صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11
الموضوع:

في ماهية الأدب التفاعلي

الزوار من محركات البحث: 1888 المشاهدات : 5543 الردود: 10
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: July-2010
    الدولة: العراق بلد الانبياء
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 5,846 المواضيع: 443
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 883
    مزاجي: متفائل
    المهنة: معلم جامعي
    أكلتي المفضلة: الحلويات
    موبايلي: صيني
    آخر نشاط: 31/August/2022
    الاتصال:

    في ماهية الأدب التفاعلي

    في ماهية الأدب التفاعلي
    د. فاطمة البريكي
    يتميز الأدب، في أي أمة من الأمم، بقدرته على التغلغل في جميع مسارب الحياة، وطواعيّته للتأثر بما قد يستجدّ في أي جانب من جوانبها، حتى الجوانب التي تبدو شديدة البعد عنه، ويظهر البون شاسعًا بينه وبينها. ولا عجب في ذلك؛ فالأدب هو اللسان الناطق باسم الشعوب، وحلقة الوصل بين الحضارات المختلفة، وهو قبل كل هذا وذاك، وسيلة التعبير عن المجتمع المنتِج له، والتي يجب أن تكون شديدة الحساسية للتغيرات التي تطرأ على المجتمع، لتتمكن من التعبير بدقة وأمانة عنه، وأن تكون ممثلة له، أفقيًا، أمام الشعوب والحضارات الأخرى المعاصرة، ورأسيًا، أمام الأجيال اللاحقة من المجتمع نفسه، أو غيره.
    وقد بدأت التكنولوجيا الرقمية الحديثة تفرض نفسها على جميع مناحي الحياة منذ عقود، وأخذ إيقاعها الرقمي يتزايد في السنوات العشر الأخيرة ربما على نحو أشدّ وطئًا من ذي قبل، وصار جميع أفراد المجتمع، أي مجتمع، رقميين أو متأثّرين بالرقمية في معظم أمور حياتهم، وأصبح هذا الطارق الجديد مقبولا، بل مرحبًا به، من معظم فئات المجتمع الاجتماعية والأكاديمية والعمرية.. إلخ، إذ لا نكاد نجد معارضين حقيقيين لدخول التكنولوجيا الرقمية في جميع شؤون الحياة، بعدما أصبحت الحياة أسهل بوجودها.
    ولعلّ أهم ما قدمته التكنولوجيا الرقمية في العصر الحديث كان على مستوى الاتصالات والثورة المعلوماتية المتمثّلة في شبكة الإنترنت. وهذه الشبكة، في أبسط تعريف لها، هي أكبر شبكة في العالم من الحواسيب المرتبطة فيما بينها بلغة موحدة ومفهومة.
    وتتمثل أصالة هذه الشبكة في فكرتين، هما:
    1- تساوي جميع أجهزة الحاسوب فيما بينها.
    2- عدم خضوع الشبكة ذاتها لملكية أي أحد، أو لقانون ما. (د. محمد أسليم، مقدمات العصر الرقمي، من موقعه على الشبكة)
    وكان من الطبيعي أن يتحرك قرنا استشعار الأدب إزاء هذا الطارق الجديد، لأنه، كما ذكرنا، من أشد جوانب الحياة تأثّرًا بالمتغيرات الطارئة على أي مجتمع. وإذا كان المتوقع هو عزوف الأدب عن التكنولوجيا الرقمية (المتمثلة في شبكة الإنترنت)، وبقاؤه محافظًا على روح التقليدية التي تصبغه بها الصورة النمطية للكتاب في الأذهان، ورائحة الأوراق الصفراء التي تمتزج برائحة غبار السنوات والقرون التي يحملها بين دفّتيه، إلا أن الواقع جاء مخالفًا لكل توقع، فقد تمكن الأدباء في مختلف أنحاء العالم من التكيّف مع التسرب التكنولوجي إلى الفضاء الأدبي، ولم ينكروا أو يستنكروا، بل رحبوا بذلك، وقاموا في سبيل تأكيدهم على موقفهم الإيجابي والمرحب بالطارق الجديد بإعادة نشر نتاجاتهم الأدبية رقميًا على شبكة الإنترنت، لما لمسوه من تفوقها على النشر الورقي في عدة نواحٍ، كسهولة النشر، وسرعته، وسعة انتشاره، وزهد تكلفته.
    هذا ما حدث مع بدء انتشار شبكة الإنترنت، وتوفرها للمستخدم العادي، في مشارق الكرة الأرضية ومغاربها، إذ نفض الأدب عنه عباءة الورقية، وآثر التدثر بعباءة الرقمية، وذلك بانتقاله من الطور الورقي الذي كان سائدًا قبل حدوث التزاوج بينه وبين التكنولوجيا، والذي كان المبدع فيه يكتب نصوصه على الورق، ليُقدِّمها إلى المتلقي من خلال ذلك الوسيط، إلى الطور الرقمي، الذي يقوم المبدع فيه برقْمِ نصوصه على شاشة الحاسوب، باستخدام لوحة المفاتيح، كي تصل إلى المتلقي من خلال هذا الوسيط الجديد. ويمكن القول إن هذا الوسيط لم يعد جديدًا الآن، إذ نشأت بيننا أجيال أكثر ألفة بالحواسيب والإلكترونيات منها بالكتب والمجلدات.
    إلا أن هذا التغير الذي طرأ على العملية الأدبية أفرز عددًا من الأوجه الإيجابية، منها على سبيل المثال، أن الأدب لم يعد فنًّا خاصًّا بالنخبة، أو بفئة مرفّهة من الناس، بل أصبح لسانًا معبرًا عن حال المجتمع، وهموم أفراده، الذين وجدوا فيما تقدمه الثورة المعلوماتية، والتي نحصرها في هذا السياق في شبكة الإنترنت، متنفسًّا لهم، يمكنهم من خلالها أن يمارسوا رغبتهم في الكتابة دون أن يصطدموا بواقع البيروقراطية العربية، المهيمنة على دور النشر والمؤسسات الثقافية الرائدة من جهة، ومن جهة أخرى، تمكّن أفراد المجتمع من الراغبين في تعاطي الأدب وممارسته، من التعبير عن أي موضوع يعنّ لهم، دون خشية مرور مقص رقيب عليه. كل هذا أصبح متاحًا بعد انتشار استخدام شبكة الإنترنت بين أفراد المجتمعات.
    كما أصبح بإمكان كل من يجد في نفسه بذرة شاعر، أو روائي، أو كاتب لأي فن من فنون الأدب، أن يقدم ما يكتبه للجمهور المتلقي، وينتظر حكمه عليه، ذلك الحكم الذي ينطلق بعفوية، دون أن يُعرف الكاتب إلا من خلال اسمه المدون على الشاشة الزرقاء، بعيدًا عن حدود المجاملات، والإطراءات المخادعة، المعتمدة على المعرفة الشخصية والعلاقات الاجتماعية، كل هذا في عصر الإنترنت والثورة المعلوماتية.
    وفي هذا العصر أيضًا، أصبح الأدب مادة للجميع؛ فلا يمكن للناشرين أن يتحكموا في ما يُطرح على الجمهور المتلقي، كما يفعلون مع الإنتاج الإبداعي الورقي التقليدي، وإن كانوا يبررون موافقتهم نشر كتاب أو ديوان دون آخر، بتقيدهم برغبات الجمهور، وخضوع سياسة دورهم لقانون العرض والطلب، إلا أن من المعروف أنه قد فُرض كثيرًا على الجمهور ما لا رغبة له به، كما حُرم هذا الجمهور، مما كان يرغب في اقتنائه وقراءته، بناء على اعتبارات سياسية، أو دينية، أو غير ذلك. وما محاولات تهريب كتب (ممنوعة) إلى بعض الدول إلا ردّ فعل على حالة الحرمان الأدبي التي يعاني منها الجمهور، في بعض الدول.
    وإذا انحرفنا بنظرنا إلى الجهة الأخرى من العالم، سنجد أن تأثر الأدب بالتكنولوجيا قد اتّخذ شكلا مختلفًا، ومتناسبًا في رأيي مع كون قاطني تلك الجهة من العالم هم المنتجون الفعليون للتكنولوجيا الرقمية ولشبكة الإنترنت، وهذا يعني أن تأثر أدبهم بما ينتجون لا بد أن يكون مختلفًا عن تأثر أدب المستهلكين بما ينتجه الآخرون.
