عينان تتكلّمان
نظرتك تسلبني الرّاحة و تأخذ منّي لحظات الانفراد بنفسي..وصرت لا أستطيع أن أنسجم مع ورقة ولا مع قلم وأنت غائبة عن مفرداتي.. أمّا قاموسي فتسودّ اوراقه إن لم يتضمّن معانيك ومرادفات لاسمك.. ولا يمكن أن تستقيم جملة اسميّة لست مبتدءا فيها ولا جملة فعليّة لست القائمة بالفعل داخلها. حزت على مشاعري هذا الصّباح وكلّ صباح، وصرت أحلم بعينيك ترمقانني أو تناديانني او تكلمانني أو تلومانني أو ...المهمّ أن أكون موضوعا تبنّته عيناك . سأحاورهما وأصبر على لومهما وأعترف بكلّ الأخطاء حتّى ولو لم أكن مرتكبها.. وأصغي لكلّ حرف لأجعل منه بيت شعر وقصيدة تبلغ السّامع والأصم حتّى يراك النّاس ولو من خلال حرف أعتذر ان كنت قد أخطأت رسمه أو تأخرت في نشره . سأستجيب لنداء عينيك وانسج منه لحنا وأغنية يصلان السّحاب فيأتي أمطارا تسقي الأرض القاحلة وتغسل الأدران من شوارع مدينتي و كلّ مدن الدّنيا كي لا أرى نصف دمعة تشوّه بهاءهما. سلمت وسلمت أناملك النّاعمة فحتّى الجبل وهو الشّامخ منذ ولادته انحنى احتراما وتقديرا لجهدك و أنت الصّغيرة حجما وقوّة و صوتا..والصّباح أظنّه انتظر حتّى تطلّي ليبتسم ويبعث بنوره..فكيف لي وأنا موضوع نظراتك ألاّ تنفجر مشاعري، وتنهمر العبارات من قلمي كأنّها الدّموع تبحث لك عمّا يرضيك ويوفيك مقامك . للّه درّ تقاسيم وجهك تتسمّر لرؤيتها أقدام المارّين حذوك.. وتحتار في توصيفها وتفسيرها حكمة الفلسفة.. أجد فيها خلق بديع تصعب محاكاته.. وتعابير من خبر الدّنيا و دروبها.. أسبح في ذاكرتي باحثا عن كتب رسمت الطّفولة وتلقائيتها فلا أعثر عن أثر جمع بين صورتك ومن بهم تحدّث.. هذه أنت يا ابنة الكوخ وحزمة الحطب ودخان ارتسمت آثاره على كلّ شيء إلاّ وجهك. نعم تلك هي أنت يا ابنة الجبل بعثت في الخواء صورة وحركة وأصواتا فبات حياة تتجلّى ولها صدى يملأ أرجاء الكوخ الّذي سكنته . دغدغت شفاها مطبقة من أثر الحزن والفاقة فتكلّمت وابتسمت . وانعكست صورة ونورا في أعين الكوخ فأضاء وتهلّلت أركانه وأعمدته . قفي واثقة لا تتراجعي فصورتك وصلت وصوتك سوف يعلو وتتحرّق شوقا لسماعه كلّ أذن . لا تخجلي من كوخك الصّغير فهو مهدك وهو بك قصر بديع وسيكون له شأن مهيب .
رشدي الخميري