ثمة أشياء نمر عليها سريعا نحن الذين نتابع تخريفات عبد الكريم خلف وقنبلته النووية التي يُصنّعها المحتجون في المطعم التركي
والتي ربما تُحول بغداد إلى رماد..
وللأسف ننسى ونحن ننشغل بلجنة التعديلات الدستورية التي تضم فقهاء القانون من عينة فالح الساري ومحمد تميم وصباح الساعدي وظافر العاني
أن هناك نساء باسلات قررن في لحظة صدق ووطنية أن يقفن إلى جانب أبنائهن في ساحات الاحتجاجات..
فهذه سيدة تقدم “الخبز” الساخن مجانا..
وتلك تتنقل بين الشباب تضع أمامهم صحون الطعام البيتي..
وتلك امرأة مسنة لم تجد في بيتها سوى صمون ومعه قليل من الخضار قررت أن يصبح من حصة الفتيان في ساحة التحرير..
ومن بين المشاهد المؤثرة مشهد أم عباس ومعها صديقتها أم محمد الأولى جلبت “غسالة ” البيت والثانية اشترت “غسالة ” بالتقسيط..
والهدف هو تنظيف ملابس المعتصمين، نساء نمر عليهن كل يوم دون أن نعرف اسمائهن لكنهن سجلن حضورا مشرفا سيبقى يذكره العراقيون
مثلما يتذكرون كيف قرر رئيس وزرائهم أن يستبيح دماء الشباب لأنهم تظاهروا من أجل الإصلاح والتغيير
ولم تكن هؤلاء النسوة ثوريات أو ينتمين لحزب من الأحزاب..
بل كن وما زلن يؤمن بشيء واحد اسمه العراق.
عندما تأخذك قدميك إلى ساحة التحرير فستجد نفسك وسط عراق مصغر فهذه السيدة من الأعظمية تجيد صنع الكبة الموصلية
وتلك من ذي قار متخصصة في خبز “السياح”
وأخرى تتحدث باللهجة الجنوبية ورجل مسن ما أن يتحدث حتى تشم من كلامه رائحة بغداد
وتلك الفتاة المسيحية التي تقف مبتسمة وهي تحاول أن تفسر مخارج الحروف التي تخرج من فم عجوز ميسانية
ويُخيل إليك وأنت مأخوذ بهذا المشهد أنك أمام لوحة غابت كثيرا بسبب مندوبي الطائفية الذين يعتقدون أن الحــلَّ لأزمات العراق
هو تحويل الشعب إلى قبائل، كل منها تبحث عن مظلوميتها.. المهم أن يجد الشيعي خلاصه في مطاردة السُنّي
وأن يرى السُنّي سعادته في تحقير الشيعي وشتمه والانتقاص منه..
عندما ترى ساحة التحرير وتستمع إلى هتافات المحتجين وتنصت إلى أصواتهم المفعمة بحب العراق
ستعرف أن هذا الصوت هو صوت واحد وأن اختلفت لهجاته..
وإذا كنت خبيرا بمناطق العراق ستعرف من أين أتت هذه السيدة التي قررت أن تستدين من أجل “غسالة ”
تنظف بها ملابس الشباب في ساحة التحرير.
ياعزيزي عادل عبد المهدي كنت اتمنى أن تكون فخورا بمثل هذه النماذج..
وأن تفرح لهؤلاء النسوة اللواتي قدمن للعالم صورة العراق الحقيقي.. وأن تؤمن بأن “غسالة ” أم عباس ستنتج تغييرا في هذه البلاد..
سواء أوافق عبد الكريم خلف ، أم ظل يعاني من منجنيق المطعم التركي.