من أعظم الديانات التي أشارت للبيئة وحمايتها كمبدأ خلقي لكل مسلم هو الدين الإسلامي ، حيث حمل الإسلام الإنسان المسؤولية الكاملة للحفاظ على كل مايحيط به على حد سواء أيا كان موقعه ومكانته الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية ، لقوله صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "، ومن أهم محاور الحفاظ على البيئة في الإسلام جميع عناصرها ، وفيما يلي عرض لأهم العناصر التي دعى الإسلام بالمحافظة عليها

1-الصحة وحماية البيئة الاجتماعية :

كنظافة الطرق وحماية الناس من أي أذى معنوي أو جسدي وقد أوضح صلى الله عليه وسلم ذلك التوازن بقوله :" الإيمان بضع وسبعون أو بضع وسبعون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان."[1] صحيح مسلم 463

وأمر الله تعالى بالنظافة ونشر الروائح الجميلة فقال " إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة ،كريم يحب الكرم ،جواد يحب الجود ، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود" .

2 الصخب والضوضاء :

فنهى الإسلام عن الصخب والضوضاء والأصوات والمؤذية فقال تعالى : "واقصد في مشيك وأغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير. "[2] لقمان الآية 19

3- الغلاف المائي :

خلق الله تعالى الماء ففي قوله تعالى :" أفرئيتم الماء الذي تشربون 68 أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون 69 ولو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون "[3] الواقعة 68 -69.

وقوله : " أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا تؤمنون " .[4] سورة الأنبياء، الآية 30

وقد منع الإسلام تلويث الماء الراكد أو الجاري من قبل الأفراد والجماعات ونهى عن تلويث موارد البيئة عامة بقوله : " اتقوا الملاعن الثلاثة ، البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، الظل " سنن النسائي 140.

وأوصى الإسلام بالاعتدال في استخدام الموارد لأن الإسراف والتبذير فيها يزيد من مشاكل تدهور البيئة .

حيث قال تعالى : " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ، ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " الفرقان 67 .[5]

وقال صلى الله عليه وسلم لسعد وهو يتوضأ ماهذا السرف ياسعد ، قال أفي الوضوء سرف ، قال نعم وإن كنت على نهر جار " سنن النسائي 4370

وسئل أعرابي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فأراه صلى الله عليه وسلم ثلاث ثلاثا، ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد عن هذا فقد أساء وتعدى وظلم " .سنن أبي داوود 4574

فأن كان الوضوء سرف وهو مدخل للعبادة ، فكيف بالإسراف والتبذير الذي يتعدى حدود الحلال والذي ينفذ بشكل واسع عن كثير من الأمم على مستوى الأفراد والجماعات والدول .

4-الصحة العامة :

إن تلويث البيئة الطبيعية أمر خطير في نظر الإسلام حتى ولو كان على مستوى فردي محدود ، فقد حرم الإسلام كل ما يؤذي صحة الفرد العقلية أو الجسمية أو النفسية ، فحرم الخمر والمخذرات وكل الخبائث ، ودعي إلى الطيبات من الرزق والاهتمام بالنظافة الجسدية ، ففي القرآن الكريم آيات قرآنية تؤكد على الصحة العامة للإنسان تضع هذه الآيات القواعد الأساسية للحفاظ عليها ، وهي الآيات 31-34 من سورة الأعراف .(*)

5-الثروة الحيوانية :

أمر الإسلام بالعطف على الكائنات الحية الأخرى بالرغم من أن الله عز وجل قد كرم بني أدم من بين مخلوقاته في قوله :" ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا "سورة الإسراء الآية 70.

لكنه حرم العبث بمخلوقاته جمادا كانت أم حيوان أو نباتا ، فجميع مكونات الكون تسبح بحمده ، لقوله :" تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا " . الإسراء الآية 44.

لذلك فإن من قتل حيوانا عبثا سيحاسب عليه يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم :" من قتل عصفورا عبثا ، عج إلى الله عز وجل يوم القيامة يقول : يارب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة " سنن الدرامي 1915،وفي ذلك حماية لمكونات البيئة وحفاظا عليها من الانقراض. .[6]

فهنا نتساءل عن عدد الحيوانات والكائنات التي ماتت بفعل الاستنزاف المجحف للدول في حق البيئة لتلبية متطلباتها التنموية .

6-الثروة النباتية :

لقد خلق الله تعالى النبات وجعله من مستلزمات حياة الإنسان ، وقد أولى الإسلام الزراعة أهمية خاصة لدورها الأساسي في حماية البيئة الطبيعية ، وجعل الاهتمام بها عبادة فقال صلى الله عليه وسلم :" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل "

، فهل هناك شيء أبلغ من هذا وأكثر نفعا لحماية موارد الأرض النباتية وإغنائها

وكذلك من قطع جزءا من شجرة أو نبات ظلما عذبه الله بفعلته تلك، بقوله صلى الله عليه وسلم " من قطع سدرة ، صوب الله رأسه في النار " .

فمعنى هذا الحديث من قطع شجرة تستظل بها الكائنات عبثا وظلما يدخل الله رأسه في النار يوم القيامة [7].

بالإضافة لمختلف هذه المجالات البيئية التي نظمها الدين الإسلامي ، تجدر الإشارة إلى أنه وردت العديد من الآيات والأحاديث ، التي توضح إستراتيجية السلوك والإدارة البيئية ومقاومة التصحر والاهتمام بالتنوع البيولوجي ، والطبيعة وعدم الإهدار بمواردها ، ومن تلك الآيات ما ورد في سورة الأعراف

" واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا ، وتنحتون الجبال بيوتا ، فاذكروا ألاء اله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ". الآية 74

وفي سورة النحل الآية 14 :" وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبلغوامن فضله ولعلكم تشكرون ".

وفي سورة الأعراف الآية 21 :" وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " .

إذن حث الإسلام على الاهتمام بمختف الجوانب التي ترتبط بالبيئة وعلاقتها بالإنسان ، وأساليب المحافظة عليها واستغلال الموارد الطبيعية استغلالا حسنا بلا استنزاف وإسراف أو تلويث .[8]

لذا فديننا وضع مبادئ صارمة للحفاظ على البيئة ، واستدامتها.

من خلال التعرف على مفهوم البيئة في الإسلام ، يتجلى لنا أن الإسلام وضع قواعد ومبادئ لحمايتها وعمل على احترام مكونات البيئة ، وأعطى معلومات عن التربية البيئية والتنمية المستدامة ، التي نستشف الإشارة إليها في بعض الأحاديث النبوية وفي القرآن الكريم ، في وقت لم تكن البيئة تعاني من ضغوط ومشاكل كما في الوقت الراهن ، لذا كل هذا يجعل الإنسان المسلم يقدر البيئة الإنسانية والطبيعية ، ويقيها من التدهور والدمار ، ويحقق الأمن والسلام على الكرة الأرضية

حيث نجد أن رسالة الإسلام ،قد اهتمت عن طريق التربية بتنظيم العلاقة بين مكونات البيئة فوضعت الضوابط لمعاملة الإنسان وبين موارد الأرض والسماء ، ودعت إلى حمايتها والحفاظ عليها وتنميتها واستخدمت لتحقيق تلك الغايات تربية شاملة تمتد مدى الحياة ، للوصول إلى هندسة سلوكية لإنسان متكامل يحمل حسا بيئيا سليما وعميقا ، لارتباطه الدائم مع خالق البيئة ومصمم قوانينها .
منقول