اثارت صورة تم نشرها على شبكة الانترنت، لطفلة تحتضن دميتها وترتدي بدلة الزفاف، امتعاض ناشطات نسويات، اللواتي عدنها انتهاكاً لحقوق الطفولة. ويتضح مما نشر من تعليق مرفق مع الصورة ان الطفلة التي لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، تم تزويجها كـ (فصلية) لرجل يكبرها باربعين عاماً، لتسوية خلاف بين اسرتها واسرة الزوج الكهل.وسلطت الصورة للطفلة التي توضح تقاطيعها انها غير مدركة لما سيحل بها،
ان ظاهرة زواج القاصرات، لاسيما في وسط وجنوب العراق، الذي نستطلع بعض جوانبها عبر التقرير الاتي:
ستة عشر ربيعا هو عمرها، وزوجها تجاوز الستين عاما، ليس عن حب وانما زواج الاهل طمعا بالمال. بهذه العبارات قال صادق جابر وهو يراجع محكمة الاحوال الشخصية في المثنى لانجاز معاملة زواجه.واضاف جابر" هل ترى تلك الفتاة الصغيرة التي تمسك بيدها /عباءتها/ بطريقة بناتية، هي تلك التي يريدون تطليقها من زوجها، ذلك الرجل الكبير في السن صاحب /العقال والشماخ/. سألته.. ترى كم صورة في العراق نشبه هذه الصور ؟ تبسم قائلاً : الكثير الكثير، بعضها ظاهر للعيان،والآخر رهين الصمت.الصورة الاولى..لم يكن أمام (ن) بنت الثلاث عشرة سنة إلا إن توافق مكرهة على الزواج من رجل يكبرها بأكثر من أربعين سنة لتتحول أحلامها إلى كوابيس واقعية تواجهها.لم يكن لها رأي واضح، فأمرها بيد الاهل الذين قبضوا مبلغا من المال لقاء تزويجها من رجل لا توجد بينهما أية لغة تفاهم أو حوار، فالفارق العمري كبير.ولا تعرف (ن) شيئا من الحياة إلا العمل الشاق في البيت كونها دخلت حياة الرجل بصفة ضرة لزوجة أولى تسمى اصطلاحا (ام العيال) وهكذا أصبحت ذا عيون دامعة وجسد غض عليه آثار الضرب والعنف، حتى وصلت إلى الاعلام لكي تطلق صرختها من خلالها لكي تنادي بحق من هن على شاكلتها،وفتحت لنا خيوط هذا الملف الشائك.ويشهد المجتمع العراقي الكثير من هكذا قصص، حتى أصبحت هذه الحالة ظاهرة متفشية وإن كان لها جذور قديمة أو انها انتشرت بين المجتمعات الريفية، لكنها زحفت إلى المدينة أيضا.
الصورة الثانية..ويعزو الصحفي كريم مكي هذه الحالة إلى ثقافة المجتمع، ويقول " نحن نعيش في مجتمعات تغلب عليها العشائرية في كثير من الأمور، ولعل هذه الحالة من الحالات الموجودة فيه وتكثر في مجتمعنا ".ويضيف "يختلف التفكير بين زمن لآخر، حيث كان أجدادنا يتزوجون النساء بأعمار صغيره بغية إنجاب أكبر عدد من الأولاد لأمور عديدة وهم مقتنعون بها كأن يكون تقوية الأسرة وكثرة العدد لتقوية العشيرة بحيث تجد إن اغلب الأسر تصل أعدادها إلى أكثر من خمسة عشر شخصا من أولاد وبنات ".ويستطرد :" من جانب أخر هو التفكير السائد عند بعض الأسر التي تجد في البنت عبئا كبيرا عليها يجب التخلص منه بسرعة في بيت الزوج، كائنا من يكون، سواء متزوج او كبير او صغير او متعلم او جاهل او غني او فقير او مجنون او مريض.. المهم هو الخروج بحصيلة (التخلص)من هذا العبء ".ويتابع :" شاهدت حسب طبيعة عملي حالات عديدة بفرق العمر اللامعقول بين الزوج والزوجة والأسباب عديدة منها قلة الثقافة عند الطرفين، أي الزوجة والزوج، إضافة إلى أهليهم أيضا، كما ان هنالك الحالة المادية بالنسبة للطرفين أي إن حالة الزوج جيدة جداً والعكس عند الزوجة، فتجد الزوجة أو أهلها يريدون الخلاص من حالة الفقر بهذا الحل".ويسرد كريم الذي يعمل مصورا صحفيا، قصة حقيقية عايشها ويرويها قائلا " اذكر حالة كنت قريبا عليها حدثت في مجتمعنا السماوي، كانت هناك فتاة تقدم لها شاب من عائلة معروفة وقد حصلت الخطبة ولكن البنت لم تر الشاب المتقدم لخطبتها حسب ضوابط وأعذار معينة اخترعت من قبل بعض العوائل ".ويضيف " أتى يوم الزواج المرتقب بالنسبة إلى الإطراف، وربما ككل بنت، كانت تحلم بفارس الأحلام الذي يأتي بسيارة فاخرة بيضاء ويفتح الباب لها وهي مرتدية الفستان الأبيض الذي تحلم به، الا ان دخول البنت وعند دخولها (قفصها) الزوجي فوجئت بأن فارس أحلامها (معاق) ". واشار الى ان البنت اتجهت إلى أهلها فأجبروها ان تقبل، فلجأت إلى الانتحار للتخلص من هذا الكابوس، لكن القدر وقف ضدها ولم تنجح حتى عملية الانتحار.ويقول المواطن قاسم ابو احمد (50 عاما) " ان اغلب رجالنا عندما يصبحون ميسوري الحال، يفكرون بشيئين هما السلاح والزوجة الثانية بشرط ان تكون صغيرة، وهذا يأتي من ثقافة المجتمع، وهنالك من النسوة من توافق وهنالك التي تجبر على هذا الامر ".ويضيف /ابو احمد/ الذي يسكن قضاء الرميثة "هنالك عوائل تقوم بالمساومة على حساب بناتها وتتحول العملية إلى أشبه بالبيع والشراء، وهنا هم يقدمون على جعل بناتهم على الطريق المسدود الذي لا رجعة فيه ".ويؤكد " ان الكثير من هذه النسوة وبسبب الضغط وسوء الاختيار، يقدمن على الانتحار أو الهروب من البيت إلى المجهول بسبب الضغط النفسي، وهذا كله يأتي بسبب الاعراف والتقاليد البالية التي تتحكم ببعض من مكونات المجتمع العراقي".ويتابع :" وهنا لابد من وجود إجراءات فعلية حتى تتم السيطرة على هذه الظاهرة والحد منها حتى لا يتعرض المجتمع إلى الانحدار والانهيار الذي لا تحمد عقباه ".
رأي المجتمع المدني..ويشير مراقبون ونشطاء بمنظمات المجتمع المدني إلى أن زواج الفارق العمري، يكون فيه توافق مرة، ومرة اخرى لا يشهد أي تفاهم أصلا. وتقول الناشطة ساهرة عبد الامير "هنالك العديد من الفتيات يقبلن بهذا الامر وذلك بسبب الكبت المنزلي والضغط البيتي الذي يحيل حياة الفتاة إلى جحيم، وهنا تضطر إلى القبول بنية التغيير إلا أنها تصطدم بواقع مرير أيضا وتتحول إلى ضحية جديدة لا تعرف طريقا آخر ".وتضيف " نحن ندعو إلى ضرورة تشريع قوانين للحد من هذه الظاهرة، وإن كان المشرع العراقي قد شرع قوانين لهذه الحالات، ولكن لابد من تثقيف للعوائل العراقية للحد من تعاظم هذه الظاهرة التي تحول الفتيات إلى ضحايا ".زواج غير مكتمل..ويوضح عضو نقابة المحامين العراقيين / فرع المثنى الحقوقي حازم الصفار " ان الزواج قائم على صيغة عقد، شرطه قبول الطرفين، وإذا تمت الموافقة تم الزواج وفي حال عدم اكتمال الشروط فيكون الزواج غير مكتمل ".ويقول " ان هذه الظاهرة بدأت تنحسر لكن دعونا نتحدث عن الزواجات المبكرة لكلا الطرفين حيث توجد اليوم حالة زواج لزوجين لم يكملا سن الثامنة عشر عاما والنتيجة دائما هي الطلاق والتفريق، وهنا لابد من تأشير علامات على هذه الظاهرة فنسبة الطلاقات قد تجاوزت الحد المعقول وهذه مشكلة كبيرة تواجه مجتمعنا اليوم ".داخل المحكمة..وللتقرب اكثر من هذا الملف وتصفح أوراقه، كان لابد من التوجه إلى محكمة الاحوال الشخصية في السماوة التي رحبت بالفكر.
واكد القاضي جابر حسين الميالي المختص بقضيا الزواج، أن هذه الظاهرة موجودة في المجتمع ومنتشرة بشكل كبير وأن اغلب هذه الزيجات تعقد خارج المحكمة وبعد فترة يتم تسجيلها في المحاكم المختصة.ويقول " نحن كقضاة عندما ترد لنا هكذا حالات نستفسر من المرأة المراد تزويجيها، هل انت موافقة أم إنك مجبرة على هذا الامر، وبعد التأكد من الموافقة نجري العقد بحسب الضوابط واذا كانت غير راضية أو تلمسنا انها مجبرة على ذلك، نرفض الموضوع جملة وتفصيلا لان هذا الامر مخالف للشريعة والقوانين ".ويظهر سجل العقود الرسمية ان الكثير الصغيرات تزوجن إن كان من كبار السن أو ممن هو قريب من عمرها.
المصدر