نعيم عبد مهلهل
احترقت مكتبة ماكنزي ، أثر غابر لجمالية الثقافة وتحضرها . ويبدو اننا نلاحق امكنتنا الجميلة بالمراثي والدموع ، فحين تحترق المكتبات يعود هولاكو ثانية يبتسم مع هذا الحشد المرقط الذي يوجه قنابل الدخان والمطاط لصدور البشر وأمكنة التراث .
إشكالية لا تمتلك حلاً .ولكنها تمتلك رثاء فقط .
يتفق معي أي أنسان متحضر ومثقف أن تأثير المكتبة في حياة الانسان كما تأثير القلب في الجسد ، وعلى حد رؤيا لويس خورخي بورخيس وهو يتطلع الى رفوف مكتبته فيحسها السلالم الأقرب الى السماء.
ونعرف من التأريخ في بلدنا أن أول ملك عاشق للمكتبة هو الملك الاشوري (أشور بأنيبال) صاحب أكبر مكتبة ألواح طين في التأريخ ، وكان يوصي ولاته وسعاته في مدن الدولة : التقطوا أي لوح نافع في علمه وادبه واشتروه.
أضع تلك المقدمة لهاجسي الحزين على ضياع واحدة من مكتبات العراق (ماكنزي) التي تقع في شارع الرشيد (المهدم) في قلب بغداد والذي كان ينبض بعطر القهوة البرازيلية ورائحة الكتب والنعناع ومحلات الموضة والمسارح والسينمات وزحام ( أورزدي باك ) وليتحول اليوم وبقدرة قادر الى شارع لبيع المولدات الكهربائية ومستلزمات إطفاء الحرائق والأدوات الكهربائية وبيع الاقفال والبراغي.
مكتبة ( ماكنزي ) التي أسسها مُحب الكتب والثقافة الاسكتلندي في شارع الرشيد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والتي أسست بداية لقيا الوعي الاكاديمي والمكتوب والورقي بين الثقافة العراقية والانكليزية ، واستقطبت عقولاً ومبدعين عراقيين شباباً كانوا يحلمون بتطوير هذا البلد من غفوته العثمانية الطويلة.
فدخل عبر ماكنزي هاملت والملك لير وفرجينا وولف وأساطير قصور وقلاع ويلز وايرلندا واسكتلندا وفكاهات برنادشو والكثير من الفكر المعرفي الأوروبي.
وحين توفي مؤسسها السيد كينث ماكنزي عام 1928 إثر جلطة دماغية أصابته داخل المكتبة أورث المكتبة الى ابنه (دونالد ماكنزي) ليديرها . الذي طورها وأضاف الى رفوفها معرفيات جديدة تهم الفكر الماركسي وثقافة النهضة المصرية الحديثة ومنها مؤلفات سلامة موسى ومحمد عبده وقاسم أمين.
كانت ماكنزي مصدراً للمعرفة الاوروبية وباللغة الانكليزية حصراً وظلت تلعب دورها هذا في خدمة طالبي العلم والثقافة حتى إغلاقها عام 1977. وتسليمها الى رجل عراقي لا تعرف ظروف حصوله عليها الى اليوم.
مختصر كل هذا ( ماكنزي ) شاهد آخر على القصد السيئ في محاولة تهديم المعالم الحضارية للعراق وطمس هويته التاريخية من خلال دفع اجياله الى نسيان ما يجعلها تفكر بنهضته من جديد.
هذا جزء من إهمال دولة .وعدم احترامها للموروث أياً كان جذوره. .
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا