غالى يَسارٌ واستخفَّ يمينُ بكَ يا لِكُنهِكَ لا يكادُ يَبينُ
تُجفى وتُعبَدُ والضغائنُ تغتلي والدهرُ يقسو تارةً ويلينُ
وتظَلُ أنتَ كما عهِدتُكَ نغمهً للآنَ لم يرقى لها تلحينُ
فرأيتُ أن أرويكَ محضَ روايةٍ للناسِ لا صُوَرٌ ولا تلوينُ
فلأ نتَ أروعُ إِذ تكونُ مجرَّداً ولقدْ يضُرٌ برائعٍ تثمينُ
ولقد يَضيقُ الشكلُ عن مضمونِهِ ويضيعُ داخلَ شكلِهِ المضمونُ
إنِّي أتيتُكَ أجتليك وأبتغي وِرداً فعندَك للعُطاشِ معينُ
وأغضٌ عن طَرْفي أمامَ شوامخٍ وَقـْعَ الزمانِ واُسٌهُنَّ متينُ
وأراكَ أكبرَ من حديثِ خِلافةٍ يستامُها مروانُ أو هارونُ
لكَ بالنِّفوسِ إمامهٌ فيهونُ لو عَصَفتْ بك الشورى أوالتعيينُ
فدعِ المعاولَ تزْبَئِرٌ قساوةً وضراوةً إنَّ البِناءَ متينُ
أَ أبا ترابُ وللترابِ تفاخُرٌ إن ْ كانَ من أمشاجِهِ لكَ طينُ
والناسُ من هذا الترابِ وكُلّـُهمْ في أصلهِ حمَاٌ به مسنونُ
لكنَّ مِن هذا الترابِ حوافرٌ ومن الترابِ حواجبٌ وعيونُ
فإذا استطالَ بك الترابُ فعاذِرٌ فلأَ نتَ من هذا التُرابِ جبينُ
ولئِن رُجِعتَ الى التُرابِ فلم تمُتْ فالجذرُ ليسَ يموتُ وهو دفينُ
لكِنَّهُ ينمو ويفترعُ الثرى وترُفٌ منه براعُمٌ وغصونُ
بالأمسِ عُدتَ وأنتَ أكبرُ مااحتوى وعيٌ وأضخمُ ما تَخالُ ظُنونُ
فسألتُ ذهنيَ عنكَ هل هو واهمٌ فيما روى اَمْ اَنَّ ذاكَ يقينُ
وهل الذي ربّى أبي ورَضِعتُ من اُمي بكلِ تُراثِها مأمونُ
أم أنَّهُ بَعُدَ المدى فتضخمتْ صُوَرٌ وتُخدَعُ بالبعيدِ عيونُ
أم اَنَّ ذلـك حاجهُ الدُّنيا الى متكاملٍ يهفو له التَّكوينُ
فطلِبتُ من ذهني يميطـُ ستائراً لَعِبَ الغلوٌ بهــا أو التهوينُ
حتى انتهى وعيِي إليكَ مجرَّداً ما قادهُ الموروثُ والمخزونُ
فإذا المُبالِغُ في عُلاكَ مقصرٌ وإذا المبذرُ في ثناكَ ظَنينُ
وإذا بك العِملاقُ دون عيانِهِ ما قد روى التأريخُ والتدوينُ
وإذا الذي لكَ بالنفوسِ من الصدى نَزَرٌ وإِنَّكَ بالأشـــدِّ قمينُ
أ أبا الحسينِ وتلكَ أروعُ كُنيةٍ وكـلاكُـما بالرائعاتِ قمينُ
لك في خيالِ الدهرِ أيٌ رؤىً لها يروي السَّنا ويُترجِمُ النّـِسرينُ
هنَّ السوابقُ شزَّباً وبشوطها ما نال منها الوهنُ والتوهينُ
والشَّوطـُ مملكهُ الأصيلِ وإنَّما يُؤذي الأصائِلَ ان يسودَ هجينُ
فسَما زمانٌ أنتَ في أبعادِه وعلا مكانٌ أنت فيهِ مَكينُ
آلاؤُ كَ البيضاءُ طوَّقتِ الدٌنا فلها على ذِمَمِ الزمانِ ديونُ
