يحصد الأديب الفائز بجائزة نوبل على أكثر من مليون دولار، فكيف ينفق هذا المال؟
Andre Geim
Elfriede Jelinek
Konstantin Novoselov
بعد فوزها بجائزة نوبل للأدب عام 2004، قالت النمساوية (إلفريدي يلينيك - Elfriede Jelinek) في مقابلة إن الجائزة تمثل لها "الاستقلال المادي". في حين رأى (أندريه جيم - Andre Geim)، الذي تقاسم جائزة نوبل للفيزياء مع (كونستانتين نوفوسيلوف - Konstantin Novoselov) عام 2010، أن الجانب المالي للجائزة هو موضوع استفزازي.
وقال حينها: "لا أعرف أيّ حائز على نوبل يعتبر الجانب النقدي للجائزة يستحق الذكر. لكن مع ذلك، قابلت بعض الأشخاص الذين يبيعون أرواحهم، وتركوا جانباً الجدة أو الحظ، للحصول على الجائزة".
قد يكون الاختلاف بين يلينيك وبين جيم في مقاربتهما للجانب المالي للجائزة، يرجع إلى مستواهما المادي قبل فوزهما بها. فالكثير من الأدباء يعيشون حياة مادية متواضعة، مهما اختلف حجم مبيعات أعمالهم، مقارنة بما يحقّقه غيرهم في مجالات العمل الأخرى. وهو ما أشارت إليه آنا غاندر، خبيرة الأدب في نوبل في جامعة أوبسالا، في مقال بعنوان (كيف ينفق الحائزون على جائزة نوبل أموالهم؟)، قائلة: "حتى إذا كان المؤلفون الحائزون على جائزة نوبل معروفين جيداً، فإن الكثير منهم لن يجني أموالاً كثيرة من الكتابة".
ولما كان بعض الأدباء يتعاملون مع الجائزة باعتبارها قيمة مالية تؤمِّن لهم العيش؛ يبقى السؤال قائماً حول الطريقة التي ينفقون فيها هذا المال!
كيف ينفق الأدباء أموالهم؟
Samuel Beckett
Albert Camus
في الوقت الذي يؤكّد فيه لارس هايكنشتاين، المدير التنفيذي لمؤسّسة نوبل، أنه لا توجد اتجاهات واضحة للتسوّق بين الفائزين، معتقداً أن الأمر "يرجع إلى طبيعة البلد الذي ينتمي إليه الفائزون، أو أرصدتهم المالية الشخصية قبل حصولهم على الجائزة"، كان المتحكّم في تصرّف ألبير كامو (Albert Camus) بقيمة "نوبل" عامل آخر.
فعندما فاز بنوبل عام 1957، كان ثاني أصغر الفائزين بين الأدباء. لكن صاحب "الغريب" لم يسرّه ذلك، معتبراً أنه حصل على الجائزة قبل الأوان، وأن تلك هي نهايته الأدبية، لا سيما أنها تُمنَح تقليدياً للمؤلفين قرب نهاية مسيرتهم المهنية.
كان كامو يعاني اكتئاباً شديداً، لا سيما بعد خسارة الكثير من أصدقائه بسبب السياسة، وأيضاً بسبب مقال كان قد كتبه في العام 1951، ينتقد فيه كل من الاتحاد السوفياتي واليسار الفرنسي؛ فقد على إثره الباقي من أصدقائه، إضافة إلى سوء حاله الصحية وخوفه أن يموت قبل الانتهاء من أعماله، كل ذلك جعله يستخدم جزءاً من أموال "نوبل" في شراء منزل في بلدة صغيرة، كملجأ من باريس، حيث يمكنه الكتابة في شبه عزلة، إلا أنه ظل يعاني من نوبات القلق والذعر، حتى توفى في حادث سير عام 1960.
لم يكن كامو الوحيد الذي وجّه أموال الجائزة إلى شراء منزل. ففي مقال نشرته صحيفة "الغارديان" اشارت إلى أن الكاتب المسرحي الأميركي (أوجين أونيل - Eugene O'Neill)، الحاصل على "نوبل" عام 1936، استخدم المال في بناء منزل على الطراز الآسيوي في كاليفورنيا، حيث كتب بعض أشهر مسرحياته، وأضافت أن الأيرلندي (صموئيل بيكيت -Samuel Beckett) عندما فاز بجائزة نوبل عام 1969؛ فعل ما هو أكثر عبثية من أعماله المسرحية، إذ قام بتقسيم الجائزة على أصدقائه.
أما المصري نجيب محفوظ، الحاصل على الجائزة في 77 من عمره، فلم يكن ممَن يملكون قدراً كبيراً من المال. عاش موظفاً بسيطاً في وزارة الأوقاف المصرية، إلى جانب مناصب أخرى تولاّها، حتى حصل على "نوبل" في العام 1988، والتي قدّرت بمليون دولار أميركي تقريباً.
وحسبما ذكر جمال الغيطاني في كتابه «المجالس المحفوظية»، أنه عقب حصول محفوظ على الجائزة، قسّم قيمتها بينه وبين زوجته وكريمتيه بالتساوي، بحسب الشريعة الإسلامية، ثم تبرّع بالجزء الخاص به إلى مرضى الفشل الكَلوي، فقد كان يعذّبه أنها مكلفة للغاية في مصر، ولا يستطيع الكثيرون تحمّل نفقاتها.
