد من رجاله كل مبلغ، فسلموها وعادوا إلى بلاد المغرب.

    قصته مع المصحف العثماني

    وكان في قرطبة مصحف من المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار عثمان بن عفان رضي الله عنه، وخرج هذا المصحف من قرطبة إلى ملوك المغرب حتى وصل إلى أبي الحسن المريني، فكان لا يسافر إلا ومعه المصحف الكريم العثماني، وكان لهذا المصحف عند أهل الأندلس شأن عظيم، ومقام كبير، ومن نتائج هزيمة طريف أن وقع المصحف العثماني بيد القوات البرتغالية، فاهتم المنصور كثيرًا لفقده وأعمل الحيلة في استرجاعه، حتى أتى به إلى فاس سنة 745هـ أحد تجار أزمّور.

    واستمر المصحف في خزانة أبي الحسن إلى أن سافر سفرته المعلومة إلى إفريقية فاستولى عليها، ولما كانت سنة 750هـ ركب أبو الحسن البحر من تونس قافلا إلى المغرب، وذلك في إبان هيجان البحر فغرقت مراكبه وهلكت نفوس تجل عن الحصر، وضاعت نفائس يعز وجود مثلها ومن جملتها المصحف العثماني فكان ذلك آخر العهد به.

    صراعه مع أبي العباس الكومي الموحدي

    ورجع أبو الحسن المريني إلى فاس، يتجهز لاعادة الكرة، فعلم بوفاة أبي بكر الحفصي صاحب إفريقية ونشوب الفتنة بين ابنيه، فتوجه بجيشه إلى تونس فدخلها سنة 748هـ وزار القيروان وسوسة والمهدية، واستعمل العمال على الجهات، ودالت دولة الحفصيين، واتصلت ممالكه من مسراتة إلى السوس الأقصى.

    ثم واجه تحديًا آخر في تونس تزعمه أبو العباس أحمد بن عثمان بن إدريس بن أبي دبوس الكومي، حفيد آخر ملوك بني عبد المؤمن بالمغرب: إدريس بن محمد بن عمر بن عبد المؤمن، وكان أحمد ولد بـالقاهرة سنة 722هـ، وكان حسن الهيئة جميل الصورة كثير الصمت حسن الكتابة بليغ العبارة، ورحل من القاهرة في أواخر سنة 736هـ مؤملًا استخلاص بعض أملاك وأبيه بمراكش، فدخل تونس في عام 737هـ فأقام بها إلى أوائل سنة 741هـ، فقُبض عليه وسجن إلى أوائل سنة 747هـ، فأطلق ودخل الديار المصرية، ثم رجع إلى تونس فانضم إليه جماعة من العرب وبايعوه وأظهر العصيان على المنصور المريني، وكثرت جموعه حتى قيل إنهم كانوا عشرة آلاف، فالتقوا بعسكر المنصور في أول سنة 749هـ، وجرت بينهم عدة معارك آل الأمر فيها إلى انهزام المنصور واستيلاء العرب على أمواله الجمة، ولكن قصبة تونس عصت عليه، فحاصرها ورماها بالمنجنيق. وفي هذه الأثناء أعاد أبو الحسن المريني تجميع قواته، وشن هجومًا جديدًا هزم فيه الكومي ودخل تونس، واختلف الكومي مع العرب الذين هادنوا المنصور ثم صالحوه، فاختل أمر الكومي وفر، فقبض عليه أبو الحسن وأرسله في البحر إلى بجاية ثم إلى فاس، ثم أطلق سراحه وأحسن إليه، وبقي الكومي دونما جدوى يحاول ملكًا، إلى أن مات بمدينة فاس سنة 762هـ.

    ثورة ولده أبي عنان وخلعه بيعة أبيه

    ووصلت أخبار انتقاض تونس إلى المغرب الأقصى، فانتقضت زناتة، من بني عبدالواد ومغراوة وبني توجين، وكان أبو الحسن المريني قد ولى ابنه (أبا عنان فارس المريني)، على تلمسان، فلما علم ما حل بأبيه دعا إلى نفسه، فبويع بقصر السلطان بالمنصورة سنة 749هـ / 1348م، وسنُّه 20 عامًا، وزحف بجيش إلى فاس فقاومه أميرها، وهو أخوه منصور بن علي، فافتتحها وقتله، واستوسق له ملك المغرب.

    وجاءت الأخبار بذلك إلى السلطان وهو بتونس، فركب البحر سنة 750هـ في نحو ستمئة مركب، فواجهته عاصفة شديدة تجاه بلدة تدلس شرق مدينة الجزائر (وتسمى الآن Dellys)، فغرق كل من معه إلا بضعة مراكب، وهلك من كان معه من أعلام المغرب وهم نحو أربعمائة عالم، منهم مفتي مجلسه أبو عبد الله محمد بن سليمان السطي شارح الحوفي، وأبو عبد الله محمد ابن الصباغ الذي أملى في مجلس درسه بمكناسة على حديث "يا أبا عمير ما فعل النغير" أربعمائة فائدة. ونزل أبو الحسن المريني بالجزائر، فأقبل عليه أهلها، فنهض يريد تلمسان، وكان قد استولى عليها بنو زيان، فقاتلوه ونهبوا ما بقي معه، فخلص إلى الصحراء وانتهى إلى سجلماسة فقابله أهلها بالطاعة، ورحل منها إلى مراكش، ففرح به أهلها. ولكن ابنه أبا عنان أراد أن يستأثر بملك والده، فزحف من فاس لقتاله، فتلاقيا في وادي أم الربيع، فانهزم عسكر السلطان ونجا.

    وفاة أبي الحسن المريني

    كل ذلك وعزيمة أبي الحسن المريني لا يتطرق إليها ملل إلى أن نفد زاده وهلك معظم رجاله، فالتجأ إلى جبل هنتاتة فأجاره عبد العزيز بن محمد بن علي الهنتاتي وبايعه على الموت، وطلبه ابنه أبو عنان فحمته قبائل هنتاتة، وصبروا على الحصار وخراب الديار، وحرق الأماكن. وطال حصار أبي عنان له، فكتب أبو الحسن لابنه بولاية العهد نظير أن يرفع عنه الحصار وأن يمد أصحابه بالأقوات ففعل، ولم يلبث إلا يسيرا حتى أصيب بذات الجنب على نحو ما ذكر ابن الأحمر في "روضة النسرين"، وكانت وفاته في في الثالث والعشرين من ربيع الآخر (وقيل ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من ربيع الأول) من عام 752هـ / 1351م، عن 55 عامًا. فحمل إلى ابنه أبي عنان، فتلقاه حافيا حاسرا باكيا، وقبَّل أعواد النعش، ودفنه في مراكش، ثم نقله إلى مقابرهم بفاس، ومنها إلى ضريحه في مدفن أسلافه بشالة سلا.

    مآثر السلطان أبي الحسن المريني ومناقبه

    حكم أبو الحسن المنصور المريني زهاء عشرين سنة، أمضاها في معارك متصلة على كل الجبهات، وكان صاحب همة عالية في كل الميادين، محبا للعلم مقربا للعلماء ورعا تقيا شاعرا متقنا، اجتمع فيه ما تفرق في غيره من الملوك والسلاطين، فقد أطنب لسان الدين بن الخطيب في الثناء عليه في منظومته "رقم الحلل"، وقال السلاوي الناصري فيه: "أفخم ملوك بني مرين دولة، وأضخمهم ملكا، وأكثرهم آثارا بالمغربين والأندلس". وقد خصه العلامة ابن مرزوق الخطيب بمؤلف جمع فيه شمائله وأخلاقه ومناقبه سماه "المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن".

    في مجال البناء والعمران

    ومسند ابن مرزوق يرصد بالإضافة إلى ما سبق جهود أبي الحسن في بناء الدولة مما لا يوجد في مرجع غيره، وذلك لقرب ابن مرزوق منه ولاطلاعه على الدقيق والجليل في حياة أبي الحسن. ففي مجال البناء يروي ابن مرزوق أن أبا الحسن أنشأ من المحارس والمناظر ما لم يعهد مثله في عصر من العصور، يقول ابن مرزوق: "وحسبك أن مدينة آسفي وهي آخر المعمورة إلى بلد الجزائر، جزائر بني مزغنان .. محارس ومناظر إذا وقعت النيران في أعلاها تتصل في الليلة الواحدة أو في بعض ليلة، وذلك في مسافة تسير فيها القوافل نحوا من شهرين .. فلا تظهر في البحر قطعة تقصد بلاد المسلمين إلا والتنيير يبدو في المحارس يتحذر(يحذر الجند)".

    المساجد التي عمرها

    وعلاوة على المنشآت العسكرية، شيد أبو الحسن عددا كبيرًا من المساجد كمسجد الصفارين وحلق النعام بفاس ومساجد المدينة البيضاء المعروفة بفاس الجديد حاليا، ومساجد المنصورة بسبتة ومساجد أخرى بتلمسان وطنجة وشالة وسلا وجامع المنصور بمراكش وغيرها، وأنشأ المدارس وفي ذلك يقول ابن مرزوق: "ثم أنشأ رضي الله عنه في كل بلد من بلاد المغرب الأقصى وبلاد المغرب الأوسط مدرسة، فأنشأ بمدينة تازى قديما مدرستها الحسنة، وببلد مكناسة وسلا وطنجة وسبتة ووأنفى وأزمور وأسفي وأغمات ومراكش والقصر الكبير ..، وبالجزائر مدارس مختلفة الأوضاع بحسب اختلاف البلدان".

    المدارس التي شيدها

    كما شملت آثاره مدارس عدة، بناها في مدن المغرب مثل مراكش وسلا وتازة وغيرها، ولا تزال رخامة التحبيس موجودة تحمل اسمه في مدرسة الصهريج بفاس وكانت عندما أسسها وهو أمير سنة 721هـ تسمى المدرسة الكبرى، وأسس بعد خلافته مدرسة في فاس سنة 745 هـ سميت المدرسة المصباحية نسبة إلى أول أساتذتها وهو أبو الضياء مصباح بن عبد الله اليالصوتي المتوفى سنة 750هـ. وبنى في مكناسة الزيتون زاويتيين، بنى القديمة في زمان أبيه، والجديدة حين تولى الخلافة، وله في هذه المدينة غير الزاويتين عدة آثار كثيرة جميلة من القناطر والسقايات وغيرها، ومما يعبر عن شخصية المنصور المريني أنه لما تم بناء المدرسة الجديدة، وكان قاضي مكناسة هو الناظر على بنائها، جاء إليها المنصور من فاس ليراها، فقعد على كرسي من كراسي الوضوء حول صهريجها، وجيء بحساب تكاليفها إليه، فغرَّقه في الصهريج قبل أن يطالعه، وأنشد:

    لا بأس بالغالي إذا قيل حسن *** ليس لما قرت به العين ثمن

    وكانت النفقات تجرى في هذه المدارس على الطلبة والأساتذة والأعوان وزودها جميعا بالمصنفات المفيدة والكتب النفيسة، وأقام أبو الحسن المارستانات ومد القناطر والجسور واهتم ببناء السقايات في ربوع البلاد، حتى قال الفقيه أبو الحسن اليعمري في ذلك: "ما مررت في بلاد المغرب بسقاية ولا مصنع من المصانع التي يعسر فيها تناول المياه للشرب والوضوء فسألت عنها إلا وجدتها من إنشاء السلطان أبي الحسن".

    من أخلاقه وصفاته

    وأما خلقه فكان من أحسن الناس أخلاقا وأكثرهم بذلا وعطاء، يقول ابن مرزوق: "أجرى -أبو الحسن- لسائر الأيتام من سائر القبائل ما يتمشى به أحوالهم ويستغنون عن التكفف والعالة ..، فلا يكاد يقع بصرك على يتيم في بلاد المغرب إلا وهو مكفول ..، وأنشأ دورا للعجزة وأجرى النفقات على من اتصف بالشيخوخة فإذا روجع في ذلك قال: إنما ننفق من خزائن الله متوكلين على الله وخزائنه مفتوحة".

    وكان إلى جانب ذلك حليما كريما ورعا، روي عنه أنه لم يذق الخمر في حياته قط، قال الناصري: "كان السلطان أبو الحسن رحمه الله أسمر طويل القامة عظيم الهيكل معتدل اللحية حسن الوجه، وكان عفا مائلا إلى التقوى، مولعا بالطيب، لم يشرب الخمر قط لا في صغره ولا في كبره، محبا للصالحين، عدلا في رعيته، يحب الفخر ويعنى به وقال بعض المشارقة في حقه ما صورته: ملك أضاء المغرب بأنوار هلاله وجرت إلى المشرق أنواء نواله، وطابت نسماته، واشتهرت عزماته، كان حسن الكتابة كثير الإنابة ذا بلاغة وبراعة وشهامة وشجاعة".

    وكان رحمه الله مقيما للعدل، ولا أدل على عدله من إقامته الحدَّ على ولده أبي مالك في الخمر وكان من أحب أبنائه إليه. وأما مجالسه فمجالس علم وتفقه، وكان ميالا لعلم الحديث قرأ عليه ابن مرزوق صحيح البخاري مرات عديدة.

    وكتب السلطان أبو الحسن المريني بخط يده ثلاثة مصاحف مذهبة، كبيرة الحجم كل منها وقر بعير، أرسلها بواسطة السلطان المملوكي إلى الحرمين الشريفين والقدس الشريف، وأرسل معها 16500 دينار لشراء أوقاف في المساجد الثلاثة ينفق ريعها على من يقوم بقراءة القرآن فيها وخزانة مناسبة لها، وأصدر السلطان أمرًا بإعفاء هذه الأوقاف من الضرائب كتبه الأديب الشهير جمال الدين ابن نُباتة المصري، جاء فيه: "وهو الذي مدَّ يمينه بالسيف والقلم فكتب في أصحابها، وسطر الختمات الشريفة فأيد الله حزبه بما سطر من أحزابها، واتصلت أخبار ملائكة النصر بلوائه تغدو وتروح، وكثرت فتوحه لأولياء الغرب فقالت أوقاف الشرق لا بد للفقراء من فتوح، ثم وصلت ختمات شريفة كتبها بقلمه المجيد المجدي، وخط سطورها بالعربي وطالما خط في صفوف الأعداء بالهندي، ورتب عليها أوقافًا تجري أقلام الحسنات في إطلاقها وطلقها، وحبس أملاكًا شامية تحدث بنعم الأملاك التي سرت من مغرب الأرض إلى مشرقها، والله تعالى يمتع من وقف هذه الختمات بما سطر له في أكرم الصحائف، وينفع الجالس من ولاة الأمور في تقريرها ويتقبل من الواقف". قال المقري: "وقد رأيت أحد المصاحف المذكورة، وهو الذي بـبيت المقدس، وربعته في غاية الصنعة".

    اعتنائه بالعلم والأدب

    وكان أبو الحسن المريني مع كونه من رجال الرمح والسنان ذا اشتغال بالأدب، يقول الشعر ويجيد الإنشاء، فقيهًا عالمًا، ولوعا بالشعر محسنا لنظمه ومن شعره:

    أرضي الله في سري وجهري *** وأحمي العرض من دنس ارتياب
    وأعطي الوفر من مالي اختيارا *** وأضرب بالسيوف طلى الرقاب

    وكان أبو الحسن المريني يتشوف في أن يضم تحت جناحه العلماء والفقهاء، فكان في بلاطه كتاب وعلماء بارزون ذكر كثيرًا منهم ابن خلدون في تاريخه لأنه تتلمذ أو أخذ عن أكثرهم، وأولهم عبد المهيمن الحضرمي، عبد المهيمن بن محمد، (676 -749هـ). ومنهم الطبيب أبو تمام غالب بن علي الشقوري الغرناطي، المتوفى سنة 741هـ. ومنهم الأخوان ابنا الإمام عيسى وعبد الرحمن ابنا عبد الله بن الإمام، وتوفي عيسى سنة 749هـ وعبد الرحمن سنة 743هـ، وكانا فاضلا المغرب في وقتهما، وخصيصين بالمنصور المريني، وتخرج بهما كثير من الفضلاء. ومنهم أبو القاسم ابن رضوان، عبد الله بن يوسف بن رضوان النجاري المالقي (718 – 782هـ) وكان من كتاب المنصور وابنيه أبي عنان وأبي سالم، وله كتاب الشهب اللامعة في السياسة النافعة. ومنهم الفقيه الأديب ابن مرزوق العجيسي، محمد بن أحمد بن محمد (710 – 781هـ)، الذي ولي للمنصور المريني وكان من المقربين إليه، ثم كان من وزراء ابنه السلطان أبي سالم المريني، وله كتب في الحديث والفقه، وألف ابن مرزوق كتابًا في سيرة المنصور المريني أسماه "المسند الصحيح الحسن من أحاديث السلطان أبي الحسن". وقد مر بتونس في أيام المنصور المريني الرحالة الشهير ابن بطوطة (703 – 779هـ)، وذكره في كتاب رحلاته ووصفه بأمير المسلمين، وناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين، علم الأعلام، وأوحد الملوك الكرام، أسد الآساد، وجواد الأجواد، القانت الأواب، الخاشع العادل.

    وكان الوزير المؤرخ الأديب النبيل لسان الدين ابن الخطيب الغرناطي الأندلسي( 713 - 776هـ)، قد التجأ من غرناطة إلى ابن المنصور السلطان عبد العزيز بن المنصور المريني في تلمسان في سنة 773هـ، وزار جبل هنتانة وشاهد محلَّ وفاة أبي الحسن المريني ، فخاطبه بكلمة بليغة عدد فيها مآثره ومنائره، منها: "السلام عليك ثم السلام، أيها المولى الهمام الذي عرف فضله الإسلام، وأوجبت حقه العلماء الأعلام، وخفقت بعز نصره الأعلام، وتنافست في إنفاذ أمره ونهيه السيوف والأقلام".

    ولما ذكر لسان الدين ابن الخطيب السلطان أبا الحسن في "رقم الحلل" وصفه بقوله:

    الملك المعدود من خير سلف *** ومجموع القول إذا القول اختلف
    الدين والعفاف والجلالة *** والعــز والقدرة والجزالـة
    والعلم والحلم وفضل الدين *** وصفوه الصفوة من مرين
    ممهد الملك ومسدي المنن *** وواحـد الدهر وفخر الزمن
    باني المباني النخبة الشريفة *** بمقتضـى همتــه المنيفــة
    وتارك المدارس الظريفة *** شاهــدة بأــنه الخليفــة
    وقاطع الدهر بغير لهو *** فــي مجلس معظــم أو بهــو
    أما لتدريس وعلم يدرس *** أو لبــلاد مــن عدو تحرس
    أو لأياد في عباد ثغرس *** أو لثواب ورضـــا يلتمـس
    أو نسخ قرآن وعرض حزب *** أو عــدة معـــدة لحرب

    الجيش في عهده

    كان أبو الحسن المريني ذا همة عالية في الجهاد، كثير الجيوش، بلغ عدد المسجلين في ديوانه من المقاتلين 40000 فارس، غير حفظة المدن والسواحل، مع تمكنه إذا استجاش لحربٍ عليه أن يُخرج أعدادًا أكثر بكثير قدرها بعض المؤرخين بحدود 140000مقاتل. وفي عهده بلغت البحرية المرينية ذروة مجدها وقوتها.

    العلاقات الخارجية في عهده

    وكان أبو الحسن المريني نشيطًا على صعيد العلاقات الخارجية، وبخاصة مع الممالك الإسلامية في الأندلس، فقد كان هناك تحالف طويل الأمد بين المرينيين وبين بني الأحمر في غرناطة، ولم يزل ملوك بني مرين يعينون أهل الأندلس بالمال والرجال، وكانت هناك قوة دائمة من أقارب السلطان عند ابن الأحمر في غرناطة، وعليهم رئيس من بيت بني مرين يسمونه شيخ الغزاة. وكانت للمنصور المريني مراسلات وهدايا متبادلة مع ملوك دول الجوار، مثل ملوك النصارى في الأندلس والبرتغال، وسلاطين السودان في مالي، ولصاحب إفريقية، ومنها لصاحب تلمسان.

    وتبادل أبو الحسن المريني المراسلات والهدايا مع أحد أعظم ملوك المماليك في مصر: الملك الناصر محمد بن قلاوون، (ت 741هـ)، والذي دام ملكه أكثر من 40 عامًا، وكانت الرسائل بينهما لا تكاد تنقطع.

    لم يوفق أبو الحسن في جل معاركه ضد النصارى، وكان لهزائمه أبلغ الأثر في إعراض الأجيال التي جاءت من بعده عن سيرته رغم وفرة المعلومات عن حياته وإنجازاته. وإن كان نجم يوسف بن تاشفين والمنصور الموحدي وبعدهما سلفه المنصور المريني قد لمع في سماء المغرب بفعل انتصاراتهم العسكرية، فأبو الحسن بنى دولة ليست دونَ دولِ هؤلاء عظمة وحسنَ إدارة وتنظيما بل إنه تفوق عليهم في مجالات شتى، ولكنه ابتلي بفتور همة أعوانه حتى خلعوه وركنوا إلى ولده بدعوى أنه يلقي بهم إلى المهالك، وليس ينقص ذلك من قدره شيئًا، فقد كان ملكًا عظيمًا بكل المقاييس.

    ___________________
    المصادر والمراجع:
    - المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر- بيروت – لبنان، ج4، ط1، 1997م.
    - الناصري السلاوي: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق: جعفر الناصري/ محمد الناصري، الناشر: دار الكتاب - الدار البيضاء، د.ت.
    - الزركلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو 2002م.
    - فؤاد صالح السيد: معجم ألقاب السياسيين في التاريخ العربي والإسلامي، مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع، 2014م.
    - ذكرى وفاة أبي الحسن المريني، موقع رابطة العلماء السوريين.
    - يوسف الحلوي: أبو الحسن المريني، موقع جريدة المساء، 11 أغسطس 2012م.
    قصة الإسلام

  2. #2
    من المشرفين القدامى
    سَرمَديّة
    تاريخ التسجيل: August-2014
    الدولة: بغداد
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 32,329 المواضيع: 2,167
    صوتيات: 152 سوالف عراقية: 98
    التقييم: 11949
    مزاجي: الحمدلله ، جيد
    المهنة: legal
    أكلتي المفضلة: دولمة
    آخر نشاط: منذ 3 يوم
    مقالات المدونة: 19
    كل الشكر والامتنان

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال