سليمان بن يسار أحد فقهاء المدينة السبعة، وفقيه جيل التابعين، وإمام المدينة وعالمها ومفتيها، كان ورعًا تقيًا، غزير العلم، كثير العبادة، زاهدًا في الدنيا، راغبًا في ثواب الله تعالى.
نسبه ونشأته
هو الإمام أبو أيوب، وكان يكنى بـ "أبو عبد الرحمن" و"أبو عبد الله المدني"، كان أبوه يسار فارسيا مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وعمل سليمان كاتبا لأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وهو أخو عطاء بن يسار، وعبد الملك وعبد الله، ولد في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه العام 34هـ.
من علماء الناس
كان سعيد بن المسيب سيد الفقهاء في عصره إذا سأله أحد، يقول له: اذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقي اليوم، وقال الإمام مالك عنه: كان سليمان بن يسار من علماء الناس بعد سعيد بن المسيب، وكان كثيرًا ما يوافق سعيدًا، وكان سعيد لا يجترئ عليه.
وقد أثنى عدد كبير من العلماء والفقهاء والمؤرخين على سليمان بن يسار، لغزارة علمه، وتفقهه في أمور دينه، ودوره الكبير في خدمة الإسلام، فقال الإمام الزهري: كان من أفاضل العلماء.
وقال أبو الزناد: كان ممن أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ممن يرضى وينتهى إلى قولهم، سعيد بن المسيب، وعروة، والقاسم، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار.
وقال الحسن بن محمد بن الحنفية: سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب، وقال الواقدي عن عبدالله بن يزيد الهذلي، سمعت سليمان بن يسار يقول: سعيد بن المسيب بقية الناس، وسمعت السائل يأتي سعيد بن المسيب، فيقول: اذهب إلى سليمان بن يسار، فإنه أعلم من بقي اليوم، وقال ابن معين: سليمان ثقة، وقال أبو زرعة: ثقة مأمون فاضل عابد، وقال النسائي: أحد الأئمة، وقال ابن سعد:كان ثقة، عالما، رفيعا، فقيها، كثير الحديث، وعن قتادة قال: قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها بالطلاق، فقيل: سليمان بن يسار.
يصوم الدهر
وأسند سليمان أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة، وابن عمرو، وابن عباس، وأم سلمة وعدد كبير من الصحابة، وعرف عن سليمان بن يسار أنه كان يصوم الدهر، وكان أخوه عطاء يصوم يوما ويفطر يومًا.
ورعه وخشيته من الله
وذات مرة خرج سليمان بن يسار من المدينة ومعه رفيق له حتى نزلوا بالأبواء، فقام رفيقه فأخذ السفرة وانطلق إلى السوق يبتاع لهم وقعد سليمان في الخيمة، وكان من أروع وأجمل الناس وجها، فبصرت به أعرابية من قمة الجبل، وهي في خيمتها فلما رأت حسنه وجماله انحدرت وعليها البرقع والقفازان، فجاءت بين يديه فأسفرت عن وجه لها كأنه فلقة قمر، فقالت: أَهبتني؟ فظن أنها تريد طعامًا، فقام إلى فضل السفرة ليعطيها، فقالت: لست أريد هذا إنما أريد ما يكون من الرجل إلى أهله.
فقال: جهزك إليَّ إبليس، ثم وضع رأسه بين كُميه، فأخذ في النحيب فلم يزل يبكي. فلما رأت ذلك سدلت البرقع على وجهها ورجعت إلى خيمتها، فجاء رفيقه وقد ابتاع لهم ما يرفقهم، فلما رآه وقد انتفخت عيناه من البكاء وانقطع حلقه قال: ما يبكيك؟ قال: خير، ذكرت صبيتي، قال: لا إن لك قصة، إنما عهدك بصبيتك منذ ثلاث أو نحوها، فلم يزل به رفيقه حتى أخبره بشأن الأعرابية، فوضع السفرة وجعل يبكي بكاء شديدًا، فقال له سليمان: أنت ما يبكيك؟ قال: أنا أحق بالبكاء منك، قال: فلما؟، قال: لأني أخشى لو كنت مكانك ما صبرت عنها، قال: فما زالا يبكيان، قال: فلما انتهى سليمان إلى مكة وطاف وسعى، أتى الحجر، واحتبى بثوبه فنعس، فإذا رجل وسيم جميل له شارة حسنة ورائحة طيبة، فقال له سليمان: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا يوسف بن يعقوب، قال: يوسف الصديق؟ قال: نعم، قلت: إن في شأنك وشأن امرأة العزيز شأنًا عجيبًا، فقال له يوسف: شأنك وشأن صاحبة الأبواء أعجب.
وفاته
وبعد حياة طويلة حافلة بالعطاء والجد والجهد في خدمة الإسلام وقرآنه العظيم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، توفي سليمان بن يسار سنة 107هـ، وقيل سنة 103هـ، وهو ابن 73 سنة.
أحمد مراد