للكتّاب الروس رأي آخر
Aleksandr Solzhenitsyn
Ivan Bunin
Joseph Brodsky
Mikhail Sholokhov
Boris Pasternak
لم يكن حصول أديب روسي خلال فترة حكم الاتحاد السوفياتي على الجائزة سبباً في سعادته، لا سيما وأن بلاده كانت تتّخذ موقفاً "معادياً" من الجائزة، حتى أن ثلاثة من خمسة أدباء فازوا بها تم نفيهم، لذلك جاء تعاملهم مع القيمة المالية لـ"نوبل" مختلفاً بعض الشيء.
فقد نشر موقع "أنكور" السويسري، أن (إيفان بونين - Ivan Bunin)، الفائز بالجائزة عام 1933، كان في المنفى وقتما حصل عليها. وقد تلقّى 715000 فرنك فرنسي، إلا أن رغبته لم تكن عملية للغاية، إذ خصّص بعض نفقاته للترفيه، وقدّم شيئاً منها لزملائه والمهاجرين أيضاً، كما أشار الموقع إلى أن بونين استثمر مبلغاً في "أنشطة مشكوك فيها"، من دون أن يوضح طبيعة تلك الأنشطة.
المقال الذي حمل عنوان "كيف ينفق الكتّاب الروس جوائز نوبل؟"، قال إن (بوريس باسترناك -Boris Pasternak) عندما فاز بالجائزة عام 1958، تم ربطها بكتابته لــ "دكتور جيفاغو"، مضيفاً أنه "عندما علمت الحكومة السوفياتية بذلك، بدأ تضطهد الكاتب، ليضطر إلى بعث برقية إلى الأكاديمية السويدية يعلمهم فيها أنه لن يتمكّن من قبول الجائزة".
وتم الاحتفاء بباسترناك في حفل نوبل الذي عُقد بعدها، وتم حفظ جائزئه وميداليته الذهبية ولفافة الجائزة الجلدية، في حال حظي في أحد الأيام بفرصة قبولها. إلا أنه لم ينجح حتى فعل إبنه ذلك عام 1988.
لعل (ميخائيل شولوخوف - Mikhail Sholokhov) الحاصل على الجائزة عام 1965، كان الكاتب الوحيد الذي وافقت الحكومة السوفياتية على فوزه بها، ويرى البعض أن بيان الكاتب الفرنسي (جان بول سارتر-Jean-Paul Sartre)، الذي رفض فيه الجائزة، معبّراً عن أسفه لأن الجائزة السابقة لم تمنح لشولوخوف، أثّر على لجنة "نوبل"، فمنحته إياها في العام التالي.
وبشأن سُبُل إنفاقه لقيمة الجائزة؛ يؤكّد موقع "أنكور" حصول شولوخوف على 62 ألف دولار، أنفق معظمها على السفر مع أطفاله حول العالم. كما اشترى هدايا لجميع أصدقائه من البلدان التي زارها، وأيضاً تبرّع بالمال لبناء ناد ومكتبة في منطقة روستوف.
لكن عندما فاز (ألكسندر سولجينيتسين - Aleksandr Solzhenitsyn) بالجائزة، عام 1970، عادت الحكومة الروسية إلى رفضها لـ"نوبل"، حتى أن سولجينيتسين تعرّض لمحاولة اغتيال بحقنه بمادة سامة، لكنه نجا. ومن ثم تم وضع الأموال التي تلقّاها في البنوك الغربية، حيث تم الاحتفاظ بها لعدّة سنوات. وفي وقتٍ لاحق، هاجر الكاتب إلى الولايات المتحدة، وخلال هذه الفترة، اشترى قصراً في إحدى الولايات – حسبما جاء في موقع "أنكور".
أما الشاعر (جوزيف برودسكي - Joseph Brodsky)، فكان آخر الروس الفائزين بالجائزة، وذلك في العام 1987، وكان وقتها مشهوراً خارج حدود الاتحاد السوفياتي. لذلك، لم تتمكّن الحكومة من معارضة قرار اللجنة. كما كان يعيش في الولايات المتحدة وقتما تلقّى الجائزة، إلا أنه أوضح أنها منحت للأدب الروسي ومواطن أميركي، وبشأن أموال "نوبل" أكّد موقع "أنكور" أنه قرّر فتح مطعم روسي في أميركا، وتحديداً في نيويورك مانهاتن.
بعض الفائزين يطلبون الدفع على أقساط
Lars Heikenstenبقي لنا أن نعرف الطريقة التي يحصل فيها الفائزون على القيمة المالية للجائزة، وبشأن ذلك يشير لارس هايكنشتاين، المدير التنفيذي لمؤسّسة نوبل، في مقال نشر في صحيفة "الغارديان"، إلى أنهم لا يحصلون عليها خلال حفل التقديم في ستوكهولم، فما يتم في الحفل، هو تسلم الميدالية الذهبية والدبلومة التي يمنحها ملك السويد.
ويوضح هايكنشتاين أن الفائزين يأتون إلى مكتبه في صباح اليوم التالي، واحداً تلو الآخر، "ويحصلون على الميداليات والشهادات، ويحصلون على فرصة للجلوس على كرسي ألفريد نوبل"، مشيراً إلى لحظة أخرى مهمة في حياة الفائز، وهو التوقيع في دفتر الفائزين، حيث يتمكّنون من رؤية أسماء مَن سبقوهم، مضيفاً: "يستطيع الفيزيائيون رؤية إسم أينشتاين على سبيل المثال".
واستكمالاً لكلامه، يؤكّد المدير التنفيذي لمؤسّسة نوبل، أنه بعد ذلك يتحدّث مع الفائزين بشأن الطريقة التي يريدون بها أموالهم، مختتماً: "بالنسبة إلى معظمهم، يكون ذلك عن طريق التحويل المصرفي البسيط، رغم أن بعض الفائزين يطلبون الدفع على أقساط، ليتم توزيعها على نحو عامين تجنباً للضرائب".