أجمل ما قال محمود درويش كلام محمود درويش النثري جميل كشعره والتالي بعض كتاباته النثرية الجميلة التي تستحق الوقوف عندها طويلا تماما كأشعاره : يوميات الحزن العادي / محمود درويش بين الشعر والنثر مسافة هي أشبه بالقفز في المجهول. يصعب الانتقال من ضفة هذا إلى ذاك من دون أن يتعرّض صاحب "المغامرة" لهول الغرق في الحياة العميقة. عالمان مختلفان، متقاربان، متباعدان. ومع ذلك يتشبث أحدهما بالآخر خوفاً من أن يموت وحده أو يحيا وحده. كل منهما جحيم وفردوس في آن. أو هكذا يخيّل إلينا ونحن نطمئن إلى أحدهما وننفر من الآخر. عالمان يقيمان على حد النصل. كيانان منفصلان، وما بينهما جغرافيا ملبّدة بالمناطق الداكنة، بالمتاهات الجائعة إلى تلقف الساقطين من هذا العالم أو ذاك.
توأمان لدودان لا يحترمان أواصر الأخوّة ولا حتى صداقة الدم. كتب عليهما أن يدور كل منهما في فلك نفسه. قدران متباينان، كلما فكر أحدهما بالتقّرب من الآخر، اشتعلت البغضاء بينهما فأعلنا حالة الاستنفار القصوى. القاسم المشترك بينهما، تعاهدهما على الطلاق الدائم ليحفظ كلاهما هويته النقية المطلقة. النثر يستقرئ العالم في رتابته المبتذلة. الشعر يسعى إلى خلط الأوراق وإعادة خلطها ليحدث تحوّلاً في شكل العالم ومضمونه. الأول يتوخى الهدنة، يتوق إلى التصالح مع العالم ولا يحتمل في طبعه، الانقلابات الحاسمة. الثاني متهوّر يرغب في حرق المراحل ليسبق التاريخ وهو يسطّر قوانينه ومبادئه الأبدية. بين هذا وذاك نزاع على كل شيء. أيهما أقدر على المصادرة والتملك. أيهما أكثر موهبة في صنع الإنسان من جديد. نثر مشرّع على إيحاءاته قد تبدو هذه التصورات من نسيج النصوص النثرية للشاعر محمود درويش في كتابه الصادر حديثاً عن "دار رياض الريّس للكتب والنشر"، بيروت 2007، بعنوان "يوميات الحزن العادي". وهو الطبعة الرابعة المنقّحة والجديدة لما كان سبق نشره في العام 1973. ومع ذلك، يستدرجنا الكاتب إلى فضاءاته الذاتية الملأى بالتساؤلات الصعبة والمدهشة وكأننا نقترب منها للمرة الأولى. نصوص نثرية بامتياز، غير أنها تتطلع، في طبيعتها، إلى ما يجعلها متفلتة من قوانين النثر الثقيلة. سبيلها إلى ذلك على الأرجح، انفتاح من دون شروط مسبقة، على الإيحاءات الداخلية للرؤية النثرية، وانفتاح خارجي على دلالات هذه الرؤية وتشكلها في ذهن القارئ وروحه. نصوص لا تشذ، في تكوينها، عن بنية النثر وهويته. لكنها تميل، بشكل أو بآخر، إلى التمرد على أشكاله التقليدية والانقلاب، كلما أمكن، على ذلك السياق المتوازن بين الوقائع في حقائقها الجامدة والتعبير عنها بالكلمات _ما هو الوطن؟ الخريطة ليست إجابة,وشهادة الميلاد صارت تختلف,لم يواجه أحد هذا السؤال كما تواجهه أنت منذ الآن والى أن تموت,أو تتوب أو تخون,قناعتك لا تكفي لأنها لا تغير ولا تفجر ولأن التيه كبير..ليست الصحراء أكبر من الزنزانة دائماً,. وما هو الوطن؟ليس سؤالا تجيب عنه وتمضي ,حياتك وقضيتك معاً.وقبل وبعد ذلك هو هويتك,ومن ابسط الأمور ان تقول:وطني...حيث ولدت..وقد عدت إلى مكان ولادتك لم تجد شيئا فماذا يعني ذلك؟ومن أبسط الأمور أن تقول أيضا:وطني حيث أموت.. ولكنك قد تموت في أي مكان وقد تموت على حدود مكانين فماذا يعني ذلك؟وبعد قليل...سيصبح السؤال أصعب. لماذا هاجرت....لماذا هاجرت؟منذ عشرين عاما وأنت تسأل:لماذا هاجروا؟ليست الهجرة إلغاء الوطن..ولكنها تحويل المسألة إلى سؤال ,لا تؤرخ الآن,حين تفعل ذلك تخرج من الماضي والمطلوب هو ان تحاسب الماضي,لا تؤرخ إلا جراحك لا تؤرخ إلا غربتك أنت هنا...هنا.. حيث ولدت وحيث يأخذك الشوق إلى الموت,وما هو الوطن؟ولكنك جزء من كل والكل غائب ومعروض للإبادة,ولماذا صرت تخشى القول:إن الوطن هو المكان الذي عاش فيه أجدادي؟لأنك ترفض ذريعة أعدائك,هكذا يقولون. _ماذا تعلمت في المدرسة؟ "سلام على العصفور العائد من بلاد الشمس إلى نافذتي في المنفى,أخبرني أيها العصفور عن حال أهلي وأجدادي". _والأغنية السابقه؟ ألغوها. _ماذا كانت تقول الأغنية التي ألغوها؟ عليك مني السلام يا أرض أجدادي ففيك طاب المقام وطاب إنشادي لا فارق كبير بين الأغنيتين,غير الفارق غير الحنين القادم من بعيد والحنين الطالع من قريب,كلتا الأغنيتين تعلن الحب للأرض ذاتها,وكلتاهما تحدد مفهوم الوطن بالانتماء للأجداد,الأولى_لشاعر يهودي عاش في روسيا والثانية_لشاعر عربي عاش في فلسطين وما رأى المنفى وما سمع به,بعد قليل تغلبت الأغنية الأولى على الثانيه وصار الشاعر الثاني يغني الحنين البعيد وصار الفتيان العرب الباقون في بلادهم محرومين من التغني بقصيدة شاعرهم ,وصار طريقهم إلى المستقبل مرهونا بإتقان الشاعر اليهودي الذي كان يقيم في روسيا,والمعلم العربي الذي يجرؤ على تلقين أغنية حب الوطن مطرود من العمل بتهمة التحريض على دولة إسرائيل وبتهمة اللاساميه,ثم كبرنا قليلا,فعلمونا ملاحم ذلك الشاعر الصعبه ,ولم نأخذ من المتنبي إلا"فيك الخصام وأنت الخصم والحكم" هم الخصوم والحكام. وهم الذين يحددون لنا"ما هو الوطن": "تخرج مع موسى من مصر هاربا,تضرب البحر بعصا,ينشق البحر,يمر بنو إسرائيل ثم يلتهم البحر أعدائهم,تبقى في صحراء سيناء أربعين عاما,تتصالح مع (....) ثم تعود." هم الخصوم والحكام. وهم الذين يحددون لنا "ما هو الوطن": "جلس تيودور هرتسل وفكر بمصيرشعبه المضطهد,ألف الفكرة الصهيونية التي هي الطريق الوحيد إلى أرض الخلاص الوحيد...لن يحقق اليهود ذواتهم ولن يقدروا القيام بتنفيذ الرساله التاريخية للبعث اليهودي إلا بالعوده إلى وطن الأجداد..إلى فلسطين" وحين تسأل المدرس عن مصير الشعب العربي الفلسطيني وعن وطنه,يهمس في أذنك أن تكف عن المخاطرة وعن التطاول على قدسية التاريخ,ولكن,حين يكون المدرس يهوديا يترجم لك ما قاله وايزمن في مجلس السلام في باريس عام 1919:"إن أرض إسرائيل يجب أن تكون يهوديه كما أن انجلترا انجليزية" وحين تلح عليه بالسؤال عن مصير العرب الفلسطينين يطمأنك وايزمن:"أن الصهيونيين لن يدخلوا أرض إسرائيل كالغزاة ,لن يطردوا أحداً". لن يطردواأحدا