اُفـُقٌ من الإِبكارِ كلٌ نجومِه ما فيه حتى بالتصورِ عَوْنُ
في الحربِ أنتَ المستحِمٌ من الدِما والسِّلمِ أنت التينُ والزيتونُ
والصبحِ أنت على المنابرِ نغمهٌ والليلِ في المحرابِ أنت أنينُ
تكسو وأنت قطيفهٌ مرقوعهٌ وتموتُ من جوعٍ وأنت بطينُ
وترِقُّ حتى قيلَ فيكَ دُعابهٌ وتَفـُحُّ حتى يفزعُ التِّننينُ
خُلُقٌ أقلٌ نُعوتهِ وصفاتِهِ أنَّ الجلالَ بمثلهِ مقرونُ
ما عُدتُ ألحو في هواكَ متيماً وصفاتُك البيضاءُ حُورٌ عِينُ
فبحيثُ تجتمعُ الورودُ فَراشهٌ وبحيثُ ليلى يوجدُ المجنونُ
وإذا سألتَ العاشقينَ فعندَهُمْ فيما رَوَوهُ مبَرَّرٌ موزونُ
قسماً بسحرِ رؤاكَ وهي إِلِيَّةٌ ما مثلُها فيما أخالُ يمينُ
لو رُمتَ تحرِقُ عاشِقِيكَ لما ارعوَوا ولقد فعلتَ فما ارعوى المفتونُ
والعيشُ دون العِشقِ او لَذْعِ الهوى عيشٌ يليقُ بمثلِهِ التأبينُ
ولقد عشِقتُك واحتفتْ بك أضلُعي جمراً وتاهَ بجمرهِ الكانونُ
وفِداءُ جمرِكَ إنَّ نفسيَ عندها توقٌ الى لذعاتِهِ وسكونُ
ورَجَعتُ أَعذِرُ شانِئيكَ بفعلِهم فمتى التقى المذبوحُ والسِّكينُ
بدرٌ واُحدٌ والهِراسُ وخيبرٌ والنَهروانُ ومثلُها صِفـِّينُ
رأسٌ يطيحُ بها ويندُرُ كاهلٌ ويدٌ تُجَذ ويُجدَعُ العِرنينُ
هذا رصيدُك بالنفوسِ فما ترى أيُحبُّكَ المذبوحُ والمطعونُ
ومن البداهةِ والدٌيونُ ثقيلهٌ في أن يُقاضى دائنٌ ومدينُ
حقدٌ الى حَسَدٍ وخِسَّهُ معدِنٍ مطرتْ عليكَ وكلُّهُنَّ هَـتُونُ
راموا بها أن يدفِنوكَ فهالهم أن عاد سعيُهُمُ هو المدفونُ
وتوهموا أن يُغرقوك بشتمِهم أتخافُ من غَرَقٍ وأنتَ سَفينُ
ستظَلُّ تحسبُك الكواكبُ كوكباً ويهُزُّ سمعَ الدهرِ منك رنينُ
وتعيشُ من بعدِ الخُلودِ دلالهً في أنَّ ما تهوى السماءُ يكونُ
معاني الكلمات: كنهك: جوهرك وحقيقتك، ورد: منهل الماء، أُس: الأساس يقال قلعه من أُسه، يستامها: يتبايعوها ، أمشاج: جمع مشج وهو خليط من شيئين أو لونين، حمأ: الطين الأسود ، مسنون:معمول كالفخار، قمين:جدير، النسرين:ورد أبيض عطري قوي الرائحه، شزباً: جمع شازب وهو الذلول، شوطها:عدوها والشوط هو العدو الى الهدف، الإبكار: أول النهار الى طلوع الشمس، قطيفه: كساء له أهداب، دعابه: ممازحه، تفح : تنفخ من فيك، إلية: اليمين والقسم، الكانون:الموقد، الهراس:الدق الشديد في الحرب، يندر:يسقط، العرنين: الأنف الأشم، هتون: الكثير.