    لقد تحرّك قرنا استشعار الأدب في الغرب عمومًا، في أمريكا وأوروبا وفي بعض دول شرق آسيا، إزاء هذا الطارق الجديد بشكل مختلف عن الشكل الذي اتخذته تلك الحركة عندنا في العالم العربي، إذ تمّ ذلك التداخل الذي حدث بين الأدب والتكنولوجيا بما يشبه فعل تزاوج، تمخّض عن ولادة جنس أدبي جديد، فيه شيء من ملامح الأدب، وأشياء من ملامح التكنولوجيا، هو ما اصطُلح على تسميته في الأدب الغربي باسم (Interactive Literature)، والذي ترجمه عددٌ من النقاد العرب القلة المهتمين بفحص العلاقة بين الأدب والتكنولوجيا، بمصطلح (الأدب التفاعلي)، الذي لمّا يستقر بعد في الأوساط الثقافية، الأدبية والنقدية، العربية.
    تعريف الأدب التفاعلي..
    يعدّ هذا المصطلح من المصطلحات الراسخة في الثقافة الغربية المعاصرة، وبالإمكان التعرف إلى مدى رسوخه عندهم من خلال البحث عنه باستخدام أي محرك بحث على شبكة الإنترنت، ولا بد أن يُفاجأ القارئ العربي، الذي يسمع هذا المصطلح للمرة الأولى، بعدد الروابط المحيلة على مواقع مختلفة، بعضها رسمي، خاص بجامعات واقعية أو افتراضية، وبعضها خاص بمؤسسات ثقافية، أو معنيّة بالثقافة والإبداع الأدبي، بالإضافة إلى روابط تحيل على مواقع شخصية، بعضها خاص بالأدباء الذين أبدعوا النصوص الأولى والأساسية في هذا النمط الجديد من الكتابة، وبعضها يعود لعدد آخر، ربما أكبر، من الأدباء الذين ساروا على نهجهم في طريق الأدب والإبداع التفاعلي. كما يحيل بعض تلك الروابط على أعمال ندوات ومؤتمرات أقيمت حول (الأدب التفاعلي)، وكذلك أعمال الندوات والمؤتمرات التي أقيمت عن اللغة التي تُستَخدَم لكتابة مثل هذا النوع من النصوص الأدبية المكتسية بالحلّة التكنولوجية، وهي ما اصطُلح على تسميته بـ(النص المتفرع)، الذي يقابل المصطلح الأجنبي (Hypertext)، وغير هذا الكثير.
    وإذا كنتُ قد عرّفت في غير دراسة منشورة على الشبكة العنكبوتية بمصطلح (النص المتفرع)، وأظنه قد أصبح معروفًا، أو مفهومًا على الأقل، عند القارئ المهتم بهذا النمط من الكتابة الأدبية، فإنني لا بد أن أتوقف للتعريف بمصطلح (الأدب التفاعلي)، الذي لا يزال غريبًا في الكتابة النقدية العربية، لسبب بسيط، هو غياب النصوص الأدبية التفاعلية، التي تحفّز الناقد التفاعلي على الاقتراب منه، ومحاولة سبر أغواره.
    يُعرّف (الأدب التفاعلي) بأنه الأدب الذي يوظّف معطيات التكنولوجيا الحديثة، خصوصًا المعطيات التي يتيحها نظام (النص المتفرع- Hypertext) ، في تقديم جنس أدبي جديد، يجمع بين الأدبية والإلكترونية. ولا يمكن لهذا النوع من الكتابة الأدبية أن يتأتّى لمتلقيه إلا عبر الوسيط الإلكتروني، أي من خلال الشاشة الزرقاء. ويكتسب هذا النوع من الكتابة الأدبية صفة التفاعلية بناء على المساحة التي يمنحها للمتلقي، والتي يجب أن تعادل، وربما تزيد عن، مساحة المبدع الأصلي للنص، مما يعني قدرة المتلقي على التفاعل مع النص بأي صورة من صور التفاعل الممكنة.
    وقد عرّف (سعيد يقطين) هذا المصطلح في كتابه (من النص إلى النص المترابط: مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي-ص9-10)، ضمن مفهوم (الإبداع التفاعلي- Interactive Creativity)، بأنه مجموع الإبداعات (والأدب من أبرزها) التي تولّدت مع توظيف الحاسوب، ولم تكن موجودة قبل ذلك، أو تطورت من أشكال قديمة، ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورًا جديدة في الإنتاج والتلقي.
