قصة الثلاثة الرجال
الذين حلفوا باللات والعزى أن يقتلوا
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

*
عَنْ الْإِمَامِ السَّجَادِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ذَاتَ يَوْمٍ وَصَلَّى الْفَجْرَ ، ثُمَّ قَالَ :
مَعَاشِرَ النَّاسِ ، أَيُّكُمْ يَنْهَضُ إِلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ قَدْ آلَوْا بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى لِيَقْتُلُونِي وَقَدْ كَذَبُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ؟
فَأَحْجَمَ النَّاسُ‏ وَمَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ .
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : مَا أَحْسَبُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِيكُمْ ؟
فَقَامَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ قَتَادَةَ فَقَالَ :
إِنَّهُ وُعِكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ يُصَلِّي مَعَكَ ، فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُخْبِرَهُ ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : شَأْنَكَ !
فَمَضَى إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ ، فَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَكَأَنَّهُ نَشَطَ مِنْ عِقَالٍ‏ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ قَدْ عَقَدَ طَرَفَيْهِ‏ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا هَذَا الْخَبَرُ ؟
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : هَذَا رَسُولُ رَبِّي يُخْبِرُنِي عَنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ قَدْ نَهَضُوا إِلَيَّ لِيَقْتُلُونِي ، وَقَدْ كَذَبُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ .
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَنَا لَهُمْ سَرِيَّةٌ وَحْدِي ، هُوَ ذَا أَلْبَسُ عَلَيَّ ثِيَابِي .
فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : بَلْ هَذِهِ ثِيَابِي وَهَذَا دِرْعِي وَهَذَا سَيْفِي .
فَأَلْبَسَهُ وَدَرَّعَهُ وَعَمَّمَهُ وَقَلَّدَهُ وَأَرْكَبَهُ فَرَسَهُ ، وَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَمَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَأْتِيهِ جَبْرَئِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِخَبَرِهِ وَلَا خَبَرٍ مِنَ الْأَرْضِ .
فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) عَلَى وَرِكَيْهَا تَقُولُ :
أَوْشَكَ أَنْ يُؤْتِمَ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ ، فَأَسْبَلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) عَيْنَيْهِ يَبْكِي‏ ثُمَّ قَالَ :
مَعَاشِرَ النَّاسِ ، مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ عَلِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أُبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ !
فَافْتَرَقَ النَّاسُ فِي الطَّلَبِ لِعَظِيمِ مَا رَأَوْا بِالنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، وَأَقْبَلَ عَامِرُ بْنُ قَتَادَةَ يُبَشِّرُ بِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَدَخَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَمَعَهُ أَسِيرَانِ وَرَأْسٌ وَثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثَلَاثَةُ أَفْرَاسٍ ، وَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَخَبَّرَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِمَا كَانَ فِيهِ .
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : تُحِبُّ أَنْ أُخْبِرُكَ بِمَا كُنْتَ فِيهِ يَا أَبَا الْحَسَنِ ؟
فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : هُوَ مُنْذُ سَاعَةٍ قَدْ أَخَذَهُ الْمَخَاضُ ،‏ وَهُوَ السَّاعَةَ يُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَهُ ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : بَلْ تَحَدَّثُ أَنْتَ يَا أَبَا الْحَسَنِ ، لِتَكُونَ شَهِيداً عَلَى الْقَوْمِ .
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَمَّا صِرْتُ فِي الْوَادِي رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ رُكْبَاناً عَلَى الْأَبَاعِرِ ، فَنَادَوْنِي مَنْ أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ . فَقَالُوا مَا نَعْرِفُ لِلَّهِ مِنْ رَسُولٍ ؟ سَوَاءٌ عَلَيْنَا وَقَعْنَا عَلَيْكَ أَوْ عَلَى مُحَمَّدٍ . وَشَدَّ عَلَيَّ هَذَا الْمَقْتُولُ وَدَارَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ضَرَبَاتٌ وَهَبَّتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ وَسَمِعْتُ صَوْتَكَ فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنْتَ تَقُولُ : قَدْ قَطَعْتُ لَكَ جِرِبَّانَ دِرْعِهِ فَاضْرِبْ حَبْلَ عَاتِقِهِ ! فَضَرَبْتُهُ فَلَمْ أُحْفِهِ‏ . ثُمَّ هَبَّتْ رِيحٌ سَوْدَاءُ سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنْتَ تَقُولُ : قَدْ قَلَّبْتُ لَكَ الدِّرْعَ عَنْ فَخِذِهِ فَاضْرِبْ‏ فَخِذَهُ ! فَضَرَبْتُهُ فَقَطَعْتُهُ وَوَكَزْتُهُ‏ وَقَطَعْتُ رَأْسَهُ وَرَمَيْتُ بِهِ ، وَأَخَذْتُ رَأْسَهُ . وَقَالَ لِي هَذَانِ الرَّجُلَانِ : بَلَغَنَا أَنَّ مُحَمَّداً رَفِيقٌ شَفِيقٌ رَحِيمٌ ، فَاحْمِلْنَا إِلَيْهِ وَلَا تُعَجِّلْ عَلَيْنَا وَصَاحِبُنَا كَانَ يُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ !
فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : أَمَّا الصَّوْتُ الْأَوَّلُ الَّذِي حَكَّ مَسَامِعَكَ‏ فَصَوْتُ جَبْرَئِيلَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) . وَأَمَّا صَوْتُ الْآخَرِ فَصَوْتُ مِيكَائِيلَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : قَدِّمْ إِلَيَّ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ .
فَقَدَّمَهُ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاشْهَدْ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ !
فَقَالَ الرَّجُلُ : لَنَقْلُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ !
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : أَخِّرْهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ وَاضْرِبْ عُنُقَهُ .
فَضَرَبَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عُنُقَهُ .
ثُمَّ قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : قَدِّمِ الْآخَرَ .
فَقَدَّمَهُ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاشْهَدْ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ !
فَقَالَ الرَّجُلُ : أَلْحِقْنِي بِصَاحِبِي .
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : أَخِّرْهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ وَاضْرِبْ عُنُقَهُ .
فَأَخَّرَهُ وَقَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ ، فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ : لَا تَقْتُلْهُ ، فَإِنَّهُ حَسَنُ الْخُلُقِ سَخِيٌّ فِي قَوْمِهِ .
فَقَالَ الرَّجُلُ وَهُوَ تَحْتَ السَّيْفِ : هَذَا رَسُولُ رَبِّكَ يُخْبِرُكَ ؟
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : نَعَمْ .
فَقَالَ الرَّجُلُ : وَاللَّهِ مَا مَلَكْتُ دِرْهَماً مَعَ أَخٍ لِي قَطُّ إِلَّا أَنْفَقْتُهُ ، وَلَا كَلَّمْتُ بِسُوءٍ مَعَ أَخٍ لِي وَلَا قَطَبْتُ وَجْهِي فِي الْجَدْبِ‏ . وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ .
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : هَذَا مِمَّنْ جَرَّهُ حُسْنُ خُلُقِهِ وَسَخَاؤُهُ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ .

*
المصدر : (الخصال : ج1، ص94.)