    ومن شروط تحقق مصطلح (الأدب التفاعلي):
    - أن يتحرر مبدعه من الصورة النمطية التقليدية لعلاقة عناصر العملية الإبداعية ببعضها.
    - أن يتجاوز الآلية الخطية التقليدية في تقديم النص الأدبي.
    - أن يعترف بدور المتلقي في بناء النص، وقدرته على الإسهام فيه.
    - أن يحرص على تقديم نص حيوي، تتحقق فيه روح التفاعل، لتنطبق عليه صفة (التفاعلية).
    وإذا كان كل أدب تفاعلي في جوهره، إذ لا يكتسب النص الأدبي وجوده إلا بتفاعل المتلقي معه، فإن هذه الصفة كانت موجودة بالإدراك، ولم يُنَص عليها أو تصبح صفة ملازمة للنص الأدبي إلا بانتقاله من طوره الورقي التقليدي إلى طوره الإلكتروني الجديد.
    وقد عرف الأدب الغربي نماذج مختلفة من (الأدب التفاعلي)، تنتمي لأجناس مختلفة، منها (القصيدة التفاعلية- Interactive Poem)، التي تنتمي إلى جنس (الشعر التفاعلي- Interactive Poetry)، ومنها (المسرحية التفاعلية- Interactive Drama)، التي تنتمي إلى جنس (المسرح التفاعلي- Interactive Theatre)، بالإضافة إلى (الرواية التفاعلية- Interactive Novel). ولكل جنس من هذه الأجناس الأدبية التفاعلية أعلام نظّروا له، وأرسوا أصوله، وبيّنوا أهم خطوطه وملامحه، وأبدعوا نصوصه الأولى، التي تعدّ من كلاسيكياته. ويمكن التوقف، في دراسات قادمة، عند بعض النماذج الممثلة لكل جنس من هذه الأجناس الأدبية التفاعلية.
    وتتّصف نصوص (الأدب التفاعلي) بعدد من الصفات التي تميّزها عن نظيرتها التقليدية. منها على سبيل المثال، ما يلي:
    1- أن (الأدب التفاعلي) يقدّم نصًا مفتوحًا، نصًا بلا حدود، إذ يمكن أن ينشئ المبدع، أيًا كان نوع إبداعه، نصًا، ويلقي به في أحد المواقع على الشبكة، ويترك للقرّاء والمستخدمين حرية إكمال النص كما يشاؤون.
    2- أن (الأدب التفاعلي) يمنح المتلقي أو المستخدم فرصة الإحساس بأنه مالك لكل ما يقدم على الشبكة، أي أنه يُعلي من شأن المتلقي الذي أُهمل لسنين طويلة من قبل النقاد والمهتمين بالنص الأدبي، والذين اهتموا أولا بالمبدع، ثم بالنص، والتفتوا مؤخرًا إلى المتلقي.
    3- لا يعترف (الأدب التفاعلي) بالمبدع الوحيد للنص، وهذا مترتب على جعله جميع المتلقين والمستخدمين للنص التفاعلي مشاركين فيه، ومالكين لحق الإضافة والتعديل في النص الأصلي.
    4- البدايات غير محددة في بعض نصوص (الأدب التفاعلي)، إذ يمكن للمتلقي أن يختار نقطة البدء التي يرغب بأن يبدأ دخول عالم النص من خلالها، ويكون هذا باختيار المبدع الذي ينشئ النص أولا، إذ يبني نصه على أساس ألا تكون له بداية واحدة، والاختلاف في اختيار البدايات من متلقٍ لآخر يجب أن يؤدي إلى اختلاف سيرورة الأحداث (في النص الروائي، أو المسرحي، على سبيل المثال) من متلقٍ لآخر أيضًا، وكذلك فيما يمكن أن يصل إليه كل متلقٍ من نتائج.
    5- النهايات غير موحّدة في معظم نصوص (الأدب التفاعلي)، فتعدد المسارات يعني تعدد الخيارات المتاحة أمام المتلقي/ المستخدم، وهذا يؤدي إلى أن يسير كل منهم في اتجاه يختلف عن الاتجاه الذي يسير فيه الآخر، ويترتب على ذلك اختلاف المراحل التي سيمر بها كل منهم، مما يعني اختلاف النهايات، أو على الأقل، الظروف المؤدية إلى تلك النهايات وإن تشابهت أو توحدت.
    6- يتيح (الأدب التفاعلي) للمتلقين/ المستخدمين فرصة الحوار الحي والمباشر، وذلك من خلال المواقع ذاتها التي تقدم النص التفاعلي، رواية كان، أو قصيدة، أو مسرحية، إذ بإمكان هؤلاء المتلقين/ المستخدمين أن يتناقشوا حول النص، وحول التطورات التي حدثت في قراءة كل منهم له، والتي تختلف غالبًا عن قراءة الآخرين.
    7- إن جميع المزايا السابقة تتضافر لتنتج هذه الميزة، وهي أن درجة (التفاعلية) في (الأدب التفاعلي) تزيد كثيرًا عنها في الأدب التقليدي المقدم على الوسيط الورقي.
    8- في (الأدب التفاعلي) تتعدد صور التفاعل، بسبب تعدد الصور التي يقدّم بها النص الأدبي نفسه إلى المتلقي/ المستخدم.
    موقف الأدباء العرب من تزاوج الأدب بالتكنولوجيا..
    وبالعودة مرة أخرى إلى المشهد العربي، وبالتحديد إلى طبيعة علاقة المبدع الأدبي العربي بالإمكانات الهائلة التي تتيحها شبكة الإنترنت، ومدى إفادته منها، وتوظيفه لها في نصوصه، سنجده لا يزال مرابطًا عند الخطوة الأولى التي خطاها المبدعون الغربيون في بداية تعاملهم مع هذه الشبكة، وهي تقديم نسخة رقمية للنسخة الورقية لأعمالهم، للأسباب المختلفة التي ذُكرت أعلاه، والتي يمكن اختصارها في كلمات معدودة، مثل: السرعة، والسهولة في الوصول إلى المتلقي، حرية التعبير، زهد التكلفة، وسعة الانتشار، وغير ذلك من الأسباب الوجيهة التي تحفز المبدع على تقديم نسخة رقمية من أعماله الأدبية.
    ولكنّ هذه الشبكة تسمح لمستخدميها بما هو أكثر من هذه الإمكانية التي تجاوزها المبدعون في الغرب بعشرات، بل بمئات، أو آلاف الأميال، ونحن لا نزال نتعبّد في محرابها. وقد أطلق أحد النقاد المغاربة، وهو الدكتور (محمد أسليم)، على حالة الركود الإلكتروني التي يعيشها المشهد الثقافي العربي في عصر الثورة المعلوماتية تعبير (الغفوة الإلكترونية). وهو تعبير طريف، ومعبّر إلى حدٍّ ما، ولكنني أعتقد أن الأمر أكثر من مجرد (غفوة)، إنه أقرب إلى (البيات الشتوي)؛ فهذه الشبكة متوفرة منذ تسعينيات القرن الماضي في كثير من الدول العربية، والخليجية تحديدًا، ولكنّ أيًّا من تلك الدول لم تقدم لنا إلى اليوم نصوصًا أدبية في حلة إلكترونية، تتجاوز كونها مجرد نسخة رقمية لنص ورقي أساسًا. ونستثني من هذا الحكم نصًّا روائيًا واحدًا، ويتيمًا، صدر عام (2001م)، ولم يُشفَع بآخر حتى اليوم، وعنوانه (ظلال الواحد)، للروائي الأردني (محمد سناجلة).
    يُعدّ هذا النص مثالا مبسّطًا للنصوص التفاعلية، التي خطا الغرب فيها خطوات واسعة جدًا، ويعدّ هذا الروائي الأردني أول أديب عربي يلج بوابة (الأدب التفاعلي) من خلال روايته التي تتسم بالبساطة في أدواتها التقنية، نظرًا لكونها تجربة شخصية بحتة، لم يستعن فيها الروائي بأي معين خارجي. ويستعدّ هذا الروائي نفسه الآن لطرح روايته التفاعلية الجديدة (تشات) رقميًا، من خلال موقع (اتحاد كتّاب الإنترنت العرب) الذي يترأسه.
    والنتيجة هي أن روائيًا عربيًا واحدًا فقط، من بين آلاف، بل عشرات الآلاف الروائيين والمبدعين العرب في كافة الأجناس الأدبية، هو الذي خاض غمار التجربة التفاعلية.
    والسؤال الذي يطرح نفسه، بل هي عدة أسئلة، لكن أهمها: لماذا توقف المبدعون العرب عند حدّ معين في إفادتهم من التكنولوجيا الرقمية الحديثة، وشبكة الإنترنت تحديدًا؟
    هل كانوا يريدون بقبولهم المبدئي وإقبالهم السطحي على هذه الشبكة أن يبعدوا عنهم تهمًا من مثل: (التخلف)، و(الرجعية)، و(عدم القدرة على مجاراة العصر)، .. إلخ؟
    لماذا لا يحاولون التعرّف إلى ما قدمه المبدعون في الغرب، لتحديد موقفهم منه قبولا أو رفضًا، وكذلك ليحاولوا البناء عليه، وإضافة جديدهم له؟
    لقد تفاجأت في مواقف كثيرة بعدم معرفة معظم من أتحدث معهم عن (الأدب التفاعلي) به، بل إن أغلبهم لم يسمع بالمصطلح نفسه، مع أنهم من المتخصصين في الأدب، وعلى اطلاع واسع بنتاج الأمم على المستوى الورقي التقليدي، لكنهم لم يحاولوا، أثناء جلوسهم على الشبكة، لفترات تتفاوت طولا وقصرًا بين شخص وآخر، أن يتعرفوا إلى ما استجدّ في الساحة الأدبية الغربية من أنماط في الكتابة الأدبية، يمتزج فيها الأدب بغيره من فروع العلوم، التي توهم بعدم وجود مواضع التقاء بينها وبينه.
    طبعًا هذا الحكم ليس عامًّا، والدليل على ذلك هو إعلان ميلاد (اتحاد كتّاب الإنترنت العرب)، الذي يُعدّ دليلا واضحًا على وجود عدد من الأدباء والنقاد العرب، من المهتمين بالتداخل الحاصل بين الأدب والتكنولوجيا، والذين يرون أن المستقبل للرقمية. ويستبشر المرء خيرًا عندما يرى عدد الأعضاء المنتسبين لهذا الاتحاد يتزايد، مما يدل على وجود بوادر صحوة من (الغفوة الإلكترونية) التي أشار إليها (د. أسليم) في دراسته عن المشهد الثقافي العربي في عصر الثورة المعلوماتية. ولكن الملاحظ هو أنه إلى الآن، لم يصل إلى مسامعنا صدور (مسرحية تفاعلية)، أو (فيلم تفاعلي)، أو (قصيدة تفاعلية)، وهذا ما كان الدكتور (سعيد يقطين) قد ذكره بأسى وحسرة في انتقاده لحال الأدب والأدباء العرب الذين لا يزالون متمسّكين بالورقية في أوج عصر الرقمية، في كتابه سالف الذكر، مع أن حكمه كان عامًا، وغير دقيق، إذ ذكر أيضًا عدم وجود (رواية تفاعلية) في الوقت الذي كانت رواية (ظلال الواحد) قد صدرت قبل نشر الدكتور (يقطين) كتابه بثلاث سنوات تقريبًا، إلا أن فيه قدرًا كبيرًا من الصحة، بخصوص بقية الأجناس الأدبية.
    إن ركب الحضارة يمضي، ولا بد لنا من اللحاق به، إذا كنا عجزنا عن أن نكون قادته. ولعلّ التعرف إلى ما عند الآخر يكون طريقًا للإبداع، إذ يمكننا أن نجمع طريفنا إلى تالدنا، وأن نضمّ حصيلة ما نكتسبه اكتسابًا من الأمم والحضارات الأخرى إلى إرثنا الغني الذي أبدعه أجدادنا، وتركوه أمانة في أعناقنا، لنمنحه ما يتيسر لنا من عناية واهتمام، كي نستطيع أن نبني عليه، ونطوره، ونضيف إليه بحسب ما يستجدّ في كل عصر.
    ومن الواضح والمشهود لنا به أننا قد اعتنينا بتراثنا كثيرًا، وبالغنا في الاعتناء به، ولكن من خلال حفظه في أفضل الخزائن، وإحكام الإغلاق عليه، حرصًا عليه من الضياع، وتعيين من يقوم بتنظيفه، بشكل دوري، مما يتراكم عليه من الغبار، نتيجة عدم الاستخدام، حماية له من التلف، ولكننا لم نقم بما كان المطلوب منا القيام به، وهو قراءة هذا التراث بعين البصر والبصيرة، ونقده، ومعارضته بما توصل إليه الآخر، وتعريف الآخر بما توصل إليه أجدادنا، وتقديم كل ذلك له في صيغة جديدة، تتناسب والعصر الذي نحن فيه، بعد أن نكون قد أعملنا أذهاننا وعقولنا، وأرهقنا أجسادنا، وبذلنا الغالي والنفيس في سبيل ذلك.
    ::. د. فاطمة البريكي
    جامعة الإمارات
    عضو اتحاد كتّاب الإنترنت العرب

  2. #2
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: البصرة
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 27,178 المواضيع: 3,882
    صوتيات: 103 سوالف عراقية: 65
    التقييم: 5826
    مزاجي: هادئة
    أكلتي المفضلة: مسوية رجيم
    موبايلي: Iphon 6 plus
    آخر نشاط: 5/August/2024
    مقالات المدونة: 77
    شكرا لك استاذ مازن

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Daleen مشاهدة المشاركة
    شكرا لك استاذ مازن
    مشكورة استاذة دالين على مروركِ الرائع
    تحياتي

  4. #4
    من أهل الدار
    المتماهي
    تاريخ التسجيل: September-2010
    الدولة: ميسان
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 30,883 المواضيع: 301
    صوتيات: 90 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 31880
    المهنة: دكتوراه/ نقد حديث
    موبايلي: Ultra s24
    مقالات المدونة: 130
    إنتقاء جميل أستاذ مازن .. وخارج محاولة الكاتبة تجنيس الأدب التفاعلي والذي تعارضت معه لاحقاً بما أوردته عن كون هذا الأدب يداخل أجناس أدبية مختلفة .. خارج هذه المحاولة أجد الكاتبة وفقت في التعريف ( المقدماتي ) للأدب التفاعلي .. تقييمي

  5. #5
    من المشرفين القدامى
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيفرة دافنشي مشاهدة المشاركة
    إنتقاء جميل أستاذ مازن .. وخارج محاولة الكاتبة تجنيس الأدب التفاعلي والذي تعارضت معه لاحقاً بما أوردته عن كون هذا الأدب يداخل أجناس أدبية مختلفة .. خارج هذه المحاولة أجد الكاتبة وفقت في التعريف ( المقدماتي ) للأدب التفاعلي .. تقييمي
    استاذ عمار اشكر لك هذه المداخلة واعتز بتقييمك الغالي
    تحياتي

  6. #6
    من أهل الدار
    المتفائل
    تاريخ التسجيل: October-2012
    الدولة: Basraha
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 8,893 المواضيع: 1,015
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 1392
    مزاجي: الحمد لله
    المهنة: في طاعة الله
    أكلتي المفضلة: السمك
    موبايلي: سامسونج
    آخر نشاط: 8/February/2021
    مقالات المدونة: 5
    يسلمووووووو

  7. #7
    من المشرفين القدامى
    دائمة الطفولة
    تاريخ التسجيل: October-2011
    الدولة: كوردستان
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 25,111 المواضيع: 2,053
    صوتيات: 11 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 10918
    مزاجي: زي العسل
    أكلتي المفضلة: دولمة
    آخر نشاط: 7/July/2014
    تسلم الايادي

  8. #8
    من المشرفين القدامى
    [QUOTE=husaam;716653]يسلموووووو
    اشكر مرورك العطر

  9. #9
    من المشرفين القدامى
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بـاران مشاهدة المشاركة
    تسلم الايادي
    مشكورة باران على المرور والتقييم
    تحياتي

  10. #10
    من اهل الدار
    فــــوبيا
    تاريخ التسجيل: September-2010
    الدولة: البصرة
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 3,899 المواضيع: 296
    صوتيات: 9 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 3559
    مزاجي: كما تريد
    المهنة: عامل تنظيف دردشة
    أكلتي المفضلة: عيناكِ
    موبايلي: آيفون
    آخر نشاط: 8/December/2020
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى فوبـــيا
    بوركت أستاذ مازن العزيز

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال